واقع المنطقة الراهن وفلسطين

بقلم: عباس الجمعة


امام التطورات التي يشهدها العالم، وخاصة في ظل الثورات العربية والتي بكل تأكييد ادت الى تغييرت عميقة نرى ان الصراع ما زال مستمر من اجل ايجاد البديل الثوري التي تطمح اليه الشعوب العربية رغم كل المحاولات الجارية من قوى الثورة المضادة لاجتواء الوضع الثوري ، الا ان ارادة القوى الحية تأكد على اهمية تحقيق كامل الاهداف التي انطلقت من اجلها الثورات العربية .

ونظرا الى المستجدات الراهنة وخاصة بعد النتائج التي تمخضت عن الانتخابات في تونس ، وصولا الى الانتخابات الرئاسية في مصر وما قد تخرج عنه هذه الانتخابات الآن باعتبارها منعطف استكمال عملية البناء السياسي للدولة المصرية , مقتضيات .. وفلسفة الثورات الاجتماعية , ومنطق الحفاظ على بهاء العملية الديمقراطية , تفرض فرضا" على شعب مصر مواجهة عوامل وأخطار تقويضها , أو الانقضاض على العملية الانتخابية ( تزويرا" أو تشويها" ) بما يضرب إرادة الناخب المصري , ويتسبب بعرقلة عملية التحول الديمقراطي ، مما يتطلب اهمية توحيد جهود كل القوى التقدمية والقومية من اجل مواجهة مخططات القوى الاستعمارية الهادفة الى تفتيت المنطقة ، وخاصة ان الاحداث المتلاحقة في سوريا نتيجة التدخل الخارجي والعنف والحلول الامنية تتطلب من جميع القوى الشروع فورا في تحصين الوضع الداخلي السوري عبر تشديد الدعوة الى وقف دورة العنف والعنف المضاد والتحرك من اجل اطلاق سراح معتقلي الرأي وتنفيذ البنود الاصلاحية بما يسهم في التركيز على اولوية المواجهة مع كافة اشكال التدخل الخارجي الذي يحاول اثارة الفتنة المذهبية والطائفية التي تنزلق سريعا باتجاه الحرب الاهلية ، وهي بكل تأكيد بدأت شظاياها تصل الى لبنان من خلال الاحداث الاخيرة التي يشهدها هذا البلد .

ان ما تسعى اليه أمريكا لصبغ الأنظمة القائمة بالصبغة الدينية ونزع الصفة القومية والعروبية عنها،من أجل ضمان استمرار الحروب الداخلية المذهبية والعقائدية والطائفية،وكذلك تفسيخ وهتك النسيج المجتمعي،يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان هناك مخاطرحقيقية وجدية على وجود الأمة،والثورات العربية ويجري استغلالها وحرفها عن أهدافها،وبالتالي بدون أن تعي كل القوى العربية ،طبيعة المخاطر المحدقة بالأمة،فإن أوضاع هذه الأمة تتجه نحو المزيد من الشرذمة والتفكك،وإطباق سياسة الفوضى الخلاقة على كامل جغرافيتها المستهدفة لجهة خلق سايكس- بيكو جديد على اساس تقسيمات جديدة للوطن العربي وفق وحسب الثروات والموارد.
ان تأثير الثورات العربية التي غيرت الكثير من التوازنات السياسية التي كانت سائدة في المنطقة واسقطت انظمة استبداد عاشت سنوات على القمع والاضطهاد والظلم بحق شعوبها ، التي كانت تتطلع الى التغيير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، ونحن نثق بأن الشعوب العربية،وكما أثبت ربيعها،قادرة وجديرة بتحقيق الحرية والاستقلال والديمقراطية،وثورتا مصر وتونس برهنتا على إمكانية ذلك وضرورته أيضاً شرط الوعي بطبيعة المرحلة وحقائقها واتجاهاتها وما يخطط للمنطقة وشعوبها.

وامام هذه الظروف نرى ان تطبيق اتفاق المصالحة التي جاء نتاج للثورات العربية، وبالأخص في مصر وتونس، حيث أثارت الملايين الثائرة في المنطقة العربية وذلك في ظل تصاعد الغضب الشعبي الفلسطيني تجاه المناورة بعرقلة اتفاق المصالحة ، هذا الشعب الذي يعيش في ظروف بالغة الدقة وفي ظل معاناة يومية.

ان العقل العربي اختلف بآلية ومفردات تفكيره عن السابق، لهذا سيفكر بفلسطين والعروبة وكل الأسئلة الكبيرة الأخرى بطريقة مختلفة وهذا لا يعني أنه سيتحول عن التمسك بها وسيتم قريباً اتضاح أن لا كرامة بلا فلسطين لانها العنوان للحرية هي أيضاً الطريق لحرية المواطن العربي، فلسطين، التي تتحول هذه الايام الى قضية انسانية كبرى يتحلق حولها كل يوم المزيد من احرار العالم، والتي يقدم شعبها اروع ملاحم البطولة، وآخرها معركة الامعاء الخاوية للحركة الاسيرة ، هي اليوم المقياس لكل الشعوب والقوى التقدمية والقومية العربية واحرار العالم .
ان انتفاضة الحركة الأسيرة الفلسطينية، باتت تتطلع الى دور الشعوب العربية من اجل تحقيق أهدافها النبيلة والمشروعة وذلك من خلال المسيرات واللقاءات والاعتصامات التضامنية باعتبار هؤلاء الأبطال المقاومين الذي ضحّوا وعانوا وتألموا، وقضى بعضهم أكثر من نصف عمره في أقبية السجون وعتمة الزنزانات، بعيداً عن حنان أمهاتهم، ودموع زوجاتهم، وابتسامات أطفالهم.

ولذلك لابد من الاعتماد على هذه الصحوة التي تسببت بها معركة الحركة الاسيرة والبناء عليها، لخلق حالة استنهاض شعبية جديدة، من شأنها أن تعيد القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء، باعتبارها القضية الأولى للامة العربية ، وخاصة بعد محاولات حكومات الاحتلال طوال السنوات السابقة بعد انتفاضة الأقصى أن توصل الشعب الفلسطيني إلى حالة من اليأس وانسداد الآفاق، مقابل فرض الأمر الواقع على الأرض، بغية إجبار شعبنا على القبول بالفتات من الحلول التي تطرحها الحكومات اليمينية المتطرفة، والتي تفرغ القضية من مضامينها، وتحول شعبنا إلى أقلية منزوعة الأظافر في معازل وكانتونات منفصلة تعيش تحت رحمة الاحتلال ومستوطنيه، وصولاً إلى مرحلة التهجير وإفراغ فلسطين من أهلها، ولكن التجربة الفلسطينية أثبتت دائماً أن إرادة الشعب أكبر من كل مخططات العدو مهما طال الزمن أو قصر.

ان ما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم من هجمة عدوانية صهيونية تستهدف الارض والانسان والمقدسات الاسلامية والمسيحية تتطلب تطبيق عملي صادق وامين لكل الاتفاقات السابقة والعمل على تشكيل حكومة تكنوقراط بشكل سريع من اجل الاشراف على الانتخابات الرئاسية والتشريعية ، اضافة الى العمل من اجل تطبيق اعلان القاهرة لاجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية الكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد ، ورسم استراتيجية وطنية تستند لكل اشكال المقاومة لمواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية .

ختاما: لا بد من القول ان السماء لا تمطر حلولاً لذلك فإننا بحاجة إلي توحيد الصفوف والقيام بشراكة سياسية حقيقية تعطي لكل فصيل ما يستحقه ، باعتبار ذلك هي الضمان الحقيقي لتحقيق الوحدة واحياء المشروع الوطني الفلسطيني الذي يفترض إعادة الاعتبار للمقاومة المثمرة باعتبارها السلاح الامضى في مواجهة الاحتلال والاستيطان وهى الضمانة الوحيدة والأكيدة لنيل حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت