في الوقت الذي يتعنت فيه الجانب الصهيوني وحكوماته في عدم الاعتراف بالحق الفلسطيني في الوجود من خلال ما يمارسه من سياسات للسيطرة على الأرض والإنسان سواء من خلال قوانين تُسنّ لشرعنه الاستيطان أو البؤر والمستوطنات غير شرعية المقامة على أراضي فلسطينية داخل الضفة الغربية، أو من خلال الاعتقال السياسي لكثير من الفلسطينيين اعتقالاً تعسفيا يخالف قوانين الحريات والعدالة الإنسانية الدولية ويعتبر من جرائم الحرب، أو من خلال ما تقوم به من
هيمنة على ممتلكات الفلسطينيين وصبغها باللغة اليهودية وبالذات في مدينة القدس الشرقية .
ففي هذه الأجواء الملبدة بالحقد الصهيوني للحق الفلسطيني بالوجود على أرضه يخرج رئيس الحكومة الإسرائيلي "نتنياهو " ليعلن سخائه وسماحته وكرمه للفلسطينيين بالموافقة على إقامة دولة فلسطينية غير مقطعة الأوصال كما الجبن السويسري بل يحق للفلسطينيين دولة متواصلة شريطة أن تكون منزوعة السلاح ، ويقول أنه لا يريد أن يكون الفلسطينيين تحت إدارة حكومته ولا يرغب أن يجعلهم رعايا لإسرائيل أو من مواطنيها لكنه يريد لهم أن يكونوا تحت دولتهم المستقلة المنزوعة السلاح، وقال أن ذلك يُعبر عن سخاء من حكومته للفلسطينيين ولم يُبين كيف سيُقدمها لهم، وكيف سيكون شكلها، وهل ستكون بناءاً على ما تم الاتفاق عليه ضمن اتفاقيات السلام على حدود 67 أو على صورة يرسمها في عقليته المتشددة .
من الملاحظ أن تلك التصريحات من الجانب الصهيوني لا تعبر عن مصداقية نتيجة لما يُطبق على أرض الواقع من ممارسات، فالجانب الصهيوني لا يفكر ولن يفكر يوماً ما بالمصلحة الفلسطينية ولا بالحق الفلسطيني ولا بالكرامة الفلسطينية، فهو لا يفكر إلا في حق وجوده وزيادة توسعه وانتشاره والهيمنة ما أمكن على كل ما هو فلسطيني وإثبات ذلك قانونياً بما يُسنّ من تشريعات وقرارات حكومية تؤيد وجودهم على ما لا يحق لهم .
فما الذي دعي " نتنياهو " ليغير من لهجته العنيفة ليبدو جانب اللين والتساهل والتنازل من أجل الفلسطينيين ، هل الخوف من أن تَقدم السلطة الفلسطينية على حل نفسها وإعادتها لسلطة الاحتلال الإسرائيلي وهذا ما لا يرعب به " نتنياهو " ، أم هو الخوف من الهبة الشعبية الفلسطينية التي من الممكن أن تحدث من الفلسطينيين لتنفجر في وجه المحتل لأرضه ووجوده بالانتفاضة الشعبية الثالثة، أم هو الخوف من ازدياد الفضائح لسياساتها في الميادين العالمية وإبراز صورة ذلك الكيان الحقيقية الذي يدّعي الديمقراطية والعدالة، أم هو الخوف من زيادة العزلة السياسية عن باقي دول العالم ، أو هو الانتصار الذي ممكن أن يحققه الفلسطينيين لقضاياهم في أروقة الأمم المتحدة، أم هو الخوف من الربيع العربي الذي يحاط من حولها وممكن أن ينفجر اتجاهها ويغرقها ويظهر ذلك من خلال اضطراب العلاقة مع أهم دولة " مصر " وما بدأت تتخذه من سياسات اتجاه الوجود الإسرائيلي في المنطقة، وبدأ ذلك بإلغاء اتفاقية الغاز المصري المصدر لها، أم هو الخداع والسياسي الذي اعتادت عليه إسرائيل في ممارساتها السياسة اتجاه الفلسطينيين حيث أظهرت الكثير من الكذب والمراوغة لأجل أن تسعى لتحقيق مصالحها، أم هو إرضاء للجانب الأمريكي الذي بدأ يشعر أحيانا بالحرج من زيادة التعنت والتجاهل لقراراته، أم هو الهروب من إلقاء اللوم عليه أنه سبب الفشل للمفاوضات ووصولها للطريقها المغلق .
كل تلك المخاوف والتوقعات من الممكن أن تكون في العقلية الصهيونية التي بدأت تظهر زيادة تشددها وخوفها على وجودها من خلال ما تقدمه من دعم للمستوطنين والمستوطنات حيث بدأت تُشرع العديد من المناطق الاستيطانية وتستولي على الكثير من أراضي المنطقة ( ج ) وتنشر الوجود اليهودي في كل بقعة داخل مدينة القدس وتسعى لزيادة الامتداد ليكون على كافة الأراضي الفلسطينية .
إن كل ما يدّعيه " نتنياهو " من سخاء واستعداد للتنازل لأجل الفلسطينيين هي من باب الأوهام والخداع السياسي أو إبعاد الأنظار العالمية عما تُمارسه من سياسات التعنت واحتلال داخل الأرض الفلسطينية في الوقت الذي يذهب الفلسطينيين لقرارات الأمم المتحدة يطالبون فيها بحقوقهم المشروعة ويسعى الأسرى بالإعلان عن ثورتهم المفتوحة لتحرير أنفسهم من داخل السجون الصهيونية واسترداد الحرية واعتبارهم أسرى حرب .
فالحكومة الصهيونية تسعى جاهدة من أجل إثبات وجودها على كامل الأرض الفلسطينية، ففي لحظة سيطرتها على الجزء الأكبر منذ النكبة عام 48 وما تبع ذلك من احتلال لمناطق الضفة الغربية والسيطرة على ما بقي من الأرض الفلسطينية وما تم التوصل إليه بعد اتفاق أوسلو وما تبعه في اتفاقيات تم فيها الوعد على إتمام عملية السلام وإعطاء الفلسطينيين دولة على حدود 67 إلى جانب الوجود الصهيوني، وما مارسته السياسية الصهيونية من سياسة كسب الوقت في المفاوضات ومماطلتها حتى وصلت لطريقها المغلق الذي لا يظهر فيه أفق سياسي واضح وكل ذلك بسبب التعنت الصهيوني ورفضه إعطاء الحقوق الفلسطينية والتمادي في زرع وجوده داخل المناطق الفلسطينية التي لا يحق له التواجد فيها بناءاً على الاتفاقيات الدولية المعلنة وكل ذلك على حساب معاناة الفلسطينيين الدائمة التي لا تنقطع منذ ظهور ذلك الاحتلال حتى هذا اليوم بألوانه وأشكاله المختلفة .
فهل نزل على " نتنياهو " الوحي والرحمة الإلهية ليهب الفلسطينيين دولتهم وحقوقهم وهو يؤكد أنها لن تكون ذات سيادة أمنية ولن تمتلك حق الدفاع عن نفسها من خلال ما تمتلكه من سلاح لتصد أي عدوان محتمل من قبل المستوطنين المزروعين داخل الأرض الفلسطينية، فهذه الدولة لن تكون خالية من وجودهم ولن تكون خالصة للسكان الفلسطينيين بل سيبقى التدخل الصهيوني موجوداً فيها ولن يتخلى ذلك الكيان عن وجوده في داخلها لتحين فرصة سيطرته الكاملة عليها وإقامة دولته المزعومة على كامل أرضها .
فهل حتى يثبت " نتنياهو " سخاءه سيسحب وجوده الصهيوني من داخل مدينة القدس ويُسلمها للفلسطينيين، وهل سيسحب مستوطنيه من أراضي لا تحق له وذات سيادة فلسطينية داخل الضفة الغربية، وهل سيُعطي الفلسطينيين الحق في السيادة على المعابر والحدود والمياه والكهرباء والعلاقات الخارجية، وهل سيسمح له بحرية الاقتصاد والبناء والتطوير، وهل سيبتعد عن التدخل في أموره الداخلية وزرع الانقسام والفتن، وهل سيسعى لتحرير كافة الأسرى الفلسطينيين ، وهل سيعيد كل حق فلسطيني مسلوب، وهل سيعود اللاجئين لأراضيهم، وهل ستلغى كل القوانين التعسفية والظالمة بحق الفلسطينيين، وهل ستُسمح حرية الحركة والتعبير دون تدخل صهيوني، وهل سيعيش الفلسطيني فعلاً في دولة متواصلة غير مقطعة بحواجز وبوابات وكنتنات لتكون حلقة واحدة، وهل سيفتح التواصل والامتداد مابين قطاع غزة والضفة الغربية ؟؟؟
كل تلك التساؤلات وغيرها تبقى أحلام لا نجد لها في العقلية الصهيونية واقعاً وقراراً حقيقياً، ولن تكون أحلامهم قائمة إلا على حماية وجودهم ومحاولة التضييق على كل ما هو فلسطيني .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت