حكومة وحدة إسرائيلية مقابل حكومات انفصالية فلسطينية

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي


كم هي المرارة التي تنتاب كل مراقب للأحداث المتسارعة والمتغيرة في هذه المنطقة الرافضة للاستقرار ، كل يوم هناك حدث وعلى هذا الحدث يتم صناعة سياسات وعلى هذه السياسات يتم صياغة وترجمة واقع على الأرض ، وشتان من يصنع الحدث ويتعامل معه بإيجابية ويعمل جاهدا على استغلال هذا الحدث لتحقيق مصالح خاصة بشعبه وقضيته ومن يراقب الأحداث ولا يملك القدرة على فعل شيء أو يصنع حدثا لا طعم له ولا لون ولا رائحة بل ولا يخدم حتى مصلحة حزبية ضيقة ناهيك عن تحقيق مصلحة عامة .

المفاجأة حدثت داخل الكيان الإسرائيلي ولازال الجميع في انتظار التفسير المنطقي لهذا التحول السياسي الكبير ، بالأمس كان التوجه داخل الكنيست الإسرائيلي ولدى القوى السياسية الكبرى يتجه نحو إجراء انتخابات برلمانية مبكرة وهذه الخطوة كانت مفهومة حيث ستجد هذه الأحزاب مصلحتها في إجراء هذه الانتخابات ، واليوم يتم الإعلان عن التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم في ثناياها الأحزاب الإسرائيبلية الكبيرة ، خطوة مفاجئة لها ما بعدها ، ولاشك أن هذه الخطوة أظهرت من خلالها وجود حوارات سابقة عميقة لم يكشف عنها سابقا بين هذه القوى التي كانت تظهر فيما بينها الخصومة والاختلاف الشديد والتنوع في المواقف السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، ولكنهم نجحوا بهدوء مفاجيء في التوصل الى قواسم مشتركة لتشكيل حكومة وحدة وطنية لمعالجة مشكلات قد تواجه الكيان الإسرائيلي على المستوى الداخلي أو الخارجي نظرا لجملة من المتغيرات الصعبة في منطقة الشرق الأوسط .

الكيان الإسرائيلي بما يملكه من قوة وحلفاء وتأثير قوي يخشى المتغيرات المحيطة ويضع الخطط لمواجهتها أو التكيف معها أو التعامل الإيجابي للاستفادة منها وبالتالي يعمل هذا الكيان على مواجهة أوضاعه الداخلية بكل هدوء وتركيز بدون زوبعات وهمية أو عقد حوارات تلفزيونية أو تصريحات نارية حول الوحدة والحرص على الوطن والقضية ، وكالعادة تخرج علينا إسرائيل لنتعلم منها الدروس في كيفية تحقيق الوحدة الداخلية وتجاوز الخلافات ، ويبقى السؤال هل حجم الخلافات الموجودة بين الأحزاب الإسرائيلية أكبر وأعمق من حجم الخلافات بين الفصائل الفلسطينية ؟ أم أن لديهم قادة كبار ينجحون دائما في قيادة شعبهم والسيطرة على خلافاتهم والتكيف معها وتحويلها الى قوة في إيديهم ولم يجعلوا خلافاتهم سيوفا مسلطة على رقابهم .

هل هي الصدفة أن يتم الإعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية داخل الكيان الإسرائيلي في ذات الوقت الذي نستعد فيه لإعلان حكومة جزئية في رام الله مقابل الحكومة القائمة في غزة ، وهذا يعني إعلان رسمب لا يقبل التأويل عن الفشل الذريع المضاف الى سلسلة الإخفاقات تجاه تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام ، بل ويمكن اعتبار هذه الخطوة بأنها تمثل تقدما سلبيا في تحقيق الانفصال المتدرج بين شقي السلطة ، كيف يمكن احتمال هذا التوقيت الكارثي لإعلان حكومة وحدة في إسرائيل وحكومة جزئية فلسطينية ؟

المراقب للحال الفلسطيني والإسرائيلي يعتقد أن الكيان الإسرائيلي هو الذي يعاني من الحصار ويعاني من التهديدات وكأن أراضيه هي التي تصادر ومقدساته تنتهك لذلك تجد الحرص الإسرائيلي على تحقيق الوحدة لمواجهة التحديات التي تواجهه بينما الشعب الفلسطيني لديه من الأمان والازدهار الاقتصادي والاجتماعي وحالة من التقدم العلمي والتكنولوجي مما يدفعه الترف الفكري والثقافي ويتحدث عن التوافق السياسي والمصالحة الداخلية بكل برود وطمأنينة بل وليس لديه مشكلة في الوقت لأن الوقت يسير لصالحه ، أليست هذه مهزلة المهازل ؟

إذا كانت معركة الأسرى لم تنجح في إيقاظنا من مصيبتنا الداخلية وإذا كان ما يحدث يوميا في القدس لا يؤثر فينا وإذا كانت مصادرة أراضينا والبناء المتواصل للمستوطنات لا تحرك فينا ساكنا ، فما الذي سيحركنا لندرك حجم مصيبتنا ؟ .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت