حقوق العامل الفلسطيني بين القانون.... والواقع

بقلم: آمال أبو خديجة

تعتبر شريحة العمال من أكثر الطبقات الاجتماعية السائدة في المجتمع الفلسطيني حيث تعتمد كثير من الأسر الفلسطينية على دخلها من خلال العمل إما داخل سوق العمل الفلسطيني المحلي أو الخط الأخضر وذلك يعود لعدة أسباب منها ما هو ذاتي ومنها ما يعود للبيئة التي يعيش فيها العامل الفلسطيني بوجود الاحتلال الصهيوني الذي ترك آثاراً سلبية عديدة على المجتمع الفلسطيني وزاد من نسبة شريحة العمال وحظيت بالنصيب الأوفر بالتأثر من ممارسات الاحتلال العنصرية المتنوعة إما بالحرمان من العمل داخل الخط الأخضر إلا للبعض منهم بتصريح من الإدارة العسكرية، أو بالتعرض للاعتقال نتيجة الدخول بطرق مهربة للعمل في الداخل أو البطالة وعدم الحصول على فرصة عمل أخرى داخل الضفة الغربية وقطاع غزة بسبب منع الاحتلال فتح منشآت صناعية وغيرها، أو التعرض للموت أو الإعاقة نتيجة المطاردة المستمرة للعمال في مواقع العمل داخل فلسطين المحتلة أو الحصار المحكم كما هو حصار قطاع غزة .

ومنذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى حتى اليوم بدأت سياسة الاحتلال تزداد عنصرية وعنفا اتجاه العمال الفلسطينيين وحرمانهم من التواجد داخل فلسطين المحتلة للعمل فيها علماً أن الأجور أكثر ارتفاعا عما هو في الأراضي الفلسطينية، وبسبب زيادة التعقيدات والمنع للعمال بالاعتماد على العمل داخل مناطق 48 انخرط كثير من الشباب الفلسطينيين للعمل داخل سوق العمل الفلسطيني رغم قلة الأجور المتدنية التي لا تتوافق مع الحاجات الضرورية ، مما دعا السلطة الفلسطينية لسن بعض القوانين الاجتماعية التي تحمي حق العامل الفلسطيني وتوفر له بعض الرعاية لتسانده في شؤون حياته المختلفة، أهمها قانون التأمينات الاجتماعية الذي أقر عام 2003 يسري على العمال الخاضعين لأحكام قانون العمل والعمال الموظفين بعقود غير مشمولين بأحكام قانون التأمين والمعاشات ومن يصدر قرار من رئيس الوزراء بشمولهم، وأهم ما نظمه هذا القانون تأمين إصابات العمل بإلزام صاحب العمل بالتأمين على جميع عماله باحتساب الاشتراكات الشهرية 3% من أجر العامل المؤمن عليه مقابل تقديم خدمة من مؤسسة التأمين، وأن تقدم الرعاية الطبية والحقوق المالية المترتبة على حالتي العجز المؤقت والدائم وحالة الوفاة ونفقات الجنازة ، ونص تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة الطبيعية أن يستحق العامل المؤمن عليه معاش للشيخوخة إذا أتم الستين من العمر على أن يحتسب منه اشتراكات شهرية بقيمة 13% منها 5% من أجر المؤمن و8% يتحملها صاحب العمل، وأنه يحق للمؤمن عليه وللمستخدمين من بعده في حالة الوفاة الطبيعية معاش شهري يحتسب بما سدده من اشتراكات للصندوق .

يلاحظ أن قانون التأمينات الاجتماعية قد ألزم أرباب العمل التأمين على العاملين لديهم ووضع مخصصات شيخوخة وإصابة عمل ومعاش تقاعدي بعد الستين ولكن للأسف لم يتم هذا القانون وتم إلغائه عام 2007 وذلك بحجة قلة الإمكانيات والقدرة على توفير الصندوق للخدمات الملزمة رغم أنه كان من الممكن أن يوفر الحد المقبول من الحقوق الإنسانية لضمان حياة كريمة وآمنه للعاملين ويحسن من ظروف جميع العاملين الذين يفتقدون لإحساس الأمن الاجتماعي والاقتصادي ويجعل الأسرة تعاني الفقر وقلة الإمكانيات التي ترفع من المستوي الأسري وتنعكس على جوانب المجتمع المختلفة .

أما قانون العمل رقم ( 7 ) لسنة 2000 الذي يسري على جميع العمال وأصحاب العمل في فلسطين باستثناء موظفي الحكومة والهيئات المحلية وأصحاب الأسرة الواحدة وخدم المنازل، نص على أن العمل حق لكل مواطن قادر عليه تعمل السلطة على توفيره على أساس تكافؤ الفرص ودون أي نوع من أنواع التميز وأن يوفر الحد الأدنى لحقوق العمال التي لا يجوز التنازل عنها حيثما وجد تنظيم خاص لعلاقات العمل ،وحق العامل الذي أمضى سنة من العمل مكافأة نهاية الخدمة، كما نظم القانون التأمين الصحي وإصابات العمل وأمراض المهنة وأوجب على صاحب العمل أن يؤمن على جميع عماله عن إصابات العمل وكفالة صاحب العمل بعلاج العامل المصاب إلى أن يتم شفاؤه، أما في حالة الإصابة خارج أداء العمل يستحق للعامل 75% من أجره اليومي طيلة عجزه المؤقت بما لا يتجاوز 180 يوم، أما في إصابة العمل العجز الكلي الدائم يستحق العامل تعويض نقدي بنسبة 80% من الراتب الأساسي حتى بلوغه الستين وفي الوفاة تستحق للورثة وفي العجز الجزئي دائم يستحق تعويض نقدي حسب نسبة العجز للعجز الكلي ولا يمنع ذلك التعويض من حرمانه مكافأة نهاية الخدمة .

يلاحظ أن قانون العمل ألزم السلطة على السعي لتوفير حق العمل لكل مواطن فلسطيني يعيش تحت سلطتها دون تميز مما يدعو للتساؤل عن حجم المساهمة الفعلية للسلطة في تفعيل سوق العمل من خلال إنشاء المصانع والمنشآت وتخصيص موازنة لدعم ذلك القطاع للقضاء على البطالة المتضخمة في كل عام عما، كما أنها ملزمة لحل مشكلة الفقر وتدني الأجور لدى العاملين وأن يكون هناك توزيع عادل للفرص لجميع المواطنين دون نوازع الانقسام السياسي والحزبي أو اختلافات أخرى، ومن واجب السلطة أن تفتح السوق الفلسطيني للاستثمارات الخارجية التي تستجلب من أجل تفعيل السوق الفلسطيني وزيادة فرص العمل به، كما عليها أن تحارب عملية الاحتكار للمؤسسات أو الشركات كي لا تبقى في أيدي بعض المستنفذين أو العائلات دون السماح لمواطنين آخرين بفرصة دخول السوق والانخراط في مجال العمل والتنافس الاقتصادي السليم ، كما يضع السلطة أمام تساؤل حول مدى الرقابة على تطبيق الحد الأدنى لحقوق العاملين وبالذات التأمين الصحي وإصابة العمل والعجز ومكافأة نهاية الخدمة حيث يحتمل أن يكون هناك تهرب لكثير من أرباب العمل من إعطاء العاملين لحقوقهم وتقديم الرعاية المطلوبة للحفاظ على سلامتهم، وعليها مسؤولية تحسين أجور العاملين الذي لا يتجاوز راتب العامل الواحد في كثير من الحالات المبلغ الذي يفي بجميع الحاجات والمستلزمات الضرورية ويبقى الكثير منهم تحت سطوة الديون أو الحرمان من بعض الحاجات ، كما من المسؤولية تحديد أوقات العمل والالتزام بها وصرف مخصصات إضافية على ساعات الدوام الإضافي لمنع استغلال العامل وبالذات إن كانت العاملة امرأة أو طفل تحت سن 18 سنة، ويدعو هذا القانون للتساؤل حول إمكانية صرف السلطة موازنة خاصة بمخصصات البطالة لمن لا يجد فرصة عمل تؤمن له حاجاته وكذلك توفير مخصصات الشيخوخة التي تؤمن له مستقبلا أمنا دون الحاجة للخروج للعمل أو الاعتماد على الغير كما يطبق ذلك في كثير من دول العالم المتحضر .

أما نظام التأمين لصحي الحكومي لسنة 2004 بقرار مجلس الوزراء رقم ( 113 ) بين أن كل مواطن له حق الحصول على الخدمات الصحية مع واجب تغطية التكاليف، ووضع التأمين الصحي الاختياري لأي مؤسسة مرخصة لتأمين عامليها مع الالتزام بتسديد الرسوم المالية الذي حدد لنقابات العمال ( 50 ) شيكل شهريا ما عدا رسوم الإضافات للمرافقين، وهناك ستين يوم انتظار لسريان التأمين على العامل المؤمن عليه وفي حالة الطوارئ يجب دفع سنة كاملة مقدماً ليسري التأمين، وتعلق خدمات التأمين إذا لم يدفع المؤمن لفترة ستة شهور إلى حين أن يدفع جميع ما عليه من أقساط، كما أن العمال الذين يحملون بطاقة عمل صادرة عن السلطة الوطنية ويعملون داخل الخط الأخضر يعاملون معاملة المؤمن اختياريا .

يلاحظ أن التأمين الصحي الحكومي اختياريا بحق العمال مما يتعارض مع ما أقره قانون التأمينات الاجتماعية الملغي وقانون العمل الذي جعل التأمين إلزامياً على جميع المؤسسات العاملة بحق عامليها، والتأمين الصحي يقطع من أجر العامل وحده هنا دون مساهمة من المؤسسة التي يعمل بها العامل فهو يتكفل بتأمين صحته فقط، كما أن إعطاء فترة من الوقت ستين يوماً حتى يسري التأمين على العامل المؤمن فيه عدم إنصاف وتقليل من احترام حقوقه فإن كان المواطن يؤمن على سيارته أو منزله أو ي ممتلكاته ففي نفس اللحظة يسري التأمين عليها فكيف لا يكون التأمين الصحي للإنسان على حياته كذلك بل هو التأمين الوحيد الذي يؤخر سريانه لمدة شهرين ويبقى في هذه الحالة العامل يعالج على حسابه الخاص ويُكلف بمبالغ عالية خاصة إن كان لدية من الأطفال الذين يحتاجون للرعاية السريعة، لماذا لا تقوم السلطة المسئولة بإلغاء تلك السياسة واستبدالها بسياسة تبدى أكثر رحمة للمواطن وتؤدي سرعة في الخدمات الصحية وجعل التأمين يسري مباشرة بعد انتهاء، كما أن تعليق التأمين الصحي أو إلغائه في حالة لم يسدد العامل المؤمن الرسوم المستحقة عليه فيه إستهانه بحق المواطن وحياة العامل، فكيف إن فقد العامل مصدر رزقه أو يعاني من وضع اقتصادي صعب أو ألمت به مصيبة ولا يقدر على سداد رسوم التأمين فهل تعمل سلطة التأمين على تقديم الخدمات الصحية المجانية أم يبق العامل يعاني من حرمان التأمين الصحي الضروري لحفظ صحته ومن يعول من أبنائه، وبما أن التأمين اختياريا ومرتبط بما يقدمه العامل من رسوم مادية فذلك يجعل العامل يلجأ إليه عند الضرورة والحالات الطارئة ولكن تبقى هناك فترة سريان التأمين التي تحتاج إلى إلغاء حتى يسري التأمين مباشرة على العامل المؤمن ويحفظ للإنسان كرامته وحقه بالحياة الصحية الكاملة والسريعة.

من خلال القراءة للقوانين السابقة بحق العامل الفلسطيني يلاحظ وجود التداخل بين القوانين وخاصة بموضوع التأمين الصحي مما يسبب الإرباك لأصحاب العمل الذين لا يقدرون على معرفة أي قانون من الأفضل اعتماده أو يدعوهم للتهرب من تطبيق أي منهما لعدم وجود قانون واحد ملزم، لذا من المستحسن أن يتم وضع قانون واحد ينظم حقوق العاملين سواء كانوا في القطاع العام أو الخاص أو الأهلي أو غير ذلك ليحصل كل منهما على ما يستحقه من حقوق ويلزم بواجبات بناءا على المجال الذي وضع فيه ولكن تبقى الحقوق الإنسانية الأساسية من رعاية صحة الإنسان وتأمين الدخل والعجز والتعويض والتقاعد حقوق إنسانية أساسية يجب على الدولة أن تقدمها لمواطنيها بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الانتماء فالعمل على تفعيل وجود صندوق ضمان اجتماعي وطني شامل أفضل الحلول التي ترضي جميع المواطنين مع مساهمة متساوية في دعم ذلك الصندوق من المواطنين والإعفاء لمن لا يقدرون على دفع المساهمة لتقدم لهم الخدمات مجانا ً، مع وجود رقابة دائمة على مدى تطبيق القانون وحصول العاملين على حقوقهم المشروعة وبالذات في القطاع المنشآت والمصانع حيث يتهرب الكثير من أرباب العمل من حقوق العاملين محاولة لاستغلال العامل واستنزاف طاقته .

حتى تبنى الدولة على أسس وقواعد قوية ومتينة يجب أن تبنى بقوانين وقرارات حكيمة تلبي حاجات الموطنين وتؤدي لقيام العدالة الاجتماعية الكاملة التي ستنعكس بدورها على نفسية المواطن فتزيد من تفاعله وعطائه وانتمائه لمجتمعه لأنه يعيش في مجتمع يحفظ له حقوقه ويؤمن له مستقبله ويسعى لرعاية وجوده وعافيته، ويبقى العامل الفلسطيني يترقب تلك القوانين وغيرها لتطبيقها التي يرى فيها بعض الإنصاف لحقوقه والتي تسعى لتحسين ظروفه وتطويرها لتوازي دول العالم المتحضر التي تضع طبقة العمال الطبقة الرئيسية ضمن الرعاية الاجتماعية المجانية الشاملة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت