كيــف نحيي ذكري النكبة ؟؟

بقلم: علاء زقوت


أربع وستون عاما تذكرنا بنكبة لم ولن تنسى ، نكبة قد أحلت ببقاع الأرض الفلسطينية العتيقة عنوة وإجراما وقسوة من احتلال باغض لا يعرف إلا لغة سفك الدماء – ولكن كيف لنا كفلسطينيين أن نحي ذكرى النكبة ؟

أربع وستون سنة تمر بنا عبر نفحات الذكرى لتخبرنا عن نكبة فلسطينية أحلت بشعبنا الفلسطيني ونحن نحيها - شعارات ، خطابات رنانة ، كلمات ، تظاهرات وتجمعات - أزاهيج ومواويل تقام كل عام إحياء لذكرى النكبة الفلسطينية الأليم ...ويبقي معظمها ضمن الإطار الفلسطيني المحلي أي ضمن التجمع الفلسطيني داخليا وخارجيا ، فلا أعتقد أن هناك خطر علي الذاكرة الفلسطينية لأنها متأصلة في حياة اللاجئ الفلسطيني - في مخيمه وأسلوب حياته وثقافته وبوثائق أرضه التي توارثها عن أبيه وجده وبمفتاح بيته المسلوب المعلق علي جدان بيته الحالي ، فكل فلسطيني يحمل هذه الجنسية وهو بعيد عن وطنه يعلم ما هي النكبة؟ ومجرد أن يشب الطفل الفلسطيني يسأل والديه : ما معني مخيم وأين هي فلسطين ..؟؟ فالقصد كيف يصل مفهوم النكبة لغير الفلسطينيين ، كيف تعي الأجيال الحديثة العربية والمسلمة وأطفال العالم مفهوم ومضامين النكبة ، وما حل بشعب فلسطين من تشريد وقتل ، .... كما أثمن علي جميع الجهود المخلصة الساعية لإبراز وآقع النكبة -ولكن يمكننا القول أننا بحاجة لمزيد من الجهود الفعلية والصادقة لتوضيح وتجسيد مضمون النكبة الفلسطينية عبر التاريخ والأيام

في زيارة لي لبعض البلدان العربية قبل شهور أجريت بعض من الدراسات الميدانية ومنها عن ( مدي الفهم العربي لمفهوم ومجريات النكبة الفلسطينية ضمن أوساط الشباب ) ضمن عينات عشوائية قدرت ( ب 400 عينة من 14 – 25 سنة ) فكانت النتائج محزنه فعلاً .. واتضح من الدراسة أن 35.7% يسمعون بالنكبة دون فهم لطبيعتها و20% لا يعرفون عنها شيء و15 % فقط من أفادوا بالحديث عنها وبإيجاز ودن الفهم الحقيقي الواعي ، فكيف لو أجريت هذه الدراسة في احدي الدول الأجنبية ؟؟ بالمقابل استوقفني تصريح لمسئول إعلامي بالوكالة اليهودية في احدي الصحف العبرية قوله : "اشعر بالفشل ما دام هناك طفل أصم وأبكم واعمي في أقصي ربوع افريقيا.. لا يعي ما حل بالشعب اليهودي من تشريد .." ويشير في ذلك إلي قضية المحرقة اليهودية { الهولوكوست } هذه الأسطورة المنسوجة بحرفة عالية والتي نجحت الصهيونية العالمية أن تسوقها ، لذلك تسخر في هذه الذكري لديهم مئات القنوات الفضائية وتنكس الأعلام ويحضر لهذه المناسبة علي مدار شهور طويلة وتفتح المزارات الوهمية التي تشير للمحرقة ليشارك في زيارتها زعماء العالم لمواساتهم كي يشعروا العالم كله أن هناك تغيير كوني في ذلك اليوم .. بل وصل لديهم الحد أن استطاعوا إقرار ذكري المحرقة بتوصية من الأمم المتحدة في جميع المناهج الأوربية ، لدرجة أنهم فرغوا من إيصالها للعالم كله ويريدون إيصالها لطلابنا الفلسطينيين ...

فالقصد .. إن كان اليهود يسوقون أكاذيبهم الباطلة لتحقيق مراد باطل ..أين نحن من توصيل حقوقنا ؟ وما أصاب شعبنا من تشريد جراء النكبة الفلسطينية ؟ فكيف يصل صوتنا للعالم وقد خلت مناهجنا الفلسطينية المدرسية والجامعية من مقرر مستقل بأحداث النكبة وواقع اللاجئين الفلسطينيين .. كما خلت المناهج العربية من ذكرها لتستبدل بمصطلحات خاصة بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي ....

أربع وستون عام للنكبة ونحن نحيي الذكري دون التعبير عن الأثر لدرجة انه لم تتوافق الجهود في الإعداد لكتاب موحد سنوي من قبل مؤسسات دراسات اللاجئين يعبر عن وآقع اللجوء واللاجئين الفلسطينيين يمكن أن يقدم في ذكري النكبة أو علي الأقل للوصول لقاعدة بيانات موحدة عن اللاجئ الفلسطيني ..

فاعتقد وبكل جزم أن اكبر استدلال علي الحدث هو من خلال الأثر ، والأثر لا زال باقي فلا زالت آثار النكبة باصمة على التشريد والتجويع والحصار والشتات في أراضي المخيمات داخل وخارج الوطن وفي وشيوخها وأطفالها و شوارعها وأزقتها الضيقة وأروقة الحارات الفلسطينية التي تسجل أفظع مشاهد للنكبة الفلسطينية عبر التاريخ ، فاعتقد أن أفضل تعبير عن النكبة هو بإبراز وآقع اللاجئين و شتاتهم لأنه الشاهد الوحيد علي النكبة ولأنه النتيجة الحقيقية ، فالأجدر أن تسخر كل عدسات القنوات الفضائية نحو المخيمات ، كي تدول قضية اللاجئين وكي يعي العالم كله أن هناك لاجئ مشرد عن وطنه وان الأمر لا ينتهي إلا بعودته لوطنه ، وكي يشاهد العالم علي اثر الجريمة الصهيونية البريطانية وان يعي شباب المسلمين والعرب أن هناك واجب ديني علي كل مسلم اتجاه تحرير مقدسات وارض فلسطين ، وأن نخرج من دائرة القول للفعل وأن نقفز من دائرة الشعارات والخطابات الرنانة للنزول لميدان البحث والعمل والتدقيق بكل ما يحيط باللاجئ الفلسطيني من هموم وأن تتوحد الجهود ضمن منظومة عمل مشتركة للدفاع عن اللاجئ الفلسطيني قانونياً واجتماعيا وصحيا لإبراز واقعه ومن خلال الدراسات ألبنائه والهادفة للكشف عن حجم المؤامرات الصهيونية والدولية التي حيكت ضده من قبل ومن بعد وأن يبقي علي سلم إهتمام الجميع بل والعالم كله وان يلقي الدعم الكافي للحفاظ علي هويته وصموده .. أعتقد بذلك يمكن إحياء ذكري النكبة لتبقي حية في الأذهان لا بالذاكرة فقط .

بقلم / أ . علاء زقوت
باحث / في شئون اللاجئين الفلسطينيين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت