علاقة وّد تاريخية بين مسجد" كاتب ولاية "وكنيسة "الارثوذوكس"

غزة – وكالة قدس نت للأنباء
صوت يخترق الآذان من مئذنة تعلو المسجد، بجانبها كنيسة يعلوها جرس يقرع ايذانا بالصلاة، رغم اختلاف الديانة، جمع المكان مسجد "كاتب ولاية" وكنيسة "الروم الأرثوذوكس" في مدينة غزة هاشم، بهدوء وتناسق يعبر عن مدى التآخي والمحبة بين المسلمين والمسيحيين، يذهب العباد قاصدين طاعة الله وحده لا غير.

يشكل تجاور مسجد كاتب ولاية مع الكنيسة الأرثوذوكس في حي الزيتون بغزة دليلاً قاطعاً على روح التسامح الذي تميز به الدين الإسلامي، وكذلك تعبير حقيقي واضح عن علاقة المحبة التي تربط المجتمع المسلم بالمسيحيين في قطاع غزة .

من باب مسجد كاتب ولاية الصغير نسبياً دخلنا فوجدنا أمامنا مؤذن المسجد، عبد الرحمن الصفدي ذو(58 عاما ً) ، والذي يسكن بجانب المسجد، فأخبرنا عن الأجواء التي تسود الحي الذي يسكنه عائلات مسيحية وأخرى مسلمة.

ويقول الصفدي لمرسل وكالة قدس نت للأنباء طارق الزعنون إن "بناء المسجد كان بمثابة خطوة للتآخي بين الدين المسيحي والإسلامي، ولم يكن أي إشكال في يوم من الأيام بيننا كمسلمين ومسيحيين في هذا الحي، بل تجمعنا علاقة الأهل والمحبة والاحترام المتبادل ".

ويضيف الصفدي الذي قضى قرابة ثلاثون عاماً من عمره وهو يؤذن بمسجد كاتب ولاية قائلاً " نحن أهل وجيران من زمان إحنا والمسيحيين وبالمناسبات وبالأعياد نراعى مشاعر بعض، ففي شهر رمضان المبارك وهو شهر صيام نجد أن المسيحيين يراعون حرمة هذا الشهر ومكانته بالنسبة إلينا، وكذلك نحن في أعيادهم مثل عيد الفصح لا نضايقهم ونفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم ."

أما الشاب خليل الحرتاني (23 عاماً )ً أحد جيران مسجد كاتب ولاية وكنيسة الأرثوذوكس والذي دخل المسجد أثناء وجودنا أوضح لنا وهو يبتسم عن قوة العلاقة التي تربط أهل المنطقة في بعضهم البعض، فيقول "تسود علاقة طبيعية جدا بيننا وبين المسيحيين , ولا يوجد مشاكل بالعكس إحنا جيران من زمان ومن العائلات المسيحية التي تسكن الحي عياد والطرزي والخورى".

وعن الطائفة المسيحية يشرح لنا نصر الجلدة "أبوعبد الله" الذي يقع منزله في الجهة الغربية لكنيسة الأرثوذوكس، الأجواء والعلاقة التي تربطه مع أهالي الحي قائلا إن "رابط العلاقة ببيننا ممتاز جدا، نجلس مع بعضنا البعض ونشرب القهوة مع جيراننا المسلمين في بعض الأوقات، ولا يوجد فرق إحنا شعب واحد ونحمل قضية واحدة، ولا يمكن أن تشوب علاقتنا أي شائبة. "

وبالنسبة للمناسبات الدينية مثل شهر رمضان والأعياد عند المسلمين يوضح أبو عبد الله بأن شهر رمضان هو شهر مميز ينتظرونه مثل المسلمين, قائلا " انا كواحد من أبناء الطائفة المسيحية أنتظر شهر رمضان بما يحمله هذه الشهر من مميزات وأجواء تشعرني بقدسيته، وأمتنع عن التدخين خارج البيت حفاظاعلى مشاعر أخوننا المسلمين، وبتناول فيه القطايف الذي يميز هذا الشهر، وأعيش بالأجواء الرمضانية، فالأخلاق والمودة وحسن الجيرة هي التي تربط وتنظم علاقتنا مع جيراننا المسلمين" .

مسجد كاتب الولاية بحجارته القديمة، يقع بشارع الطالع متفرعا من شارع عمر المختار الرئيسي يعود تاريخه إلى العصر المملوكي، يتربع على مساحة 337 متراً مربعاً ، وهو المسجد الوحيد الملاصق تماما لكنيسة الروم الأرثوذوكس، وتم بناؤه أيام حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون الثالث 709-741 هـ ، 1309- 1340م .

أربعة أعمدة رخامية وزعت داخل المسجد بعناية فائقة مزخرفة بالنقوش الإسلامية، وقباب مجوفة تعلو سطح، تشير إلى عراقة المبنى وقدمه، بينما يوجد باب صغير داخل المسجد يؤدى للمئذنة التي تعلو المسجد وترى من من الخارج بوضوح الجزء الشمالي من مسجد كاتب ولاية .

وسمي المسجد نسبة إلى أحمد بيك "كاتب ولاية" والذي كان يقوم بإرسال الرسائل في زمن العصر العثماني إلى مدن الدولة الإسلامية، وفى عصره تم إعادة ترميم المسجد عام (995هـ، 1586م)، على نفقته الخاصة، وما يوضح هذا الكلام البلاطة الرخامية والتي بُنيت ووضعت أعلى باب الجامع الشمالي.

أما كنيسة الروم الأرثوذوكس التي لا يفصلها عن المسجد إلا الجدار القديم تتربع على مساحة ما يقارب 216 متر مربع، ويتوسطها ساحة بالمنتصف تبلغ مساحتها 200 متر مربع، وللكنيسة بابان رئيسان، الباب الغربي المؤدي إلى المدخل الرئيس للكنيسة والباب الشمالي، وقد فتح لها باب إضافي حل محل النافذة الجنوبية من أعلى وذلك ليكون مدخلاً ثالثاً للكنيسة، وهو يؤدٍي إلى الطابق العلوي عبر درجين يمتدان نزولاً إلى قاعة المدخل الرئيسي للكنيسة.

وفي أحدى جنبات كنيسة الأرثوذوكس من الجهة الشمالية يوجد مقبرة على مساحة 600مترا مربعا تقريبا، ما زال يدفن فيها المسيحيين أمواتهم، وهى مقبرة صغيرة وقديمة جداُ يوجد بها قبور ترجع إلى عام 1790 م ويقع مدخل المقبرة من داخل ساحة الكنيسة .

وتعد كنيسة الروم الأرثوذوكس ومسجد كاتب ولاية إحدى أهم الأماكن الأثرية التي توجد بمدينة غزة، نظرا للفترة الزمنية التي يرجع إليها تأسيسهما، كما ويقع في نفس المنطقة على مسافة لا تزيد عن 800مترا سوق الزاوية الأثري ومسجد العمري الكبير في شارع عمر المختار .

إن مشهد مسجد "كاتب ولاية" وكنيسة "الروم الارثوذوكس"ما هو إلا شاهدا حيا على قوة العلاقة التاريخية التي تربط المجتمع المسلم والمسيحي في غزة، ففلسطين هي مهد الديانات، ومقصد الأتقياء وأرض الشهداء .