المصالحة الفلسطينية..ولت دبرها ولم تعقب ؟!!

بقلم: آمال أبو خديجة


فرح الشعب يوماً عندما صفق الجميع لمن يقفون على منصة التصالح والإقبال على إنهاء الانقسام الدائر ليس في زوايا الأرض الفلسطينية فحسب بل في القلوب الممزقة بقيم التعصب السياسي وغياب البصيرة.

مر عام وحل عام آخر لتلك الذكرى التي ما أن بدأت بإشعال الأمل لمن ينتظرون نتائجها حتى بدأ نورها يفيْ وأملها يَخفت ليُكتب للجميع أن لا إضاءة لحياة موحدة فلتسكت الأصوات دون تعقيب ولا إشارة بدليل، وليبقى كل مناً وحيداً يُكافح لوجوده متفرداً داخل مجتمعه وبين ومؤسسات وطنه.

المصالحة الفلسطينية ولى أطرافها الأدبار كأن حال الانقسام الداخلي أعجبهم فلا مشاكل ولا اعتراض ولا ثورات ستؤدي لقلب ميزان السلطان فيأخذ رعاة الشعب كرسي العرش بعدما ظلموا بطول الانتظار فحَلمت نفوسهم صبراً طويلاً حتى ملت صبرها، فمن ولى دبره عن حال شعبه ووضع أصابع كفيه في أذنيه وما عاد يسمع أو يرى حقيقة واقع الأرض والإنسان الذي يُنازع كل نفس فلسطينييه لشدة قسوته ما بين سطوة الاحتلال وجبروته الطاغي على كل ما هو فلسطيني وبين مرارة وعلقم الانقسام الفلسطيني.

فرح الكيان الصهيوني وطار سعادةً عندما بدأ حالنا يسوء فيسقط نحو هاوية الانقسام السياسي والتشرذم الاجتماعي، فهذه أمنية الحلم الكبير الذي راوده وتمناه وسعى إليه منذ بدايات احتلاله الأولى لأرض فلسطين، لكنها دائماً باءت بالفشل حتى تحقق ذلك على أيدينا دون قصد منا، وذلك بدعاوي سيطرة العصبية والرؤية الجامدة على عقليتنا السياسية والحزبية، وانعدام الثقة وخوف كل حزب من الآخر لفقدان القيادة والسياسة وغياب للمصالح بأشكالها وضياعها إن تغلب حزب على خصمه الآخر، فأصبحت المصالحة تدار بصراع البقاء وإحكام الوجود والسيطرة على الأفراد كي لا ينفلت زمام الأمر فتحدث فوضى غير مرغوبة لتثور على واقعها الأليم والخروج من حالة الضياع والجمود وتعطيل لمصالح العباد وحرمان الحقوق والحريات.

منذ بدء الاحتلال وهيمنته على الأرض الفلسطينية وهو يزرع جذوره في كل بقعة يضع يده عليها لا حق له فيها، حتى أقام دولته المزعومة على حساب تهجير ونكبة الشعب الفلسطيني، فوُلدت أجيالٌ يتامى عن أرضهم ودولتهم سلبت منهم أرض الميلاد وسماء المعراج ليُشرد أهل الحق في أقطار الأرض يحمل كل منهم معه مِفتاح داره وصورة للمكان الأخير الذي وطئته قدماه وزرعت فيه يداه شجرة تين أو زيتون ويُودع سنابل القمح وحقول الزعتر الأخضر فتُحرم عيناه من رؤيتها أو يموت الكثير حسرةً وشوقاً للحظة العودة والرجوع للأرض الجذور وتلك الأشجار والحقول.

استمر الكيان الصهيوني بزراعة وجوده الجاف لا يُبالي للحق الفلسطيني، مندفعاً بعنجهية وراء كل ما يدعو لتدمير وحرمان الفلسطيني من إعادة حقوقه وأرضه المسلوبة وتاريخه الأصيل ومعالم هوية وجوده النابض بقلب عربي إسلامي، ليتمادي الاحتلال في جذوره وسط البيت الفلسطيني مستغلاً للضعف الفلسطيني وحالة الانقسام الداخلي، والانغلاق للأفق السياسي، وفشل التفاوض، وانكشاف الزيف الصهيوني وادعائه نحو الميل والتعايش بسلام إلى جانب الفلسطيني بإعطائه جزءاً من فتات الأرض واحتفاظه بنسبة أكبر لأرض فلسطين لتصنع منها أرض صهيونية يهودية.

ورغم أن الفلسطيني قدم حسن النوايا العديدة، وقبل بأقل الحقوق نتيجة لما يُمارس عليه من عنف وحرمان وضغوط خارجية وغياب للدور العربي في دعم صموده ووجوده، فقبل بوجود ذلك المحتل إلى جواره وفوق أرضه فكان معه سخياً كريماً مُكرهاً بتنازله عن جزء من جسده ليعيش عدوه عليها، ويحظى هو كإنسان بأمان وكرامة فوق ما بقي من أرض فلسطين على حدود (67)، إلا أن ذلك الكيان الصهيوني لم يهنئا له بال إلا إذا حقق المسح الكامل للوجود الفلسطيني عن الأرض والاستيلاء على كل بقعة متبقية في ملكية الإنسان الفلسطيني داخل أرض (67) لتصبح أرضاً يهودية صهيونية تُرفع عليها رايات النجمة الزرقاء وتخط بحروف تلمودية ليغيب الأثر العربي عن تلك الأرض التاريخية التي روتها سواعد عربية إسلامية.

ومع ممارسات الكيان الصهيوني المتنوعة بأشكال عنفها وسطوتها في كل يوم على حياة الفلسطيني، إما بسرقة أرضه وتهويدها أو تدمير قدسه وسرقة معالمها الدينية والأثرية، وتهجير أهلها بتسليط عدوانها عليهم لتجبرهم على الرحيل والخروج منها بالإكراه وسرقة معالم المسجد الأقصى والحفر تحت قبته ليُهدم ويبنى ما يزعم بهيكل سليمان، و زيادة لعدد المستوطنات حول القدس وداخل الضفة الغربية ليصبح امتداداً واحداً لا يقطعه وجود فلسطيني عربي، ويزداد العدوان الصهيوني بالاعتقال والزج في السجون وحرمان من حقوق الحياة الإنسانية دون مراعاة لاتفاقيات دولية لحقوق الأسرى والمعتقلين، ووجود الجدار الملتف ليخترق البيوت والزرع والحرث والنسل دون حفظ لحرمات ولا حقوق فيُقطّع أواصل الناس ويعزل الكثيرين عن الاندماج والتفاعل داخل مدنهم وقراهم، ووجود حواجز الإذلال والقهر لتفصل الإنسان الفلسطيني عن واقعه ليعاني مرارة الحصار والقهر فلا يقدر للخروج لأرضه ولا المسير بحرية على شوارعه وطرقاته فيقف الساعات تلو الساعات منتظراً لحظة الإيذان للعبور من يد تلوح له من الجندي المحتل فوق دباباته وبرجه الأسود.

كل تلك الممارسات التي تزداد يومياً لتسارع الخطى نحو قيام دولة صهيونية يهودية كبرى على أرض فلسطين كلها، ليراوغ المحتل الصهيوني العالم بأنه مع السلام والتفاوض واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية، والتخطيط بالخفاء والعلن دون خجل كيف يسيطر ويبنى وجوده ويصنع تراثا له.

المصالحة الفلسطينية تراوح مكانها كأنها تغمض عينيها عن تلك الممارسات بجمود خطواتها، وعدم صناعة التصالح الذي بات حلماً صعب المنال، فقد تأمل الشارع الفلسطيني بالمسارعة لإحداثها كثيراً حتى قُطع الرجاء والأمل من ورائها، ليجد نفسه محاطاً بالإحباط والخوف من المصير المجهول للوجود فيصاب الكثيرين بحالة من اللامبالاة لكل ما يحدث وينتظر معجزة من رب السماء تغير الحال، فمن تأملوا بهم وأوكلوا أمرهم إليهم ليُحسنوا أوضاعهم ويخرجوهم من أزمتهم ويعيدوا للشعب وحدته وللصف صلابته ويُعمر البيت الواحد ليبقى متماسكاً ويوُجه الجميع نحو أهدافه الوطنية الواحدة فيسعى نحو التحرير والبناء وإعادة الحق المسلوب وحماية الوجود قد ولى دبره لأجلٍ غيرَ معلوم ولم يُعقب بخروج رجل رشيد ليتحدث بحال الإنسان الفلسطيني المسكين الذي أرهقته التضحيات حتى نال منه الألم والقهر والإحباط نصيباً كبيرا لينتظر معجزة السماء لعل وعسى يستجاب دعاء المستغيثين بربهم فيعود من ولى الأدبار ملتفتاً من غفلة نومه ليتقدم نحو الأمام فينزل ساحة الميدان لترى عيناه المغمضتان حال شعبه المثقل بهموم الحياة التي تتلقف به من كل جانب ونغصت عليه طيب الحياة وأفقدته الأمن والسلام لتصنع أطراف المصالحة له الأمان وتعيد له لحمته وشوكة قلبه القوية التي أحرقتها مرارة الانقسام وقسوة ظلم وعدوان الاحتلال الصهيوني.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت