المركزية والجغرافيا

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ....
المركزية والجغرافيا.          
شكلت المركزية معضلة أمام خبراء الإدارة، فهي بقدر ما تحافظ على الترابط بين الأجسام المختلفة المكونة لها بقدر ما تشكل عائقاً أمام مفردات العمل اليومي، وبالتالي بات من المتعارف عليه والمسلم به أن المركزية تختص اليوم برسم السياسات العامة، فيما يتم التوجه نحو اللامركزية في إدارة العمل اليومي، وكي ندخل في صلب الموضوع أعتقد أن النجاح الذي حققته منظمة الشبيبة الفتحاوية في انتخابات مجالس الطلبة في جامعات الضفة يفتح المجال لنقاش معمق يجب أن يدور داخل حركة فتح، يتمحور حول السؤال التالي: هل من الأفضل لحركة فتح أن تتمسك بمركزية عملها من خلال المفوضيات المختلفة أم أن الأفضل أن تعيد صياغة آلية العمل التنظيمي بما يتوافق مع الواقع وينحى باتجاه اللامركزية فيما يتعلق بالعمل التنظيمي اليومي؟.

إن نمط العمل التنظيمي القائم حالياً يعتمد على المركزية المطلقة التي تمتلكها اللجنة المركزية من خلال المفوضيات المختلفة، ولنتحدث بشيء من الواقعية، لقد تم تشكيل المفوضيات المختلفة بكوادر حركية من الضفة وقطاع غزة وأحياناً من الشتات، ونظراً للواقع الذي نعيشه أكاد أجزم أن المفوضيات المختلفة لم تلتئم بكامل أعضائها منذ تشكيلها حتى تاريخه، والظروف القائمة لا تسمح لها بأن تفعل ذلك في المستقبل المنظور، هذا من جانب ومن جانب آخر لقد برز خلال الفترة السابقة منذ تشكيل المفوضيات بعد المؤتمر السادس معضلة المرجعية التنظيمية، خاصة فيما يتعلق بمفوضية أقاليم الشمال ومفوضية أقاليم الجنوب من جهة والعاملين في المفوضيات الأخرى من جهة ثانية، فعلى سبيل المثال من يتواجد ضمن مفوضية المنظمات الشعبية من أبناء قطاع غزة والذي يرى مهمة عمله التنظيمية تتعلق بمتابعة عمل المنظمات الشعبية في قطاع غزة ضمن فريق المفوضية، ومن البديهي أن يكون مفوض مفوضية المنظمات الشعبية مرجعيته التنظيمية، وهذا بطبيعة الحال يتعارض بشكل كلي مع من يتواجد ضمن مفوضية أقاليم الجنوب ويحمل المهمة ذاتها ويرى في مفوضية أقاليم الجنوب مرجعيته التنظيمية وصاحبة الشأن في ذلك.

يشكل التمدد الأفقي الكبير لحركة فتح داخل جغرافيا الوطن وخارجه حاجة ملحة لإجراء تعديلات في البنية التنظيمية بما يمكنها من إدارة العمل التنظيمي اليومي بعيداً عن تعقيدات العمل المركزي من جانب ولتجاوز معوقات الجغرافيا من جانب آخر، وأعتقد أنه من الظلم بمكان إلقاء تبعات العمل اليومي التنظيمي في الوطن والشتات على عاتق أعضاء اللجنة المركزية، فمن المؤكد أن اللجنة المركزية تمضي جل وقتها في متابعة أمور ثانوية في العمل التنظيمي اليومي، ومن البديهي أن يأتي ذلك على حساب المهام الأساسية للجنة المركزية المتمثلة في رسم السياسات العامة للحركة، ووضع الخطوط العريضة لماهية العمل التنظيمي، فيما العمل التنظيمي اليومي يجب أن يوكل بكامل تبعاته لقيادات منتخبة لهذا الغرض.
يمكن لنا الحديث عن ثلاث ساحات يتواجد فيها العمل التنظيمي، الضفة وقطاع غزة والشتات، ومؤكد أن لكل منها خصوصيته، وعلى قاعدة أهل مكة أدرى بشعابها، فلماذا لا نلجأ لانتخاب قيادات في الساحات الثلاث تكون مهمتها قيادة العمل التنظيمي اليومي، ضمن سياسات عامة تضعها اللجنة المركزية، وتتفرغ اللجنة المركزية لقيادة الحركة سياسياً بمتطلباتها المختلفة.
لعل من المعضلات التي تواجهها حركة فتح تضخم الكادر التنظيمي، ضمن أطر غير قادرة على استيعابه والاستفادة منه، ومن الخطأ التسليم بذلك تحت شعار محددات النظام الأساسي، وفي الوقت ذاته لم يعد من المنطق الاستمرار في سياسة التكليف، والتي عادة ما تأتي منفرة للكادر التنظيمي، كونها تنبع بالأساس من العلاقات الشخصية، وبالتالي لعله من المفيد اليوم أن نجري بعض التعديلات على النظام الأساسي للحركة يفسح المجال لانتخاب قيادات للساحات الثلاث، وتشكيل مجالس تنظيمية على مستوى المحافظات من الأطر التنظيمية المنتخبة، فحركة فتح اليوم هي بحاجة لأن توسع من هيكلها التنظيمي بما يتماشى مع التمدد الجماهيري الكبير لها، وفي الوقت ذاته إفساح المجال أمام أكبر عدد ممكن من كوادرها للمشاركة في تنفيذ برامجها المختلفة، آخذين بعين الاعتبار متطلبات الجغرافيا وما فيها من خصوصية.
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت