انصب هجوم المصريين بكافة أطيافهم وانتماءاتهم على مفتى مصر، هاجموه بعنف وشراسة تفضح احتقار المصريين لكل من يقيم علاقة مع إسرائيل، وتكشف عن وجدان شعب مصري يعشق الكرامة وفلسطين حد الهيام، وحريص على بذل النفس رخيصة من أجل تحرير المقدسات الإسلامية، أما في فلسطين، فقد انقسم الرأي وفق الانقسام السياسي، فمن كان من رجال السيد عباس، هتف بحياة مفتى مصر، وهلل لشجاعته التي لا تقل عن شجاعة أنور السادات، واعتبروا الزيارة بمثابة تحرير للمسجد الأقصى، أما المنقسمون عن خط السيد عباس السياسي على مختلف مشاربهم، فإنهم غضبوا، وانتقدوا زيارة المفتي بشكل لا يقل عنفاً عن نقد الشعوب العربية والإسلامية لمثل هذا التطبيع المشبوه.
فلماذا انصب الهجوم على مفتى مصر، حتى صار الإسفنج الذي يمتص كل آثام الحكام العرب؟ ألم يدع السيد عباس إلى زيارة القدس في مؤتمر قمة بغداد؟ ألم يهاجم ضمنياً فتوى الشيخ القرضاوي المسلم، وفتوى الأنبا شنودة المسيحي؟ ألم يحض السيد عباس المسلمين والمسيحيين على زيارة القدس والصلاة تحت حراب الغاصبين؟ فلماذا تقصّون على الأثر وأنتم ترون الذئب؟ لماذا تقصمون ظهر المفتي، وترجمونه بالتطبيع، ولا تشيرون إلى السيد عباس الذي مثل الإطار النظري لكل زائر للقدس؟ ولماذا لا تشيرون إلى دولة الأردن التي مثلت الإطار التنفيذي للزيارة؟ ألم يوجه الأمير غازي بن محمد، الممثل الشخصي للملك عبد الله الثاني، ومستشاره للشؤون الدينية، ألم يوجه الدعوة لمفتي مصر، ليرافقه في الزيارة؟ ألم تأت زيارة مفتي مصر بعد عشرين يوماً من زيارة الداعية اليمني "الحبيب الجفري" للقدس، وكان قد تلقى دعوة من الأمير هاشم بن الحسين، الذي رافقه أيضاً في الزيارة؟ بمعنى آخر، هنالك جهات فلسطينية وأردنية لها مصلحة في دعوة علماء مسلمين لزيارة القدس، على افتراض أن الزيارة مقدمة لعمل سياسي لا يعلم تفاصيله إلا رب العباد.
لقد تعمد البعض أن يهاجم زيارة الداعية الجفرى للقدس، محملين المسئولية لمذهبه الشيعي، فإذا بهم اليوم أمام مفتى مصر بمذهبة السني، وهذا يؤكد أن المصالح السياسية فوق المذاهب، وأن زوار مدينة القدس المحتلة لهم مذهب سياسي واحد، لا يقوم على التطبيع فقط، وإنما يسعى إلى تهيئة الوجدان العربي المسلم والمسيحي لتقبل كل المتغيرات الجغرافية التي قد تعصف بالمسجد الأقصى.
بعيداً عن المفتي الذي وقع في الخطيئة، يقول علماء النفس: إن مرضى الإيدز هم أكثر الناس حرصاً على ممارسة الجنس مع الناس الأصحاء، وهدفهم نقل العدوى إلى أكبر عدد ممكن من الناس، وبلا ترددٍ، حتى يصير الجميع مريضاً بإيدز العلاقة الحميمة مع إسرائيل، وحتى يئن الجميع من وجع الرذيلة بتلذذٍ.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت