ما هم بمؤمنين..!

بقلم: الشيخ ياسين الأسطل

ما هم بمؤمنين ، فالخداع والزيف سبيلهم ، والكذبُ والكذابون قيلهم وقبيلهم ، قلوبهم مريضة عليلة ، وأبصارهم بل بصائرهم كليلة ، يهتفون في العشي والإصباح ، دعواهم الصلاح والإصلاح ، لكنهم تخلوا عن كل فضيلة ، وتَحَلَّوْا بكل رذيلة ، من وافقهم قبلوه ، ومن خالفهم رفضوه ، عن الإنصاف والعدل معرضون ، وعلى البغي والظلم مقيمون ، كل من سواهم فمُثرَّبٌ عليه مرذول ، ومن شاكلهم فهو مُقرَّبٌ عندهم مقبول ، لا يسمعون لنصح الصادق من الناس ، لكن من الوسواس الخناس ، اشتروا الضلالة والعذاب – يا ويلهم - بالهدى والمغفرة ، وهم الخاسرون – إن لم يتوبوا - في الأولى والآخرة ، أعيذ نفسي وإياكم عباد الله منهم ومن طريقتهم ، وأسأله أن يقينا من شر فتنتهم ، فكأنهم هم من نزلت فيهم الآيات من سورة البقرة قوله جل جلاله : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) }.
هؤلاء يا عباد الله هم المنافقون نفاق الاعتقاد إن اكتمل الوصف فيهم ، وإن كان فيهم بعض الوصف فهو نفاق العمل بحسبه ، وقد كان أول ما ظهروا بعد انتصار المسلمين في غزوة بدر ، والمنافقون الخالصون بذلك ليسوا من المسلمين في حقيقة الحال ، ولا ينفعهم ما يظهرون من صالح الأعمال ، روى البخاري ومسلم واللفظ للبخاري قال : حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ ، وها أنا أنقل إليكم ما قال الإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في [ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ] :
( واعلم أن النفاق هو: إظهار الخير وإبطان الشر، ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي، والنفاق العملي، كالذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "آية المنافق ثلات: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان "وفي رواية: "وإذا خاصم فجر " وأما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الإسلام، فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها، ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم [من مكة] إلى المدينة، وبعد أن هاجر، فلما كانت وقعة "بدر " وأظهر الله المؤمنين وأعزهم، ذل من في المدينة ممن لم يسلم، فأظهر بعضهم الإسلام خوفا ومخادعة، ولتحقن دماؤهم، وتسلم أموالهم، فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم، وفي الحقيقة ليسوا منهم ) اهـ.
عباد الله ، يا أيها المسلمون :إن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر ناساً ينفي عنهم الإيمان -ممن فيهم من صفات النفاق- يحذر منهم ومن أفعالهم :
* من يتتبع عورات المسلمين يريد فضحهم ، وكشف ستر الله عليهم ، روى الإمام أبو داود وأحمد والبيهقي والطبراني في الأوسط واللفظ لأبي داود قال :حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا الأسود بن عامر حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن سعيد بن عبد الله بن جريج عن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته ".حسنه الألباني في صحيح الجامع.
* الجموع المنوع الجَعْظَريُّ الجَوَّاظُ العليمُ بأمر الدنيا الجاهل بأمر الآخرة المفاخر بأتباعه :
وقد روى الأئمة الحاكم والبيهقي وابن حبان وأحمد واللفظ له قال : " حَدَّثَنَا حَسَنٌ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ أَمَّا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَكُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ أَشْعَثَ ذِي طِمْرَيْنِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ وَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ فَكُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ ذِي تَبَعٍ " .
وفي رواية ابن حبان قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن ، قال : حدثنا أحمد بن يوسف السلمي ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب بالأسواق ، جيفة بالليل ، حمار بالنهار ، عالم بأمر الدنيا ، جاهل بأمر الآخرة " اهــ.
* من بات وهو شبعان وجاره إلى جواره جائع ، وهو يعلم به : فقد روى الطبراني في معجمه الكبير قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سَعِيدٍ الأَثْرَمُ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ" اهـ.
* مدمن الخمر كعابد الوثن : روى الإمام ابن ماجه في سننه قال : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مُدْمِنُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ " .
وقد روى الأئمة أبو داود والنسائي وابن ماجة واللفظ لأبي داود قال : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ فَتَحَيَّنْتُ فِطْرَهُ بِنَبِيذٍ صَنَعْتُهُ فِي دُبَّاءٍ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِهِ فَإِذَا هُوَ يَنِشُّ فَقَالَ :"اضْرِبْ بِهَذَا الْحَائِطِ فَإِنَّ هَذَا شَرَابُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ " .
* من لا يأمن جاره بوائقه :وقد روى البخاري ومسلم وأحمد واللفظ للبخاري قال : حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ " قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ " زاد مسلم : " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا بَوَائِقُهُ قَالَ شَرُّهُ " اهـ .
أيها المسلمون :
* و من صفات النفاق المنافية للإيمان آكل الربا ، وآكل مال اليتيم بغير حق ، والعاق لوالديه : ففي المستدرك للحاكم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد ، ثنا أبو إسماعيل السلمي ، ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، ثنا إبراهيم بن خثيم بن عراك بن مالك ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أربعة حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها : مدمن الخمر ، وآكل الربا ، وآكل مال اليتيم بغير حق ، والعاق لوالديه » « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد اتفقا على خثيم " .
وفي رواية له قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني ، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى ، ثنا مسدد ، ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : قرأت على الفضيل ، عن أبي جرير ، أن أبا بردة ، حدثه عن حديث أبي موسى ، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ثلاثة لا يدخلون الجنة : مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر ومن مات مدمن الخمر سقاه الله من نهر الغوطة » قيل : وما نهر الغوطة ؟ قال : « نهر يخرج من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهم " .
إنها سبيل المجرمين ، من حاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، ولم يستقم على دين الله ، فلنستقم مع الإيمان وحسن الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللأئمة وولاة الأمور ، عافانا الله وإياكم مما يسخطه جل وعلا..اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين ، الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – ، وعن آله المرضيين ،وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت