كي لا نلدغ مرة اخرى
عيون العالم تتجه صوب مصر في الساعات المقبلة، الكل يترقب نتائج الانتخابات الرئاسية، وإن كان من المستبعد حسم الانتخابات في الجولة الأولى، وأن الذهاب إلى جولة ثانية لا بد منه، إلا أن نتائج الجولة الأولى قادرة على تحديد من سيكون رئيس مصر القادم، والعالم يرقب نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية لعدة اعتبارات، أولها مكانة مصر في المنطقة ولما لها من ثقل وازن في السياسة الدولية، وثانياً أن الانتخابات الرئاسية المصرية تأتي في ظل إعادة ترتيب للمنطقة، بعد أن أطاح الحراك الشعبي بالعديد من الأنظمة في المنطقة، والترتيب الذي تشهده المنطقة لا يخلو من البصمات الاميركية، ولكن لا يمكن لنا الجزم بأن ما تشهده المنطقة العربية يأتي طبقاً للمقاس الاميركي الذي أشرفت على إعداده مبكراً، وثالثاً يرتبط بمدى التغيير المتعلق باتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وهل بمقدور الرئيس المصري القادم التخلي عن اتفاقات مصر الدولية؟، ورابعاً هل الانتخابات الرئاسية المصرية ستفضي إلى تحول مصر لدولة مدنية يشارك الجميع في إعادة بناء اقتصادها من جديد أم أنه سيؤسس لمرحلة من المناكفات بين الأحزاب السياسية المصرية ترهق كاهل مصر؟.
بعد الانتخابات البرلمانية التي أسفرت عن سيطرة التيارات الإسلامية على مجلس الشعب، ازداد القلق بأن تسيطر التيارات الإسلامية على الرئاسة، وبالتالي تصبح مصر دولة الحزب الواحد من جديد، ولعل هذا القلق عبرت عنه الأحزاب السياسية في رفضها للجنة التأسيسية للدستور التي أعطت التيارات الإسلامية سيطرة مطلقة عليها، ومما لا شك فيه أن التيارات الإسلامية في مصر تحظى بحضور في الشارع المصري، فمن ناحية حملت الانتخابات البرلمانية مفاجأة من العيار الثقيل تمثلت في تربع حزب النور السلفي على المرتبة الثانية، فيما جاء الأخوان في المرتبة الأولى ويعزى ذلك بالمقام الأول لقدرة الأخوان التنظيمية في ظل غياب العمل الجماهيري للأحزاب السياسية بعد انهيار الحزب الوطني، وإن كان المرشحون للرئاسة من خارج التيارات الإسلامية يفتقدون للحزب القوي الذي يقف من خلفهم، وأنهم دخلوا هذا المعترك معتمدين فقط على رصيدهم الشخصي، فمن المؤكد أيضاً أن التيارات الإسلامية لم تجمع على مرشح واحد.
فمن جهة أعرب حزب النور السلفي عن دعمه للمرشح عبد المنعم أبو الفتوح، فيما ذهبت جماعة الإخوان لترشيح محمد مرسي، ومن الواضح أن هذا الترشيح يعبر عن أزمة داخل الجماعة، اتضحت معالمها بانتقادات وجهتها العديد من قيادات الجماعة لهذا الترشيح، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل شنت هجومها على النائب السابق للمرشد العام للإخوان «عبد المنعم أبو الفتوح»، يضاف إلى ذلك أن هنالك بعض المرشحين هم بالأساس من جماعة الاخوان المسلمين، ولكن المعضلة الأساس التي تواجه حركة الإخوان المسلمين تتمثل في عبد المنعم أبو الفتوح ذاته، فعندما سارع أبو الفتوح في الإعراب عن نيته الترشح للرئاسة بدأ الخصام بينه وبين جماعة الاخوان المسلمين، والتي أعربت حينها عن قرارها بعدم خوض الانتخابات الرئاسية، ما اضطر أبو الفتوح للانفصال عن الاخوان المسلمين، وحين تقدمت «الاخوان» بمرشحها للانتخابات الرئاسية تحت ذريعة التصدي «للفلول» بعد ترشح عمرو سليمان، لم تتراجع عن ذلك بعد أن تم استبعاده من الانتخابات الرئاسية، ولعل هذا سبب تراجعاً في شعبية الإخوان المسلمين.
من الواضح أن «ماراثون» الرئاسة المصرية يقتصر على خمسة مرشحين، أبو الفتوح وعمرو موسى وأحمد شفيق ومحمد مرسي وحمدين صباحي، والواضح أيضاً أنه من الصعوبة بمكان لأي منهم أن يحسم الأمر في الجولة الأولى، وبالتالي الذهاب لجولة ثانية هو تحصيل حاصل، ولكن من منهم سيكون في الجولة الثانية؟ وكيف سيتم إعادة التحالفات فيها؟.
مؤكد أن فلسطين هي صاحبة الاهتمام الأكبر بالانتخابات المصرية، كون مصر هي الداعم الأكبر للشعب الفلسطيني والمدافع عن حقوقه، وأن ما تمتلكه مصر من تأثير في تفاصيل القضية الفلسطينية لا تمتلكه دولة أخرى، ولكن من يعتقد أن رئيس مصر القادم باستطاعته نسف المعادلة القائمة برمتها، والعودة بها لشعار ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة فهو واهم، ولعل هذا ما أفصح عنه المرشحون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، يضاف إلى ذلك واقع يجب ألا نغفل عنه أن رئيس مصر القادم تنتظره الكثير من المعضلات الداخلية، وبالتالي من الطبيعي أن يسخر كل الطاقات للتعاطي مع القضايا الداخلية، وبالتالي من يعتقد أن من المفيد تأجيل المصالحة الفلسطينية لحين وضوح الرؤية فيما يتعلق برئيس مصر القادم على أمل التأثير في قواعدها فهو مخطئ، فمن يأتي للرئاسة المصرية سيطالب أولاً بإنهاء الانقسام الفلسطيني ولن يكون بمقدوره القفز عن ذلك، كل ما نتمناه أن تنجح مصر في هذا الاختبار وأن تتعافى بشكل سريع لتقود من جديد الأمة العربية في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت