المجتمع الإسرائيلي يتحرك بسرعة لترتيب أوراقه الداخلية لمواجهة المتغيرات الإقليمية المحيطة ويعمل كذلك على استغلال هذه المرحلة التي تشهد نوعا من الاستقرار الأمني على كافة جبهاته الشمالية والجنوبية ولكنه يدرك أن هذا الحال قد لا يستمر طويلا فهناك الكثير من المتغيرات الكبيرة التي تعصف بالمنطقة على ضوء ما يسمى " الربيع العربي " وبروز قوى سياسية جديدة قوية في طريقها لاستلام الحكم في العالم العربي وهذا يستدعي من الكيان الإسرائيلي ترتيب أوراقه الداخلية بعيدا عن أي خلافات داخلية .
ويذهب الكثير من المحللين الى ربط فكرة إجراء الانتخابات الإسرائيلية المبكرة خاصة والتي تحظى بدعم وتأييد نتنياهو الذي يتمتع بقوة مريحة داخل الكنيست الحالي إلى أسباب خارجية منها الانتخابات الأمريكية والمواجهة مع إيران ولكن هناك من يربطها بالمفاوضات مع الجانب الفلسطيني حيث يستمر الجمود الحالي على نحو سيزيد من عزلة الكيان الإسرائيلي ووضعه في موقف حرج أمام حلفائه وأصدقائه وكذلك أمام القوى الحاكمة الجديدة في العالم العربي وخاصة في مصر والمتوقع في سوريا وغيرها ، ومن الواضح أن نتنياهو يميل الى استمرار لعبته المفضلة في تقديم الوعود والإيحاءات الإيجابية والحديث عن استعداده لبدء مفاوضات جادة وتقديم تنازلات مؤلمة وإبداء بعض المرونة في ملفات لا تشكل خطرا استراتيجيا على الكيان الإسرائيلي ولكنه يصطدم دائما بشركائه في الائتلاف الحاكم وخاصة مع حزب " اسرائيل بيتنا برئاسة ليبرمان " وبعض رموز صقور حزب الليكود وكذلك حزب شاس ، ولذلك فهو بحاجة الى إعادة ترتيب أوراقه الداخلية وتحالفاته كي يتمكن من الاستمرار بسياسته المعهودة لإخراج الكيان الإسرائيلي من أي حرج مع حلفائه وأصدقائه، وفي ذات السياق بدأت أحزاب الوسط واليسار بالاتصالات لبناء تحالفات جديدة تجعلها تعزز من وجودها وخاصة حزب كاديما وحزب العمل وحزب الاستقلال وغيرها وبدأت تحركات واسعة لبناء أحزاب جديدة مثل حزب " هناك مستقبل " والتي تعطيه استطلاعات الرأي موقعا مميزا ، وهكذا فإن كل انتخابات تبرز واقعا حزبيا متغيرا ومتجددا ومنسجما مع تطلعات الناخبين .
وأيا كان سبب إجراء الانتخابات المبكرة داخل الكيان الإسرائيلي فإن الخبر استوقفني ودفعني للتفكير مليا في مقارنة ما يحدث عند عدونا من تفكير وقدرة على التعاطي الإيجابي مع المستجدات الحاصلة أم ما هو متوقع أن يصدر مستقبلا وبين ما يحدث عندنا ، كم أمضينا من جولات للحوار الفلسطيني الداخلي من أجل إجراء انتخابات فلسطينية ليست مبكرة " معاذ الله " و كل حزب لدينا يريد أن يستمتع بما لديه من مقاعد في البرلمان حتى لو كانت مقاعد لا تقدم ولا تؤخر شيئا ولكن حتى إجراء الانتخابات في موعدها المنصوص عليه لم نستطع حتى الالتزام بالقانون الذي وضعه الجميع واحتكم إليه الجميع في الوصول الى السلطة ، والغريب أن الالتزام بالقانون يحاج الى حوارات وتفاهمات واتفاقات وهذا غريب في المجتمعات التي تدعي إيمانها بالديمقراطية واحترام حق الشعب في اختيار قادته ، كما أن اللجوء الى الشعب دائما يكون الحل للخروج من أزمة معينة أو لوضع سياسة محددة أو السعي لإجراء تغيير في هيكلية وطريقة الحكم ، واللجوء دائما الى الشعب يعني تجديد الثقة بالقيادة ومنحها قوة إضافية لتنفيذ برنامجها الانتخابي ، وعندما يتقدم حزب الأغلبية بطرح مشروع إجراء الانتخابات فهذا دليل قوة وعافية وثقة هذا الحزب بشعبيته ولكن كل طرف يتهرب من إجراء الانتخابات لأي سبب كان ومهما كانت دوافعه وحججه ومبرراته فهي لا تعدو خوفا من فشله في الاحتفاظ بما يملكه من مقاعد أو فقدان غالبيته ، لأن القاعدة التي يجب أن تحكم الجميع في ما يتعلق بالانتخابات أنها يجب أن تكون الوسيلة الفاعلة لتجاوز أي أزمة ويجب أن لا تكون في أي حال من الأحول جزءا من الأزمة ، كما أن الانتخابات ليست ملكا للأحزاب بقدر ما هي حقا للشعب ولا يجوز أن يقوم أي طرف بحرمان الشعب من ممارسة حقه .
أليس مجتمعنا الفلسطيني الأكثر حاجة الى مثل هكذا تفكير متقدم في التعاطي مع المتغيرات الكبيرة الحادثة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي ؟ أليس الخارطة الحزبية الفلسطينية مهيأة أكثر من غيرها للتطور والتغيير نظرا لكثرة الأحداث وحجم الخلافات والاجتهادات ؟ أليس أحزابنا وقياداتنا الأكثر حاجة لتجديد ثقة شعبهم بهم والتأكيد على احتفاظهم بذات القوة التي أوصلتهم للمجلس التشريعي ؟ ولماذا يشعر البعض بالقلق والخوف من مواجهة جمهوره واختبار شعبيته ؟
لاشك أن كل ما يحدث عندنا من عدم القدرة على الوصول لحلول لكافة الخلافات وما نعقده من حوارات على كل قضية تمس قضيتنا وشعبنا ومستقبلنا ناتج عن ثقافة متجذرة فينا وهي الخوف من التجديد والرعب من دخول أي اختبار والرضى بما في اليد كما يقال في المثل الشعبي الدارج " عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة " وهكذا ينطبق هذا المثل على مجمل تفكيرنا وهو الحفاظ على عدد المقاعد وعلى السلطة التي نمتلكها خير من فوز محتمل وسلطة أكبر ووضع أفضل ولكن يخضع للاحتمالات والاختبارات .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت