في حالتنا الفلسطينية ليس سهلا ان تكون كاتبا، فالسلطة الحاكمة وعدد ليس قليل من الناس هم من يتدخلون في محاولة منهم لوضع قواعد الكتابة، ورسم طريق الكاتب وتوجهاته، ولو تمكنوا لوضعوا الشروط وفصلوها على مقاسهم وعلى معاييرهم ووقاحتهم احياناً، ولحددوا له قناعاته النقدية والتنويرية ويريدونه لسان حالهم في خلافاتهم وتناقضاتهم مع الاخر.
وعلى الكاتب ان يسير على حد السيف وهو الذي اختار طريقه الشائك بإرادته وليس بإرادتهم، وان يستسلم لشروطهم، وعليه ان يواجه الاسئلة الاتهامية الاستنكارية والاستفهامية، الصعبة والساذجة.
وهناك من يهمس في اذنه بحماقة تعبر عن جهل سواء من معارفه أو المتطفلين والناقدين الذين لا يعرفون معنى النقد لكشف الحقيقة المسكوت عنها، وما هو واجب الكاتب والمسؤولية الملقاة على عاتقه في كشفها للناس المهشمين والمهمشين والمهمومين بأنفسهم وباحوالهم.
والمحزن وما يثير الغضب والحنق ان يراجع ويتم اتهامه من صحافيين، وان يتم الضغط عليه باصدقائه بإسداء النصيحة له بما يجوز وما لا يجوز وان لا يقترب من الامكنة المحددة له سلفا وعليه ألا يتواجد فيها.
هذه الحقيقة التي على الكاتب ان يواجهها ولا يعلم احد سواه ما يعانيه من التشكيك والتشهير والتجريح والغمز واللمز والاحتواء وتهديده بشكواه، هو يواجه كل ذلك وحيداً من رقابة إضافية أشد قسوة من رقابة الاجهزة الامنية التسلطية والمتغولة على الناس، وعليه تقبل النقد وسلب حقه في الرد أي كان شكله، ومطلوب منه فهم كل ذلك وعلاجه.
هم لا يعلمون ان الشروط التي يحاولون وضعها اختلت موازينها لصالح الكاتب وان لا حدود للمعرفة الاوسع والاشمل من افقهم الضيق.
الكاتب يبحث في المخفي ويحرض الناس للبحث في مشكلاتهم وهمومهم وقضاياهم الكبرى ويؤشر على الفساد وفضحه والقائمين عليه والسياسات الخاطئة والمدمرة، وضرورة احترام عقول البشر وإرساء مبادئ المساءلة والمحاسبة والشفافية وتحقيق العدالة الاجتماعية، والعيش الكريم واحترام كرامة الناس للتأسيس لمستقبل مشرق وتحقيق غد افضل لمجتمعه.
يريدون من الكاتب ان يسبح بحمد الملك والرئيس والسلطة ومؤسساتها الامنية والإعلامية التي تروج لها والنعيم التي توفرها للناس، وعليه ان يلزم حدوده وعدم توجيه النقد لأي منهم، لأنها من المحرمات والممنوع الاقتراب منها.
الزمن تغير والفضاء واسع لا حدود له، وفي وطن الحرية لا يجوز لأحد ان يحدد حدوداً للحرية، لم يعد بوسع الكاتب ان ينظر من النافذة فقط.
فبعد ان كان ينتظر ويطرق الأبواب، هو يفتحها الان ويكتب عن الشارع وما يدور فيه من حكايا وهموم المواطن ويسائل المسؤول عن أزمة الوقود والكهرباء والمياه المالحة والصرف الصحي والبطالة والفقر، وحقوق الانسان والديمقراطية والانتخابات والتداول السلمي للسلطة.
وقضايا الوطن وتحقيق المصير، والسياسات العامة والموازنة وأين تصرف ومن يمولها، والإيرادات المحلية والضرائب وحجمها وثقلها على المواطن، وموازنات الامن ومصادر التمويل وشروطه، وموازنات التعليم والزراعة، لم يعد يكتفي بانصاف الاجابات وأنصاف الحلول والحقائق والحديث المعسول والوعود.
وكما ان التاريخ لن يرحمهم يؤكد لنا ايضاً ان الحقيقة يمتلكها الناس، فالمعلومات حق لجميع الناس وليست حكرا للسلطة وأعداء الحقيقة، والتجربة يكتسبها الكاتب يوميا بمعرفته وعلمه ومثابرته على اكتساب المزيد منها وفق قدرته وموهبته.
من لا يؤمن بالنقد والرأي والرأي الاخر عليه ان يتعلم ولا يختبر قدرة الكاتب على كشف الحقيقة ومواجهتم ليس على طريقة الدفاع عن نفسه، بل لإيمانه بعدالة فكرته وبما يكتب ومدى تأثيره في الناس والسلطة أي كان شكلها وحدود قوتها وتسلطها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت