المصالحة المجتمعية في غزة

بقلم: فايز أبو شمالة


عكست الندوة التي نظمتها جمعية القدس للبحوث والدراسات الإسلامية حرص العقلاء في قطاع غزة على تجنيب العلاقة الإنسانية البريئة والعفوية ارتداد الهزات السياسية التي عصفت بالفلسطينيين في السنوات الأخيرة، وأرخت بظلال الانقسام السياسي البغيض على الحياة العائلية الواحدة في قطاع غزة والضفة الغربية.
لقد حشد المتحدثون في ندوة "المصالحة المجتمعية دواعيها وآلياتها" جل بلاغتهم اللغوية، وقناعاتهم العقائدية، وقدراتهم السياسية، وبراعتهم النفسية للحديث عن أهمية المصالحة المجتمعية، وضرورة تحقيقها على أرض قطاع غزة؛ بغض النظر عن المواقف السياسية المتباينة، وبغض النظر عن تعثر خطوات المصالحة أو تأخر تطبيقها، وهذا ما ركز عليه الدكتور مازن هنية رئيس جمعية القدس، وهو يقدم للندوة، ويدير الحوار بشكل هادئ، وبعقل متزن، لقد كثف الدكتور مازن حديثه في اتجاه حتمية تحقيق المصالحة المجتمعية كملاذ آمن لكل الشعب الفلسطيني، وكنتيجة لا بد أن يدركها المجتمع طالما ضاقت على الفلسطينيين الحياة الكريمة إلا فوق تراب وطنهم، وكأن حال المجتمع الفلسطيني يقول: نحن أحوج إلى بعضنا البعض بعلاقتنا الإنسانية قبل حاجتنا إلى التوافق على برنامج سياسي.

رغم أهمية الندوة التي أظهرت حرص الفلسطينيين على إفشال المخطط الإسرائيلي في تمزق البنية العائلية للمجتمع الفلسطيني، إلا أن بعض الحقائق الميدانية ترفض أن تغيب عن أجواء الحديث الصادق عن المصالحة المجتمعية، ومنها ما يلي:
1ـ الانقسام الفلسطيني الذي مزق المجتمع لم يكن نتيجة شجار عائلي، أو خلاف على قطعة أرض، أو خصام بين شابين داخل محل تجاري على اختطاف قلب فتاة، الانقسام الفلسطيني كان نتاج خلاف سياسي حاد بين خطين متعارضين متناقضين متصارعين، ولا ينتهي هذا الانقسام إلا بإعلان الرسمي عن هزيمة نهج سياسي، وإخراجه من عقول مناصريه.

2ـ الانقسام السياسي أفرز الانقسام الوظيفي القائم داخل المجتمع، وهذا الانقسام أثر على شكل العلاقة بين الناس، حتى صار الخوف من قطع الراتب آخر الشهر هو الناظم لكثير من العلاقات الاجتماعية، وصار السؤال عن انتماء طالب الزواج أهم من السؤال عن شخصيته، والسبب يرجع إلى خشية أهل العروسة ـ إذا كانوا ينتمون إلى حركة فتح ـ خشيتهم من قطع رواتبهم إذا اقترنت ابنتهم بزوج ينتمي لحركة حماس.

3ـ ما زال أسلوب الهيمنة السياسية، والتفرد بالقرار السياسي هو السائد على الساحة الفلسطينية، وما زال منطق "قل ما تشاء، فأنا أفعل ما أشاء" مازال يفرض نفسه بالقوة.

4ـ ما زالت الساحة الفلسطينية تفتقر إلى حرية العمل السياسي والتنظيمي والإعلامي، وما ينجم عن ذلك الاقتناع بتسليم السلطة للأغلبية البرلمانية.
5ـ نسي بعض الفلسطينيين أن الأرض الفلسطينية ما زالت محتلة، ونسوا أن السلطة التي أقاموها هي سلطة وهمية، ما زالت مربوطة بالاحتلال من خلال حبل سري يلتف على عنق كل قرار سياسي فلسطيني، قد يحاول أن يكون مستقلاً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت