الكثير من المراقبين يتابع التطورات الفلسطينية الداخلية بكل تفاصيلها ولا تكاد تفلت أي واردة أو شاردة من متابعة أولئك المراقبين ، ولم تتوقف تلك المراقبة للشأن الفلسطيني العام والمواقف السياسية لكل حزب وفصيل أو جماعة بل أصبح الاهتمام مصبوبا على الأوضاع الداخلية لتلك الأحزاب والفصائل فلا تكاد تخلو أي خطوة داخلية لكل فصيل من نقاش عام أو تحليل ، وكثير من المحللين يشطحون ويبالغون في تفسير وتحليل كل معلومة تصدر من اي جهة ، قبل أيام شكلت حركة فتح قيادة جديدة لها في قطاع غزة وفي هذه الأيام تستكمل حركة حماس انتخاباتها الداخلية ولأن المرحلة الحالية تشهد حراكا فلسطينيا نشطا سواء على المستوى النضالي الذي يخوضه الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية من خلال إعلانهم عن الإضراب المفتوح عن الطعام وما قد يولد هذا النضال من تداعيات تصعيدية على الأرض وكذلك ملف المصالحة والتوقع بأن يشهد بعض التطورات بعد انتهاء حماس من انتخاباتها ، وملف المفاوضات الذي بدأ يترنح ويدفع أطرافه الى ضرورة اتخاذ خطوات جدية والوضع الإنساني في قطاع غزة وأزماته المتلاحقة التي تدفع الجميع لضرورة وضع حلول وخطوات غير قابلة للتأجيل وانعكاس الانقسام الفلسطيني الأسود على الوضع العام الفلسطيني ، لذلك كله فإن كل خطوة فلسطينية تأخذ الاهتمام أكثر من أي وقت مضى .
وفي هذه المرحلة تجرى الانتخابات الداخلية الدورية العادية لحركة حماس لانتخاب قيادتها ولأن حركة حماس أخذت موقعها الأساس داخل الخارطة السياسية والأمنية والرسمية الفلسطينية والإقليمية وهي التي تحظى بالأغلبية التشريعية من خلال فوزها الكبير في الانتخابات التشريعية الأخيرة ، ولأهمية ومكانة الحركة فقد أخذ الاهتمام بنتائج انتخاباتها ذروته هذه الأيام لمعرفة النتائج التي ستفضي عنها هذه الانتخابات وانعكاس ذلك على سياسة الحركة ورسم صورة مستقبلية للعلاقات الداخلية الفلسطينية ، وهل ستعكس نتائج هذه الانتخابات أي تغيير حقيقي على سياسة الحركة وموقفها من القضايا الداخلية والخارجية التي تواجهها ؟ سواء فيما يتعلق بملف المصالحة والعلاقة مع الرئيس محمود عباس وحركة فتح والفصائل الوطنية والإسلامية الأخرى وكذلك الموقف من السياسة الإقليمية والمتغيرات الحادثة في العالم العربي وكذلك علاقاتها مع المجتمع الدولي وشكل تعاطيها مع الواقع الفلسطيني ، وهل ستستمر بذات التوجهات أم سيحدث تغيير منسجم مع نتائج هذه الانتخابات ؟
وكون حركة حماس تمتاز بصفة خاصة بها حيث تعتبر نفسها لازالت حركة سرية وهي في حالة مواجهة معلنة مع الكيان الإسرائيلي فهي تسعى بكل جهدها إلى إبقاء نتائج انتخاباتها وأسماء قياداتها التنظيمية في سرية تامة باستثناء القيادات التي تتعامل مع الشأن السياسي العام مثل بعض أعضاء المكتب السياسي والإعلامي وشخصيات قيادية لها علاقة بالحوار الفلسطيني أو المؤسسات الرسمية وإعلان ما يتطلب الوضع العام إعلانه ، ولذلك فهي تتحكم بمجريات أمورها الداخلية بكل هدوء واتزان ولا تسمح لأي طرف أن يجرها الى مربع ليست مستعدة له ، وبالرغم من حجمها الجماهيري الكبير إلا أن مؤسساتها التنظيمية والشورية منضبطة بقوانين صارمة حديدية ولا تسمح للاجتهادات الداخلية لديها أن تفرض ذاتها على طبيعة هيكليتها ، ومن هنا فإن كل ما يتم تداوله في وسائل الإعلام حول نتائج انتخاباتها لا يعدو اجتهادات من بعض المراقبين القريبين من صفوف الحركة والمدركين لطبيعتها وهي لا تعدو تكهنات أكثر من كونها حقائق ، باستثناء ما تعلنه الحركة بشكل رسمي لأسماء قيادييها بغض النظر عن النتائج الحقيقية للانتخابات الداخلية ، وإن كان البعض يعتقد أن حماس فقدت – جزئيا – السيطرة على إحكام الحالة السرية التي كانت تتميز بها وبحكم اتساع قاعدتها وهذا دفع الكثير من الفضوليين الى البحث والسؤال لمعرفة حقيقة ما يحدث داخل الحركة خاصة بعد أن خرجت في الآونة الأخيرة بعض التصريحات توحي بوجود خلافات بين قادة الحركة حول بعض القضايا ، ومن هنا يتوقع المراقبون أن تفضي نتائج هذه الانتخابات الى تعزيز دور بعض القيادات وتراجع دور آخرين .
ولكن وبغض النظر عن تركيز البعض على الأسماء والشخصيات وحول ما يشاع من بعض التأويلات يبقى الأمر الأهم هو مدى تأثير كل ذلك على مستقبل الأوضاع الداخلية الفلسطينية ومستقبل المصالحة والتوافق الوطني في ظل ظروف ومتغيرات كبيرة تعصف بالمنطقة ، ولعل الأيام القادمة ستثبت بعض الحقائق المتعلقة بهذه القضايا ، فما ينتظره الشارع الفلسطيني أكبر بكثير من مجرد فوز شخص داخل حركته أو تراجع آخر بل الكل يترقب تغيير في الواقع العام من خلال تطوير الفعل الفلسطيني والتقدم نحو صياغة فكر جديد يتقدم ليعالج كل سلبيات المرحلة الماضية ، نحتاج من كل القيادات الجديدة أن تتوقف قليلا مع ذاتها وتعيد تقييم المرحلة بشكل موضوعي وتستفيد من الأخطاء التي وقعت والأهم من كل ذلك هو الاعتراف بتلك الأخطاء والاعتراف بأننا جميعا أجرمنا بحق شعبنا وقضيتنا ونحتاج الى إعادة الاعتبار لأنفسنا دون تردد أو خوف .
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت