شعله متوهجة وقودها لا ينضب !!

بقلم: محمد السودي


شهر نيسان حكاية الارض التي تلبس حلتها الجديدة تتباهى ، تزهو بالوانها المختلفة ولانها فلسطين محور الاشياء ، ارض الانبثاقات الاستثنائية فقد تميزت بالطابع الذي لم تألفه الاماكن الاخرى لوحة فسيفسائية من نور ونار يعجز عن رسمها سريالية ريشة الفنان ، كما ان محطات هامة اضحت جزءا لا يتجزا من نيسان تتألق كل عام عند اطلالته البهية ، يستعيد اسطورة التكوين وسرمدية الخلق ، فيه جددت جبهة التحرير الفلسطينية قديمها البالي من خلال ربيعها الشبابي المنتفض من اجل الولاء لفلسطين الارض والقضية الوطنية ، حيث شكل فرسانها الغيارى ظاهرة الريادة لاول ربيع فلسطيني معاصر انحاز دونما تردد الى تطلعات الفقراء في مخيمات اللجوء ، الى دموع الامهات الثكالى ، امهات الشهداء ، الى الاسرى الذين رهنوا حياتهم مقابل حرية شعبهم وفي مقدكتهم عميد اسرى الجبهة القائد محمد التاج ورفاقه، الى البندقية المصوبة بعناية مركزة نحو العدو الغاصب المحتل ، أبت على نفسها ان تكون مادة للمساومة او الاستخدام بيد الاخرين ضد ما يحرفها عن الهدف الرئيس ، واستطاعت ان تعيد تصويب مسارها واخذ مكانتها التي تستحق الى جانب شركاء المسيرة على متن مركب العودة الى فلسطين بأساليبها الخاصة المعبرة عن نفسها في الزمان والمكان المناسبين كانت من ابرز نتائجها الاختراق المباشر لنظرية الامن الصهيوني التقليدية الناجمة عن سيكولوجية التفوق العنصري لدى غزاة الارض القادمين من كل بقاع الدنيا .

لقد تخطت الجبهة بشكل مبكر الاطار التنظيمي المغلق وشرعت ابوابها على مصراعيها امام كل الوطنيين والاحرار الذين وجدوا ما كان ينقصهم في ساحة الصراع المحتدم مع المحتل الغاصب ، حيث الارادة الصلبة وابداع الفكرة التي احدثت المفاجأة في صفوف العدو المرتبك من هول الصدمات المتلاحقة التي لم يكن يتوقعها ، غير ان ذلك لم يرضي البعض ممن حمل الضغينة والحقد الاسود في صدره وبات هاجسه الوحيد الانتقام ووأد الظاهرة في مهدها مهما كان الثمن ، وهكذا في ظلمة الليل الحالك نفذت الجريمة المروعة ، لكن طائر الفينيق نهض مرة اخرى من بين ركام الانقاض بالرغم من هول الجريمة النكراء التي ذهبت ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى حيث امتزج الدم الفلسطيني مع الدم اللبناني والسوري والمصري من بينهم اطفال رضع لا حول لهم ولا قوة .

ان الالتفاف الشعبي الواسع والدعم اللامحدود الذي ابداه المخلصون تجاه الجبهة ومناضليها بعد ان خاب فأل الحاقدين شكل قوة دفع عظيمة في تخطي المأساة وتضميد الجراح ، ليس من اجل الانتقام ، بل تجلى ذلك بابدع صوره في ارض الميدان هنا على شواطئ نهاريا والزيب والقدس والجليل وفي كل مكان من فلسطين ، كما تقدمت الصفوف دفاعا عن الثورة وجماهيرها ومكتسباتها كذلك التصدي لاجتياحات العدو الصهيوني والقوى الانعزالية المتحالفة معه في بنت جبيل ، وصور والعرقوب ، وبيروت وقدمت كوكبة من الشهداء القادة والكادر والمناضلين في طليعتهم الامناء العامين للجبهة القادة العظام طلعت يعقوب ، وابو العباس ، وعمر شبلي ابو احمد والقادة الاوائل ، فؤاد زيدان ابو العمرين ، وحفظي قاسم ابو بكر ، وسعيد اليوسف ، وعز الدين بدرخان ، ومروان باكير ، وجهاد حمو ، ونادر قدري فزع ( ابو كفاح فهد ) والقائمة تطول من الشهداء الابرار .

لم يكن برنامج الجبهة السياسي يقتصر على العمل العسكري حسب ، بل نظر الى القضية الفلسطينية في اطار البعد القومي والتحالف مع القوى المناهضة للعنصرية ، المؤيدة لقضايا الشعوب في الحرية والتحرر ونسجت علاقات مميزة مع الاحزاب العربية والاشتراكية في العالم ، كما حددت رؤيتها الواضحة تجاه منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الانجاز الاكثر اهمية للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده وبالتالي فان المساس بوحدانية تمثيل المنظمة شكّل خط احمر في سياساتها واعتبرت صيانة القرار الوطني المستقل والحفاظ على منظمة التحرير اولوية قصوى بعد خروج الثورة من لبنان ولم تقف مكتوفة اليدين تجاه محاولات شطب المنظمة وخلق البدائل لها واتخذت القرارات الحاسمة لتعزيز وحدة منظمة التحرير الفلسطينية وتطوير ادائها على اساس الشراكة وتكافؤ الفرص وحق الاختلاف داخل البيت الفلسطيني ، لا شك ان المسار التفاوضي الذي بدأ في مدريد ثم اوسلو كان له الوقع الصادم على الاطر الفلسطينية عامة ، وبالتالي فان الجبهة وانسجاما مع ارثها النضالي ودورها التاريخي عبرت عن رفضها القاطع لاتفاق اوسلو الذي رأت فيه انتقاص للحقوق الوطنية الفلسطينية ومتاهة سياسية ستؤدي الى نتائج سلبية على مجمل الوضع الفلسطيني ، لكنها بنفس الوقت فتحت نافذة لعودة عدد من القادة والكوادر والمناضلين الى ارض الوطن طالما لم يترتب على ذلك اي مساس بالموقف الذي اعلنت عنه ، واستطاعت الجبهة من ترتيب اوضاعها داخل فلسطين وفق رؤيتها السياسية والتنظيمية الجديدة بالرغم من مشاغبات بعض الهوامش التي ارادت استثمار الحالة التنظيمية في سبيل تحسين اوضاعها الذاتية ولكن ما سرعان ما تلاشت امام واقع الجبهة الراسخ في الوجدان الفلسطيني .

ان ما تعرضت له الجبهة خلال مسيرتها الكفاحية ، كان اكبر بكثير مما تحملته حالات عريقة صعدت وتلاشت بفعل الازمات المتلاحقة ، حيث تم استهدافها على الصعيد الداخلي للحد من حالة الاستقطاب والمد الجماهيري الذي حظيت به وكذلك من قبل الادارة الامريكية التي فرضت حصارا على الجبهة وقادتها بعد ان نفذت عمليات عسكرية مميزة ضد الاحتلال في العمق ، ثم اعتقلت امينها العام اثر غزو العراق دون اي مسوغات واستشهد داخل السجون الامريكية في عملية اغتيال مركبه مع الموساد الصهيوني ، وبالتالي فقدت الجبهة قائدها ابو العباس في احلك الظروف قساوة ، ومع ذلك تمكنت الجبهة من السير قدما على نهج قادتها العظام غير ان القدر كان اسرع من المتوقع حيث رحل الامين العام عمر شبلي ابو احمد حلب ، تاركا خلفه عبئا ثقيلا وامانة تاريخية ، لابد من صونها والاستمرار بها حتى تحقيق اهداف شعبنا في الحرية والانتصار
اما رفاق الشهداء القادة كانوا لها خير من تحمل الامانة ماضون على العهد ، عهد الشهداء ، عهد فجر الحرية ، عهد تحرير الارض والانسان .

سيبقى رفاق جبهة التحرير الفلسطينية حاملي رسالة الوفاء لشعبهم على طريق انهاء الانقسام واستعادة وحدة شعبنا في الداخل والخارج كمقدمة ضرورية لانهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ...

بمناسبة اليوم الوطني لجبهة التحرير الفلسطينية ذكرى انطلاقتها المجيدة

عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت