نصر في ذكرى النكبة
المعركة التي خاضها أسرانا البواسل داخل سجون ومعتقلات الاحتلال يجب أن تستوقفنا جميعا، ليس فقط عند نشوة النصر الذي حققته الحركة الأسيرة، بل لمضامين هذا النصر والدروس والعبر التي علينا استخلاصها من هذه المعركة الفريدة في التاريخ، ففي الوقت الذي يحيي فيه الشعب الفلسطيني في شتى أماكن تواجده ذكرى النكبة، جاءت تباشير نصر الأمعاء الخاوية على سطوة السجان، وإن كان من الواجب علينا في ذكرى النكبة أن نؤكد على أن الأجيال التي اعتقد قادة الاحتلال بأنهم سينسون بعد أن يموت الكبار، ومن ثم تدفن القضية، بأن هذه الأجيال تسكن ذرات تراب أرض الآباء والأجداد وجدانهم، وأنهم على مدار العقود السابقة أبدعوا في رسم لوحات من التضحية والفداء قلما حمل التاريخ المعاصر مثالاً لها، إلا أنه من الواجب علينا أيضاً أن نبتهج لانتصار أسرانا وأن نبني عليه ما يمكنا من تعزيز جبهتنا الداخلية في مواجهة الاحتلال وسياساته.
ولعل ما يستوقفنا في معركة الأمعاء الخاوية جملة من الأمور هي بحكم الحقائق التي لا يجوز لأحد التشكيك فيها أو التقليل من أهميتها، ويأتي في مقدمة ذلك الإيمان بقوة الإرادة، فلم يكن بين أيدي الأسرى من مقومات لمواجهة جبروت السجان سوى إرادتهم في تحديه، وإيمانهم بحتمية النصر عليه، دون التوقف عند مقدراتهم الملموسة المطلوب توافرها كي يكتب لهم النجاح والفلاح، ولعل سلاحهم الوحيد في هذه المعركة كان الجوع والألم، وبالتالي استطاعوا أن يحولوا نقاط الضعف الآدمية إلى مصدر قوتهم التي يقارعوا بها السجان.
وثانياً : استطاعت الحركة الأسيرة أن تنأى بنفسها بعيداً عن حالة الانقسام التي يعيشها الوطن بكل إفرازاتها وتداعياتها المخجلة، وأن تضرب لنا نموذجاً في اللحمة الوطنية التي ينشدها شعبنا، وأن تشكل قيادة عليا لإدارة الإضراب من الفصائل الفلسطينية المختلفة، ورغم المحاولات المستميتة من قبل إدارة السجون لزرع الخلاف بين الأسرى على أرضية انتماءاتهم التنظيمية، إلا أن الحركة الأسيرة أفشلت كل مؤامراتهم، وحافظت خلال فترة الإضراب على وحدة حال عجزنا نحن على مدار سنوات الانقسام من الاقتراب منها، ولعل صورة وحدة الحركة الأسيرة خلال معركتها الأخيرة تعيد لنا صورة وثيقة الأسرى التي خرجت إلينا من خلف القضبان لنؤسس عليها اتفاقاً لإنهاء الانقسام، وهذا يقودنا إلى التساؤل : هل بتنا مرة أخرى بحاجة لأن يخرجنا الأسرى من أتون الانقسام؟.ً
وثالثاً أن الحركة الأسيرة استطاعت أن تستنهض دعم ومؤازرة فئات المجتمع الفلسطيني المختلفة في صورة غابت عن المشهد الفلسطيني منذ سنوات، وفي وقت انكفأ المجتمع الفلسطيني بقواه المختلفة خلف سور الانقسام، ليس هذا فحسب بل حظيت معركة الأسرى بدعم دولي لا بأس به، وعزز ذلك من حقيقة قدرتنا على العمل بشكل أفضل مع أصدقاء الشعب الفلسطيني في دول المعمورة إن تحدثنا إليهم بصوت واحد وبرؤية واحدة مبنية على حقوقنا المشروعة التي كفلتها الشرائع الدولية.
ورابعاً : عادت الشقيقة الكبرى مصر لتؤكد بأنها الأقرب لتلمس معاناة أبناء الشعب الفلسطيني، وأنها الاحرص على تخفيف معاناته بعيداً عن تلك الدول التي أشبعتنا كلاماً ولم تحرك ساكناً في المحطات التي كنا بحاجة لحراك منهم، وفي الوقت ذاته فإن نجاح الجهود المصرية، في توقيع الاتفاق بين القيادة العليا لقيادة إضراب الأسرى وحكومة الاحتلال، يؤكد أن مصر يمكن لها أن تلعب دوراً كبيراً في إجبار الاحتلال على التخلي عن سياساته القمعية والعدوانية، ولكن هذا يتطلب منا في المقام الأول أن نوحد موقفنا وننهي حالة الانقسام التي أدمت القضية الفلسطينية، لقد تحملت مصر الكثير من الاتهامات التي وجهت لها، وكانت دوماً الوعاء الكبير الذي يحتوي الجميع، وتسامت على جراحها، ولم تنزلق لمهاترات إعلامية، لتؤكد بذلك أنها الشقيقة الكبرى الأقرب إلينا وإلى همومنا وشجوننا مما يتصوره البعض.
لقد جاء انتصار الأسرى في معركتهم مع السجان ليفرض علينا لغة جديدة علينا أن نعي مفرداتها، سواء كان ذلك على مستوى علاقاتنا الداخلية، أو ما يتعلق منها بقدرتنا على تغيير الكثير مما يحيط بنا بإرادتنا الذاتية المتسلحة بوحدة الحال والموقف، ولسنا بحاجة إلى تلك الأصوات النشاز التي تحاول دوماً أن تبقينا في فلك الانقسام، حالها كحال من وجه انتقاداً للاتفاق الموقع بين قيادة الأسرى ومصلحة سجون الاحتلال.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت