فكك الإرتهان الإقتصادي للعدو وأحلافه
إن أولى الخطوات اليوم لتحريك القضية الفلسطينية على جميع المستويات هو فك الإرتهان الإقتصادي الفلسطيني للعدو وأحلافه، لأن الإرتهان الإقتصادي يؤدي الى إرتهان القرار الفلسطيني المستقل، وبالتالي الى الإرتهان السياسي وإبطال مفعول التحركات اسياسية وتقييدها، حيث أن لقمة العيش الفلسطينية أصبحت في يد القوى المعادية لإرادة الشعب. وكم من الدماء الفلسطينية أريقت من أجل تحرير القرار الفلسطيني واستقلاله من كل المؤثرات الإقليمية والدولية. لأن الشعب الفلسطيني هو من يعاني وحده وهو من يأكل العصي ومن حوله يتفرجون ويعدون العصي التي تنهش جسده.
وإن استقلال القرار الوطني الفلسطيني لا يعني بأي حال من الأحوال تخلي الأشقاء عن شقيقهم الفلسطيني كما أرادت أن تفهمه الأنظمة العربية وسحبت أيديها من القضية، وتركته وحيداً يصارع العدو المشترك للأشقاء. لا بل في سبيل استمراريتها بالحكم كانت سنداً للقوى المعاكسة للنضال الفلسطيني. فالشعب الفلسطيني بصموده ونضاله المرير بصدره العاري وبلحمه وبدمائه استطاع ايقاف المد الصهيوني على الأرض، وحجم هذا الكيان السرطاني داخل سور، وتراجع العدو في غرف محصنة ومن خلف جدر، وبالتالي أوقف التمدد الجغرافي لهذا الكيان المتغطرس وأبطل الفكر الصهيوني الذي كان يحلم بدولة من النيل الى الفرات كما كانت وما تزال خارطته مرسومة في أروقة الكنيست الإسرائيلي. ودافع الشعب الفلسطيني وما زال يدافع عن الأمة جمعاء لكي لا يمتد لها هذا السرطان.
من هنا يتوجب على القيادة الفلسطينية أن تعمل جاهدة لإستبدال الدعم الإقتصادي المسموم من أحلاف العدو بدعم عربي اقتصادي نقي من كل شائبة، وإن هذا الدعم من حلفاء للعدو لا يعجز عنه الأشقاء العرب. وما هي قيمة المليار وربع المليار دولار سنوياً أمام امكانيات عشرين دولة عربية وإمكانيات الأثرياء العرب.
قال تعالى في كتابه العزيز "وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "
لقد قدّم الله سبحانه وتعالى الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في جميع آياته التي تحض على الجهاد في سبيل الله والذي ينطوي تحته الجهاد في سبيل أراضي الأمة ومقدساتها والجهاد في سبيل الإخوة في الدين والعقيدة من المظلومين واستعادة حقوقهم ، وذلك للحفاظ على بقاء الأمة وحمايتها من الإنقراض لكي تبقى تسبح بحمده وتقيم العبادة والولاء والطاعة للخالق وتعمر مساجد الله في الأرض. وتتحرر من العبودية للأوثان والطواغيت ومن أمثالها من المخلوقات البشرية كالإستعمار. ولترفع يد الإنسان المتسلطة على أخيه الإنسان. كما وأن الله سبحانه وتعالى علام الغيوب، يعلم بالماضي والحاضر والمستقبل، ولذلك هو يعلم ما سيكون للمال أثر على السياسة وعلى مجريات الأموروعلى حرية الإنسان، لأن في المال تكمن المصالح، لأن المال زينة الحياة الدنيا قبل البنين، وبالمال تقايض المصالح، وهو عصب التجارة وشريان الحياة، لذلك قدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس. وإن ما تحوز عليه الأمة العربية من خيرات وكنوز كفيلة وقادرة على تحرير الأمة إن استخدمت الأمة ثرواتها في سبيل تلبية المصالح العامة لهذه الأمة.
وكأن اليهود والصهاينة سمعوا قول الله تعالى، واتخذوا من آيات الله منهاجاً لهم في سبيل إقامة كيانهم على أساطير دينية باطلة ومزعومة لا أساس لها من الصحة والمنطق. فانهال المال الصهيوني على هذا الكيان يدعمه بكل الإمكانيات المادية لتثبيت أركان حكمه وتسلطه ودعم احتلاله، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل تخطاه لدعم مشاريعه الإستيطانية في الأرض العربية وتهويدها وخاصة المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والخليل. وإن ما يتبرع به ثري واحد صهيوني لهذا الكيان يساوي ما تتبرع به الأمتين العربية والإسلامية من أجل قضيتهم الآولى قضية فلسطين كما يدعون، أرض الإسراء والمعراج وأرض القبلة الآولى والأرض المقدسة والأرض التي باركها الله وبارك حولها. وكم من الصناديق انشئت ورصدت لدعم القدس وفلسطين، والتزم بها القليلون من الأشقاء العرب وامتنع عن أدائها الكثيرون.
الصهاينة سمعوا وطبقوا ما ورد في القرآن الكريم وكأنهم هم المسلمون، ونحن أمة الإسلام نرفع الشعارات في أطر دينية دون الإرتقاء لتطبيق حرف واحد من تلك الشعارات وكأننا أخذنا دور الصهاينة. وبات الأمر معكوساً ومقلوباً ومحيراً لكل مراقب للأحداث.
الأمة بمسلميها ومسيحييها مدعوة اليوم بقياداتها وشعوبها الى تفعيل أمر الله بالجهاد بالمال لتدعيم صمود الشعب الفلسطيني من اجل حريته واستقلاله ومن أجل دحر الإحتلال البغيض لمقدساتها، ولحفظ لقمة عيش الإنسان الفلسطيني من الدنس والسموم، لكي يشعر بحريته واستقلاله وليستطيع القيام بواجب الجهاد بالنفس في سبيل الله دفاعاً عن وطنه.
فلسطين بحاجة الى فزعة عربية، وهجوم عربي اقتصادي نحو فلسطين، فلسطين الأسيرة بحاجة الى زيارات دعم معنوي ومالي لها في الأسر، وبحاجة الى شد الرحال للمسجد الأقصى لمن يستطيع الى ذلك سبيلاً. لكي يبقى عامراً بالمصلين.
النظام العربي الرسمي مدعو الى تفعيل صناديق الدعم للقدس ولفلسطين، ومراجعة للنفس وتقديم يد العون المستمر للشعب الفلسطيني لتحريره من سياط الفقر والحاجة والجوع. ومن انتظار لقمة العيش من أعداء الأمة وأحلاف العدو. الفلسطيني بحاجة الى لقمة عيش سائغة تعطيه حرية القرار وطاقة الصمود والتصدي والدفاع عن الأرض والمقدسات.
الأثرياء العرب مدعون اليوم للإستثمار في فلسطين وإقامة المشاريع السكنية والتنموية لتثبيت الهوية العربية على الأرض العربية. ولكف العمالة الفلسطينية عن اللجوء للعمل داخل اسرائيل للحصول على لقمة العيش، وإن كف العمالة الفلسطينية عن العمل في اسرائيل يكلف العدو أموالاً باهظة ويحمله عبئاً اقتصادياً باهظاً يضطره للجوء الى العمالة الوافدة التي ستكلفه الكثير من مسكنٍ وأجورٍ باهظة ومخاطر عالية على أمنه الإقتصادي وعلى أمن مواطنيه. لا أحد ينكر أن العمالة الفلسطينية مضطرة للعمل في اسرائيل وفي مشاريعه التوسعية على حساب الأرض العربية، فلا أحد يستطيع النوم وأطفاله جائعون. ولا أحد ينكر فظاعة الفقر وقساوة الجوع وما قاله الله تعالى في كتابه العزيز بسورة قريش "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" ومقولة سيدنا عمر بن الخطاب "لو كان الفقر رجلاً لقتلته".
إن مخاطر الإرتهان الإقتصادي في هذا العصر الباهظ التكاليف جديرة بالعناية الفائقة، وإن العمل النضالي الفلسطيني والعربي في ظل الإرتهان الإقتصادي للقوى المعادية لطموحات الشعب الفلسطيني يعتبر مضيعة للوقت وكالحرث في الأرض البور، ذلك الوقت الضائع بالنسبة لنا والمثمر بالنسبة للعدو والذي يعمل عليه ويعزف على وتره باستمرار لطمس هوية الأرض ووشمها بتقاليده وأساطيره التوراتية المحرفة.
ولا ننسى أن على الفلسطينيين واجباً ملحاً وضرورياً لتفعيل فك الإرتهان الإقتصادي، ألا وهو انهاء الإنقسام الجيوسياسي والعودة الى اللحمة الوطنية لكي لا يبقوا مبرراً للوم الأشقاء والتذرع بشرور الإنقسام وبالتالي كف المساعدة والدعم عن الشعب الفلسطيني حتى يعود لرشده.
نسمع المثقفين من الأشقاء العرب دوماً يصرحون بأن فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، إنها قضية الأمتيتين العربية والإسلامية، وأن فلسطين بما تحويه من مقدسات اسلامية ومسيحية ليست للفلسطينييين، إنها للعرب وللمسلمين. وهم صادقون قولاً ونية وينتظرون تبني القيادات لهذا النداء ونأمل أن يتحقق على أرض الواقع بمد يد العون والجهاد بالمال في سبيل الله.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت