خياران أحلاهما مر أمام الرئيس أبو مازن وهو مقبل على تعديل حكومة فياض : إما إبقاء الحكومة على حالها بما هي عليه من تعدد ملفات فساد الوزراء واستقالة آخرين وفقدانها الفعالية والمصداقية ،أو تعديلها مما سيعتبره البعض إعاقة للمصالحة وتهربا منها . المشكلة لا تكمن في التعديل الذي أصبح ملحا ولكن في التوقيت الذي جاء بعد توقيع اتفاق الدوحة وتكليف الرئيس تشكيل حكومة التوافق الوطني . بقدر ما نتفهم ضرورة إجراء تعديل أو تغيير على حكومة الدكتور فياض،إلا أننا نتمنى أن تسبق حكومة المصالحة أي تعديل حكومي،لأن التعديل يعني تأجيل تنفيذ اتفاق الدوحة لحين من الزمن او هكذا سيتم فهمه.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه :إذا ما تأخر تنفيذ اتفاق الدوحة لأسباب داخلية او خارجية،فهل يجوز استمرار حكومة فياض على حالها ؟ وإذا ما وسعنا نطاق السؤال ،إلى متى ستبقى الامور على حالها سواء تعلق الامر بحكومة فياض او بحكومة غزة ؟ حينئذ نصبح أمام إشكالية استمرار حكومتي أمر واقع تبرران وجودهما واستمراريتهما بالانقسام وبانتظار المصالحة التي قد تأتي وقد لا تأتي.
قبل الإجابة نؤكد للمرة الألف رفضنا للانقسام ولكل ما يترتب عليه ،ونؤكد ادانتنا لكل من شارك في الانقسام أو يعمل على تكريسه أو يُنظر له تحت أي مسمى أو أيديولوجية أو تبرير،بل نعتبر أن كل من شارك في مخطط الانقسام وتعزيزه والحفاظ عليه مسئول كمسؤولية إسرائيل عن تدمير المشروع الوطني بشقيه – مشروع التسوية ومشروع المقاومة – وستنكشف قريبا كل تفاصيل مخطط فصل غزة عن الضفة والمتورطين فيه من عرب وفلسطينيين ،ومن هؤلاء مازالوا في مواقع قيادية يلعنون الانقسام ويتباكون على المصالحة !.
ولكن ... وحيث أن عجلة تنفيذ بنود المصالحة بطيئة إن لم تكن متوقفة،وحيث أن كل يوم يمر على الانقسام في ظل وجود حكومتين وسلطتين تناصب كل منهما العداء للأخرى وتُكيدُ لها وتتصيد أخطاءها وتشكك بكل خطوة من خطواتها ، وهي الحالة التي تفشل كل جهد جمعي في منطقة نفوذ كل منهما – الضفة الغربية وقطاع غزة – لمواجهة التحديات الآنية والمتطلبات الحياتية اليومية لأهلنا في كل منطقة الخ ،وحيث أن القيادة الفلسطينية تقول بأنها تنوى القيام بتعديل حكومي وأن هذا التعديل الحكومي لن يؤثر على جهود المصالحة ، وان الحكومة (الجديدة ) فترتها محدودة لحين إنجاز المصالحة... .
فلماذا لا يتم وبما لا يتعارض أو يعيق جهود المصالحة أو يشكل بديلا لها ،العمل على أن يكون أي تعديل حكومي قادم مؤسسا على التفاهمات التي تمت في حوارات المصالحة،ولو بطريقة جزئية من خلال توسيع الحكومة المعدلة لتستوعب القوى السياسية التي شاركت ووافقت على ما تم التوافق عليه في القاهرة والدوحة أو شخصيات وطنية واضحة في دعمها
للمصالحة، وأن تتضمن الحكومة وزراء من غزة بعدد كاف ،وبالتالي يكون التعديل الوزاري عاملا مساعدا للمصالحة وليس معيقا أو بديلا لها ؟ .
للوهلة الأولى تبدو هذه الدعوة وكأنها تسليم بواقع الانقسام أو محاولة لشرعنته ،أو تريد تجميله وتخفيف وطأته السياسية والنفسية على المواطنين بإقحام لفظ حكومة موسعة أو حكومة توافق وطني على حكومة في ظل الانقسام،وللمتوجسين خيفة والمشككين العذر في ذلك .ولكن دعونا نفكر بطريقة مخالفة ومن منطلق وطني عقلاني وواقعي.فما دام لا يوجد تفكير الآن بحل السلطة أو السلطتين ،وما دام لا بد لكل سلطة من حكومة لتسيير أمور الناس وتلبية مطالبهم الحياتية العاجلة ، وحيث أنه تم التوصل لأرضية من التفاهم السياسي بين الحركتين – فتح وحماس – خلال اللقاءات المتعددة بين الرئيس أبو مازن والسيد خالد مشعل ،وحيث أن اتفاق الدوحة وقبله الورقة المصرية للمصالحة جسرتا نسبيا الفجوة بين الطرفين وحددتا وظيفة حكومة المصالحة بمهام محددة ،وحيث أن التعديل ملح وضرورة وحتى لا يكون التعديل فقط على مستوى الاشخاص أو تغييرا وتعديلا من حكومة فياض إلى حكومة فتح ... ، فليكن تعديلا بمضامين سياسية جديدة قادرة على وقف تأكل الوظيفة الوطنية للحكومة ووقف الابتزاز الإسرائيلي لها ،وخصوصا في ظل الهجمة الاستيطانية والتهويدية الصهيونية غير المسبوقة في الضفة الغربية حيث يجب أن تكون معركتنا الرئيسية .
إن كنا لا نعتقد أن تقبل حماس والجهاد الإسلامي المشاركة بهذه الحكومة المعدلة والمؤقتة ،فلا شيء يمنع الفصائل الأخرى من المشاركة إن لم يكن بطريقة مباشرة فمن خلال شخصيات محسوبة عليها،بل لو توفرت العقلانية والرؤية الاستراتيجية عند كل القوى السياسية لشاركت في هذه الحكومة المعدلة على قاعدة التفاهمات السابقة وتجسيدها على أرض الواقع ،ويمكنهم اشتراط فترة زمنية قصيرة لهذه الحكومة ،وهي فترة تمنح الرئيس مزيدا من الوقت لتشكيل حكومة المصالحة.
نفس الأمر بالنسبة لحكومة غزة،فإلى متى ستبقى حركة حماس تمارس استبداد حكم الحزب الواحد ، حكما شموليا لا يسمح لأحد بالمشاركة السياسية ولا حتى بالمعارضة السياسية المؤسسية ؟.خمس سنوات مرت على تفرد حماس في السلطة والحكم ،خمس سنوات عجاف على الشعب وعلى حماس التي تخسر كل يوم شعبيتها ومصداقيتها ،حيث أوقفت المقاومة لصالح السلطة وتتعثر في إدارة كل الملفات الحياتية لأهالي قطاع غزة من كهرباء ووقود وصحة الخ.فإلى متى تعتقد حركة حماس ان الشعب والأحزاب سيصبروا على تفردها في الحكم ؟ إلى متى سيبقى الشعب و الفصائل شاهد زور على عملية الانتقال من حكومة غزة إلى دولة غزة؟.أليس من العقل أن تفكر حماس وإلى حين إنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام ، بالانفتاح على / وإشراك القوى السياسية الاخرى والشخصيات الوطنية المستقلة في القرار السياسي لإدارة قطاع غزة لحين إنهاء الانقسام ؟ ولا داع لاستمرار التذرع بالانقسام والحصار لتبرير التفرد بالسلطة والحكم ؟.
في جميع الحالات نتمنى أن نعمل على ان تصبح حكومتا الامر الواقع رافعة للمصالحة وللمشروع الوطني بدلا مما هما عليه من حالة تعزز الانقسام وتحرض عليه . إن بقيت الاحزاب تقول إما مصالحة كاملة تنهي الانقسام مرة واحدة أو لا مصالحة على أي مستوى
من المستويات ، دون رؤية الواقع وتعقيداته،فإن مَن يقول بذلك إنما يخفي حقيقة نواياه باستمرار الانقسام او عجزه عن مواجهة القوى المعيقة للمصالحة ، لأن كل يوم على الانقسام دون عمل على تفكيك معيقات المصالحة بالتدريج سيجعل المصالحة مع مرور الأيام اكثر صعوبة .
08/05/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت