هل عجزت أمة النبي العربي محمد بن عبدالله "صلى الله عليه وسلم" عن انتزاع حقها في فلسطين، عن تحرير مقدساتها، والدفاع عن أبنائها الأسرى في سجون الاحتلال أو نصرتهم، فلجأ أحفاد الرسول محمد من الأسرى القابعين في سجون ومعتقلات العدو الصهيوني إلى مجابهة وحشية الاحتلال بسلاح لا مثيل له يتمثل بأمعائهم الخاوية!!.
لا أقول ألا ... سُحقا لنا حين ندعي ونتباهى بأن نبينا ومعلمنا وقائدنا وحادينا وملهمنا هو الرسول محمد "صلى الله عليه وسلم"، وأننا نسير على هديه وسنته الشريفة، فيما نرتضي في المقابل لأنفسنا الهوان والخنوع ونرتهن لإرادة الطامع فينا!!، ألا تباً لأمة كان أجدادها رجالا كعمر وعلي وخالد والقعقاع وسعد وصلاح الدين، فيما أحفاد تلك الأمة اليوم تركوا أبناء جلدتهم في سجون الاحتلال الصهيوني يتصدون للعدو بأمعاء خاوية!!.
صدق الرسول الأمين يوم وصف عصرنا هذا بعصر الرويبضة!!.
عقود طويلة لسنوات عجاف مريرة مضت على نكبة فلسطين، وشعبنا الفلسطيني لم يرضخ يوما ولم يستكن لإرادة الطامعين والغادرين برغم عظم المؤامرات والدسائس ومحاولات إركاعه، كما ولم يركع حين ركع بعض قادته، فما أن سكتت المدافع العربية، وأفرغت الرصاصات من جعب البنادق التي وجهت يوما للكيان الصهيوني، وعم الهدوء ساحات المواجهة مع العدو، حتى أدار العدو الصهيوني ظهره للحدود العربية آمنا مطمئناً وتفرغ بالكامل لشعبنا الفلسطيني فراح يذيقه شر الاحتلال ومكره وخبثه، وبرغم تلك القسوة والوحشية فقد جوبه بانتفاضة شبابه وأطفاله مرة تلو أخرى بحجارته، ولتمتلئ الزنازين والمعتقلات الصهيونية في ظل تنسيق أمني مخز، فيمارس العدو بحق أسرانا شتى صنوف الاضطهاد والقهر والإذلال، لتتفجر هذه المرة ومن داخل زنازين الاحتلال معركة وطنية شعبية من طراز فريد تمثلت بخواء الأمعاء الناشئ عن امتناع أسرانا عن تناول الطعام، ولتسطر ملحمة وطنية فلسطينية جديدة لتكون امتداداً طبيعياً لمقاومة شعب فلسطين ذوداً عن أرضه ومقدساته، وبرغم قداسة تلك المعركة وبطولة منفذيها وعظم دروسها، وبرغم النفق المظلم الذي آلت إليه جهود ما يسمى بالسلام، فها هي المصالحة الفلسطينية تستمر على جمودها، وتأبى أن تغادر مربعها الأول، فيما صار والتشرذم عنواناً كبيراً للمشهد الفلسطيني!!.
ولم يقتصر الأمر على عدم اكتراث قادة وأولي أمر فلسطين لاستثمار تلك المعركة المقدسة بالتعجيل بإنهاء ملف الانقسام والتشرذم وتوحيد الصف الوطني، فها هي الأنظمة العربية وجامعتها "البليدة الكسيحة" وقد استحق عليها القول المأثور"أذن من طين وأخرى من عجين!!"، فلم تتحرك ولم تحرك ساكنا وكأن الأمر لا يعنيها ولم تسمع به، في الوقت الذي تحركت فيه الفعاليات الشعبية الفلسطينية والعربية والشبابية الغربية المناصرة لقضايانا لنصرة أسرانا في معركتهم داخل سجون الاحتلال!!.
وأتساءل ...
إلامَ هذا السكوت الرسمي العربي المخزي!؟.
متى ستهتز شوارب قادة الأنظمة العربية وجامعتنا، ومتى ستهتز ضمائرهم، إزاء ما حصل ويحصل في فلسطين، لأقصانا وتهويده، لأراضينا وهي تقضم وتقام عليها المستوطنات الصهيونية، وأخيراً لأسرانا المكبلين في سجون الاحتلال ومحاولات سلطات الاحتلال كسر إرادتهم وإنهاء رفضهم وتصديهم وصمودهم!!؟.
أما آن لقادتنا العرب وأمين ومسئولي جامعة دولنا العربية أن يتحركوا بشكل أكثر ديناميكية ونشاطاً وأخذ زمام المبادرة على المستوى الدولي لإصدار قرار دولي – على أقل تقدير- يدين النهج الصهيوني وممارساته إزاء أسرانا الأبطال المضربين عن الطعام!؟.
أما آن لهم ممارسة ضغط دولي لتحقيق مطالب هؤلاء الأسرى أولاً، ولجعلهم أسرى حرب ثانياً، ولوضع حد لانتهاكات قوات الاحتلال هناك!؟.
وأتساءل هذه المرة وبالأسماء تحديداً...
أين أمير قطر المفدى وفصاحة لسانه وتصريحات رئيس وزرائه ووزير خارجيته!؟، بل أين خادم الحرمين الشريفين وحامي حمى أرض المسلمين ومقدساتهم!؟، أم أن ما يجري في فلسطين غير ذي بال ولا يرقى لمستوى ارتهانهم لإرادة واشتراطات الغرب في تمزيق أرض العروبة وتفتيت قدراتها هنا أو هناك!؟.
ثم ... أين جمهورية إيران الإسلامية مما يجري على أرض فلسطين الإسلامية، أرض الإسراء والمعراج وداخل زنازين الاحتلال الصهيوني!؟.
نوجه كلامنا لأبناء شعبنا تحديداً دون قادتنا وساستنا وحكامنا...
يا أبناء محمد وعمر وعلي والقعقاع وصلاح الدين، كونوا على قدر أسلافكم، تشبهوا بهم وبأفعالهم، وصعـِّدوا من حملة التضامن مع الأسرى المضربين في السجون الصهيونية إلى المستوى الذي يستحقونه.
يا أبناء محمد، لا تكتفوا بالصلاة والدعاء لأسرانا، فالإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل، والعمل يكون بالخروج إلى الشوارع معلنين رفضكم لما يجري، استنكاركم لما يحدث، اشمئزازكم من سكوت حكامكم وقادتكم وساستكم، وعلى حكوماتكم وجامعة دولكم العربية أن تنهض من غفوتها، لترى حقيقة ما يجري وتتخذ خطوات ترفع الغبن عن أسرانا، وتذكروا بأن هناك في زنازين الاحتلال، إرادتين تتصارعان، إرادة الحق المتمثل بإضراب المعتقل الأسير الفلسطيني عن الطعام وتشبثه بمعركة معدته الخاوية، تلك المعركة التي تعد ولا ريب شكلاً رائعاً وامتدادا طبيعياً للمقاومة الشعبية الفلسطينية ضد المحتل الغاصب والطامع، وإرادة الباطل والغيّ والجبروت المتمثل بإجراءات المحتل الصهيوني ومن يقف وراءه والذي يعمل جاهداً على إفشال ذاك الصمود وكسر إرادته وإحباط معنوياته.
ختاماً أقول ...
لله دركم أيها الأسرى الأبطال، كنتم ولازلتم على درجة كبيرة من المسئولية، فلقد ضربتم بالأمس القريب أروع صور الوعي السياسي ونبذ الفصائلية البغيضة حين أصدرتم ومثل هذا اليوم من عام 2006 وثيقة الأسرى الفلسطينيين للوفاق الوطني، لرأب الصدع الفلسطيني، انطلاقا من شعوركم العالي بالمسؤولية الوطنية والتاريخية، واتقاءً للمخاطر المحدقة بشعبكم وقضيتكم، وتعزيزاً منكم للجبهة الفلسطينية الداخلية، ومواجهة للمشروع للصهيوني الهادف لفرض رؤاه وأجندته، وها أنتم اليوم تضربون لنا أروع صور البطولة والصمود والتصدي ومجابهة الاحتلال الصهيوني بأمعائكم الخاوية!!.
أقول لقادتنا وحكامنا وساستنا ما قاله الله تعالى في محكم آياته:
"وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ" (الأنفال:23).
سماك العبوشي
11 أيار 2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت