في ظل تسخين الأجواء العسكرية والتهديدات الإسرائيلية المتواصلة، يجري في إسرائيل نقاش على مختلف الأصعدة: هل أن هناك حاجة انتخابية لقيام إسرائيل بشن هجوم عسكري على كل من سوريا ولبنان وحتى سيناء واجتياح غزة، إضافة إلى ضرب إيران، كمصلحة إستراتيجية وانتخابية لحكام إسرائيل؟ من جهة أخرى فإن لا منافس لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" وحزبه الليكود بالفوز في الانتخابات المبكرة للكنيست، والتي ستجري قبل موعدها القانوني عام 2013، بل أنها ستُقدم إلى ما قبل نهاية العام الجاري، فشعبية "نتنياهو" وحزبه في أوجها، كما أنه لا وجود لتهديد عسكري على إسرائيل من قبل الدول العربية، ولا منافس له على رئاسة الحكومة القادمة، وعلى زعامة حزب الليكود، إذن ... لماذا صدرت الأوامر لاستدعاء أكثر من 22 كتيبة عسكرية من قوات الاحتياط بشكل استثنائي للانخراط في نشاطات تنفيذية، مبررين ذلك بالتوتر القائم على حدود إسرائيل الجنوبية مع مصر، والسورية في الشمال، فهذا الاستدعاء، حسب "معاريف" 2-5-2012، لكتائب الاحتياط يُعد أمراً شاذاً ومخالفاً للقانون الذي شرعته الكنيست قبل أربع سنوات، بما يتعلق باستدعاء الاحتياط، والسؤال الآخر، إنهم في العادة لا يُعلنون عن استدعاء الاحتياط إلا في الحالات الطارئة، فهل إسرائيل تُعد للحرب؟ أم أنها رسالة سياسية متعددة الأهداف؟ فهيئة الأمن القومي العليا تلقت إذناً بتجاوز القانون واستدعاء كتائب الاحتياط، والتبرير الرسمي لهذا الاستدعاء الحاجة لوضع قوات كبيرة على الحدود في مختلف الجبهات، التي أصبحت حساسة جداً في أعقاب التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، وفقاً لما جاء في جريدة "معاريف".
"نتنياهو" -حسب جريدة "هآرتس 16-3-2012"- منشغل بأمر واحد هو: إعداد الرأي العام الإسرائيلي للحرب ضد إيران، ويعمل على إقناع وغسل أدمغة الإسرائيليين بأن التهديد الإيراني واقعي ووجودي لبقاء أو عدم بقاء إسرائيل، وأن ضرب إيران- حسب "نتنياهو"- هو الخيار الوحيد لوقف ومنع ما يُسمى"بالهولوكوست"الثاني لتخويف اليهود،وانه لا بد من إرسال الجيش لتدمير البنية النووية الإيرانية المدفونة عميقاً تحت سطح الأرض، و"نتنياهو"-حسب "هآرتس"- يريد أن يدخل التاريخ باتخاذه قراراً مصيرياً بضرب إيران، متخذاً ثلاثة أمثلة لمن سبقوه باتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بوجود ومستقبل إسرائيل: "بن غوريون" بإعلانه عن إقامة الدولة عام 1948، "ليفي أشكول" بقراره شن حرب الأيام الستة عام 1967، و"مناحيم بيغن" بقراره قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981.
المناورات والتدريبات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة وعلى كافة أنواع الأسلحة في الجو والبر والبحر، والتزود بالغواصة الرابعة من طراز "دولفين" من ألمانيا والتي بإمكانها حمل أسلحة نووية، والمناورات الواسعة للجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان، والمناورات التي تُحاكي حالات الطوارئ على طول الخط الأزرق للحدود اللبنانية، كل هذا جاء استعداداً لهجوم محتمل على لبنان حسب جريدة "جيروزاليم بوست الإسرائيلية 2-5-2012"، والجيش الإسرائيلي يقوم منذ أسابيع ببناء جدار فاصل على الحدود اللبنانية بارتفاع ستة أمتار، ليمتد من باب الطيب إلى بوابة فاطمة، والذريعة حماية أمن المستوطنات جنوب لبنان.
"الأوركسترا" الإسرائيلية التي تتناغم مع توجهات "نتنياهو" كثيرة، فوزير الشؤون الإستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية "موشيه يعلون" يعتبر أن الموضوع الإيراني مرتبط بحسابات لا علاقة لها بالانتخابات الإسرائيلية، ووزير الجيش "ايهود باراك" نفى أن تكون لضرب إيران أهداف انتخابية، ورئيس أركان الجيش "بني غينتس" يعلن بأن الجيش الإسرائيلي على أهبة الاستعداد لمواجهة سلسلة من التهديدات على جميع الجبهات، مشيراً إلى الذراع الطويلة لإسرائيل لكل من تسول له نفسه إيذاء أبناء الشعب اليهودي، ويبرر هذه التهديدات بأن "جهات إرهابية"- تعمل في سيناء - تتحرش بإسرائيل وتطلق الصواريخ عليها، وأن سيناء وقطاع غزة تحولا إلى قواعد لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، أما رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أفيف كوخافي" فهو يعتبر أن الشرق الأوسط يمر بوتيرة سريعة من التسلح ليغير وجه المنطقة، ويعتبر سيناء إحدى بؤر الخطر، أما الخبير العسكري "ايهود عيلام" -أستاذ التاريخ العسكري والدبلوماسي في جامعة تل أبيب- فهو يتوقع مواجهة وحرباً مستقبلية مع الجيش المصري في سيناء. من جانبه حذر قائد القوات البرية من تزايد التهديدات والإنذارات بشأن استهداف "إرهابي" لإسرائيل عبر الحدود المصرية، كما أن الجيش يُتابع عن كثب التطورات على الحدود الشمالية لإسرائيل أيضاً، ويخشى سقوط نظام بشار الأسد وبالتالي تحوّل الجولان إلى سيناء جديدة، واستئناف النشاط الإرهابي ضد إسرائيل من هناك.
إن هذا المسلسل من التهديدات والاستعدادات الإسرائيلية يعيدنا إلى تقرير نشرته جريدة "يديعوت 18-11-2008" مفاده بأن الحكومة الإسرائيلية وضعت سيناريوهات في أعقاب مداولات إستراتيجية على أعلى المستويات أنه في حالة قيام إسرائيل بضرب إيران ستقوم أيضاً باجتياح سوريا والوصول إلى دمشق-إذا تدخلت الأخيرة في هذه الحرب وقصفت إسرائيل بالصواريخ- ومن ثم اجتياح مناطق واسعة من لبنان وتدمير قواعد حزب الله، وأخيراً اجتياح قطاع غزة، فالجيش يجهز قواته لعمليات اجتياح برية كبيرة وشاملة على كافة الجبهات الحدودية، وإسرائيل تعمل على تعزيز حجم قواتها والقوات الخاصة على حدودها مع مصر، وتزويد هذه القوات بطائرات ومركبات تحمل رادارات لاكتشاف ما يجري في سيناء، وهذا يتعارض مع النظرية العسكرية الإسرائيلية "جبهة واحدة في وقت واحد"، والسؤال المُلح المُحير: هل أن استدعاء "22 كتيبة" جاء بانتظار نقطة الصفر لضرب إيران، وفتح اجتياحات على حلفاء إيران، خشية تقديمهم الدعم والمساعدة لإيران وإطلاق الصواريخ على إسرائيل؟ خصوصاً وأنه يجري في هذه الأيام حشد عسكري كبير في منطقة الخليج، إضافة لمناورات "الأسد المتأهب"بمشاركة نحو 20 دولة، وفي طليعتهم الولايات المتحدة التي دفعت بمقاتلاتها الإستراتيجية من طراز "اف -22" للمرة الأولى في الشرق الأوسط، والخلاصة أننا أمام حرب مدمرة، أو أن كل ما يجري عبارة عن رسائل تحذيرية سياسية للتأثير على طهران.
التاريخ : 9/5/2012
مقال تحليلي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت