الأسرى يجسدون اليوم الوحدة الوطنية

بقلم: عباس الجمعة


لعبت الحركة الوطنية الأسيرة في سجون الاحتلال دوراً هاماً ومميزاً في مختلف مراحل النضال الوطني الفلسطيني وتبوأت مكانة خاصة في طليعة الحركة الوطنية الفلسطينية بصفتها مكوناً عضوياً وأصيلاً من مكوناتها رفدتها خلال سنوات النضال بالآلاف من الكادرات المجربة التي أسهمت في إغناء التجربة النضالية الفلسطينية بعد أن نجحت في تحويل السجون من مقابر جماعية كما أرادها لها الاحتلال إلى قلاع شامخة ثورية خرجت أجيالاً من المناضلين. انطلاقا من خصوصية نضالهم وتجربتهم الغنية، فقد اصبح الأسرى خط الدفاع الأول عن الحقوق الوطنية الفلسطينية. فالأسرى يجسدون اليوم الوحدة الوطنية الحقيقية، وهذا يتطلب من الجميع دعم قضية الأسرى، من خلال إنهاء الانقسام فوراً دون مماطلات، وتجسيد الوحدة الوطنية لمواجهة المشاريع والمخططات الصهيونية تجاه المشروع الوطني الفلسطيني برمته، والقضية الفلسطينية تمر بمنعطف وطني حاسم يتطلب الارتقاء نحو رسم استراتيجية وطنية جامعة تكون من اولوياتها الإفراج عن الأسرى جميعاً دون قيد أو تمييز، ومواجهة حملة الاستيطان المسعورة التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني على مدينة القدس وتغيير معالمها ومواصلة بناء جدار الفصل العنصري والعديد من السياسات الاحتلالية العنصرية الوحشية، التي تستهدف البشر والشجر والحجر، وتطال مجمل نواحي الحياة .

ان التجاوب مع الجهود الرامية للعودة للمفاوضات ليس فيه مصلحة لأحد سوى لإسرائيل ومساعيها لضرب الوحدة الوطنية الفلسطينية وتكريس الانقسام الفلسطيني، وتطبيع علاقاتها مع الدول العربية، والخروج من عزلتها الدولية، وتضليل الرأي العام الدولي حول حقيقتها كدولة عنصرية كولونيالية، ترتكب أفظع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
ان المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، وتوحيد الصف الوطني بكل قواه وفصائله ضمن إستراتيجية نضالية موحّدة، وإعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية على أسس تحمي الثوابت والحقوق وتحقق تطلعات شعبنا وينبغي أن يكون وفق استراتيجية ثابتة وليس تكتيكا سياسيا ينسف كل جهود وتضحيات الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال والعودة.

لقد فرضت معركة الأمعاء الخاوية للأسرى الابطال شروط الوحدة الوطنية، وعوامل تحقق المصالحة عملياً على الأرض، بعيداً عن اللقاءات الثنائية والقيادية ، لقد اكتشف الجميع أن ميدان المواجهة مع الاحتلال، هو المكان الأنسب لتحقيق المكاسب لكل من صدق الانتماء لفلسطين، وأخلص الولاء للثوابت الوطنية.
وعليه فقد بات مطلوباً إسناد قضية الأسرى عملياً وقانونياً ونضالياً وشعبياً، لأن الخطوات النضالية وحدها تستطيع ان تصحح الخلل من خلال انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية ، وبهذا نعتبر ان المدخل الحاسم للانتصار لقضية الأسرى الذين انتصروا هم للحركة الوطنية عبر وثيقة الاسرى عام 2006، والتي أصبحت تعرف باسم وثيقة الوفاق الوطني فبدون الوحدة الوطنية لا يمكن التصدي للمهمات النضالية الكبرى .
ولهذا نرى ان على فصائل العمل الوطني الاهتمام بقضية الاسرى والتعامل معها بجدية وبذل الجهد المتواصل لتحريرهم عبر كافة الوسائل النضالية بما فيها تحرك الدبلوماسية الفلسطينية من خلال الضغط على المؤسسات الدولية والحقوقية واستصدار القرارات الداعمة لحقوق هؤلاء الابطال وحث المجتمع الدولي على الضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لإطلاق سراحهم ومعاملتهم معاملة إنسانية حسب معايير القانون الدولي.



وفي ضوء هذه التطورات الجارية راهناً، ومن اجل مجابهة ووقف آثارها ومفاعليها الخطيرة على حاضر ومستقبل قضيتنا ونضال شعبنا ، الامر الذي يدفعنا الى استنهاض طاقاتنا كضرورة ملحة في اللحظة كما في المستقبل، وباعتبار ذلك شرط ان نتخلص من حالة التراجع وما يتهدد مستقبل المشروع الوطني وهذا يستدعي من كافة القوى والفعاليات الوطنية أن تبادر إلى ممارسة أشكال من الضغط السياسي والجماهيري المتصل في محاولة انهاء الانقسام واعادة ترتيب البيت الفلسطيني والاسهام في صياغة أسس تشكيل حكومة الكفاءات الوطنية التي ستشرف على الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية ،وبما يضمن فرض تنفيذ عملية إعادة إحياء كافة مؤسسات م.ت.ف وفي مقدمتها اعادة تشكيل وانتخاب المجلس الوطني الفلسطيني ، والتمسك ب م.ت.ف باعتبارها الاطار الجامع لكل ابناء شعبنا في الوطن والشتات ، علاوة على انها الضمانة الوحيدة على قاعدة برنامج الاجماع الوطني- لسيرورة نضالنا الوطني الفلسطيني صوب تحقيق أهدافه الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة .

هذه المرحلة الحرجة تحمل في طياتها جملة من المخاطر الجدية غير المسبوقة على قضيتنا الوطنية وثوابتنا في مقدمتها حق العودة والاستقلال والدولة .
إننا على ثقة من أن إعادة بناء العلاقات الداخلية الفلسطينية ، وفق ثوابتنا الوطنية والمجتمعية وبإرادة وطنية تقوم على المشاركة والتعددية, أمر قابل للتحقق من خلال تكريس الاتفاق والالتزام الجماعي بما تم التوافق عليه في اتفاقات المصالحة من اجل تجسيد الوحدة الوطنية بما يمكننا من امتلاك القدرة على تحديد معالم مستقبلنا السياسي بوضوح .
وامام هذه الاوضاع نرى ان التحولات الجارية في العالم وخاصة الانتخابات الفرنسية ووصول الاشتراكي الفرنسي لسدة الرئاسة فرنسوا هولند الذي اكد دعمه قيام دولة فلسطينية مستقلة، ويبدي التزام بلاده في حال فوزه بالرئاسة الفرنسية بالمساهمة بتقديم مبادرات من أجل إيجاد حل القضية، تتطلب من القيادة الفلسطينية التمسك برؤيتها في رفض المفاوضات ونقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة حتى تتحمل المسؤولية في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بعدما تكشف الانحياز الامريكي الاعمى بدعم وحماية دولة الاحتلال وسياستها القائمة على الحرب والعدوان والاستيطان والحصار والتطهير العرقي والدوس على القيم الانسانية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة التي تكفل حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس .

لقد وقف الشعب الفلسطيني بكافة قواه وفصائلة ليؤكد ان حقوق الشعوب العربية بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، مؤكدا رفضه للتدخل الخارجي الأميركي والأطلسي الهادف لاحتواء الثورات العربية ومصادرة حقوق الشعوب عبر سياسة مخادعة ومكشوفة للتدخل لحرف الثورات عن أهدافها.. فالمنطقة العربية منطقة حيوية بالنسبة للاستعمار الامبريالي.. لكن الجماهير ستتمكن في النهاية، عبر وعيها ويقظتها، من تحقيق أهدافها وتوجيه البوصلة باتجاه فلسطين القضية المركزية للامة العربية وجوهر الصراع في المنطقة ،وعلى هذه الارضية نعتقد أن حركة التاريخ تسير للأمام رغم المخاضات والمصاعب التي نواجهها، ففي نهاية المطاف فحركة الشعوب لا تسير إلا في طريق الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.

ختاما : لا بد من القول ان وقوفنا وتضامننا تجاه قضية الأسرى الذين يخوضون نضالاً مريراً ضد العدو الصهيوني ، هؤلاء الابطال الذين يجسدون معاني الوحدة الوطنية والصمود والاستبسال، حيث لم يخضعو ا للضغوطات والإغراءات التي مارسها العدو لتفريق صفوفهم، بل قدموا نموذجاً في المثابرة والاستمرار والكفاح وقدموا للشعب الفلسطيني والأمة العربية دروسا في النضال، يؤكدون بوقفتهم الشامخة بان الشعب العربي الفلسطيني الذي يدافع عن حاضر ومستقبل الأمة في وجه المشروع الامبريالي الصهيوني التوسعي سينتصر بارادة احراره مهما كانت التضحيات .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت