مسامير وأزاهير 288 ... مصر أيها الإخوان المسلمون أمانة في أعناقكم!!.

بقلم: سماك العبوشي


استهلال ...
منذ انطلاق حمى سباق مرشحي الرئاسة المصرية، فإنني كنت قد كتبت مقالين، ليأتي هذا ليكون ثالثهما، ولقد نشرت في مقدمة المقال الأخير استهلالاً أوضحت فيه سبب اهتمامي الشديد بمصر وانتخاباتها، وأجد لزاماً عليّ أن أكرر ما جاء ببعض عبارات استهلالي في مقالي السابق لأهميته، ليكون مدخلاً ألج منه بمقالي الجديد هذا... وأقتبس: "رب سائل كريم يسأل، ما سر اهتمامي الكبير بمصر، وطناً وشعباً، وبانتخاباتها الرئاسية 2012، فأجيبه بأن اهتمامي بمصر وشعبها إنما يكمن من منطلق إيماني القومي العروبي، ذاك أولاً.
أما ثانياً، فليقيني الراسخ أن مصر كانت قد غـُيـِّبـَت قسراً ولسنوات طوال رغم إرادة ورغبة وطموحات شعبها، فكان أن ضاع خلالها بريق عطائها القومي وخَفـَتَ دورها الإقليمي وتقلص كثيرا لينحصر تحديداً بجهود وساطة مصرية لدى الجانب الصهيوني للسماح بإمرار مساعدات إنسانية عبر معبر رفح (المصري!!) تارة، وتارة أخرى بجهود وساطة لرأب الصدع الفلسطيني كانت تميل أيام مبارك لجهة فلسطينية دون أخرى، ولأن مصر المحروسة إذا ما تعافت بإذن الله تعالى، فإن في عافيتها لعمري نفع كبير للمصريين خاصة وللعرب ودعم قضاياهم المصيرية عموما، ولكي تتعافى مصر من جديد وتنهض من كبوتها - داخلياً وعربيا وأفريقيا ودوليا- وتستفيق من سباتها القسري الذي طال كثيرا، فإنه لزام أن يقودها للمرحلة القادمة رئيس ذو تاريخ نضالي مشرف يحمل الهمّ الوطني المصري جنباً إلى جنب مع الهَمِّ القومي العربي.
والله على ما أقول شهيد!!"... انتهى الاقتباس.

ليومين متتاليين، وتحديداً مذ أعـْلـِنـَت الأرقام الأولية لنتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة في مصر، وأنا ملازم لشاشة تلفازي صباح مساء، أفارقها لدقائق إما لأداء الصلاة في وقتها أو لأسد جوعي، لأعود بعدها أتابع باهتمام بالغ لما يجري من نقاشات وحوارات مصرية معمقة ورائعة كانت تجريها الفضائيات المصرية الرسمية وغير الرسمية والتي كانت تستضيف فيها شخصيات سياسية مصرية وطنية بارزة ورجال إعلام وأصحاب فكر وطني شريف مساند للثورة المصرية المباركة, يتحدثون جميعاً وهاجسهم الأكبر هو تداعيات ما أفرزته جولة الانتخابات المصرية الأولى، واحتمالات ما ستفسر عنه جولة الإعادة التي ستجري بين الفائزين الأول والثاني!!. ومازال الحديث والنقاش دائراً، تتصاعد نبرته ساعة وتخفت ساعة أخرى، ولا أظنه سيتوقف حتى ساعة بدء جولة الإعادة، ليأخذ بعدها منحى آخر!!.

لا أخفي عليكم مدى المرارة وحالة الإحباط التي أحسست بها من حديث جرى على لسان المتحاورين جميعاً، لساسة ورجال فكر وأعلام، كما واستشعرت عن بعد حجم تخوفهم العميق والمشروع من أن مصر قد أصبحت في وضع صعب للغاية، من منطلق أن الفائز الثاني بجولة الانتخابات الأولى يمثل النظام السابق وفلوله، فيما كانت هناك مؤشرات سلبية عديدة تجاه الفائز الأول، مرشح حزب الحرية والعدالة – الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين – ، تلك المؤشرات الناشئة عن خيبة رجاء أبناء الثورة والنهج الوطني والقومي نتيجة ممارسات جماعة الإخوان المسلمين إثر فوز مرشحيها في مجلس الشعب المصري وما أعقبها من مواقف لها فسرت على أنها إستئثار منها للسلطة!!، وكي أكون موضوعيا في طرح خلاصة ما جرى من نقاش محتدم، وأدلي بدلوي وما تحمله من مخاوفي على الثورة المصرية لاسيما وأنها قد غدت في مفترق طرق خطير، فإنني ارتأيت أن أطرح وجهة نظري هذه على شكل فقرات:
أولاً ... لقد بيّن السواد الأعظم من المتحاورين الذين يمثلون مختلف الأحزاب والتيارات الثورية ومن الشخصيات الوطنية المستقلة ورجال الفكر والإعلام بأن الفترة المنصرمة التي تلت انتخابات مجلس الشعب المصري قد شابتها جملة من ممارسات حزب الحرية فسرت من قبلهم بأنها محاولات من جماعة الإخوان المسلمين للاستئثار بمقدرات البلد السياسية، وأن ثمة حالة من القلق وعدم ثقة من الأحزاب والقوى الثورية المصرية تجاه تلك الجماعة، مما جعل جماعة الإخوان المسلمين معزولة عن باقي الأحزاب السياسية الوطنية الثورية الأخرى على نحو متزايد منذ الإطاحة بنظام مبارك، تلك العزلة التي غدت حجر عثرة أمام التفاف القوى الثورية المصرية حول مرشح الرئاسة المصرية الدكتور محمد مرسي سواءً في جولة الانتخابات الأولى، أو في جولة الإعادة، ولعل ما زاد نفرة تلك القوى الثورية من جماعة الإخوان المسلمين وفقدان الثقة بها عودة الأخيرة عن وعدها الذي كانت قد أعلنته بعدم المشاركة بالانتخابات الرئاسية!!.
ثانياً ... لقد أعلنت القوى الوطنية والثورية ورجالات الفكر والسياسة المصرية عن مخاوفها من تداعيات فوز أحد الفائزين بالجولة الأولى، ففوز أحمد شفيق سيؤدي حتماً إلى القضاء على الآمال العراض في التغيير الذي أشعلته الانتفاضة ضد مبارك وأطاحت به في الحادي عشر من شهر فبراير/ شباط من عام 2011، بينما أبدت الأحزاب المصرية الثورية والشخصيات السياسية الوطنية المؤيدة للثورة والمناهضة لنظام مبارك المخلوع مخاوفها من أن التصويت للدكتور محمد مرسي قد يدفع مصر إلى متاهات الابتعاد عن الدولة المدنية، وإقصاء للقوى الوطنية التي تتبنى وتدعو لمدنية الدولة!!.
ثالثاً ... ولما كان من الطبيعي والمنطقي إلا أتبنى بمقالي هذا وجهة النظر الداعية لدعم مرشح الفلول المتمثل بالفريق أحمد شفيق، رغم ما قدمه بالأمس بمؤتمره الصحفي من تطمينات وتعهدات لشباب الثورة المصرية في مؤتمره الصحفي ليوم أمس، والتي سرعان ما رد عليها شباب الثورة بالاستهزاء والسخرية والتهكم، كما ولا أتبنى فكرة مقاطعة جولة الإعادة لاحتمالات فوز أحمد شفيق بعد ترتيب أوراقه، فإنني من المنطقي والطبيعي أن أتبنى وجهة النظر الأخرى (والأخيرة) الداعية لدعم الدكتور محمد مرسي والسير فيها قدما بشرط أن يتم الاتفاق بين القوى الثورية المصرية والشخصيات الفكرية والأكاديمية الوطنية المصرية من جهة، وقيادة الإخوان المسلمين من جهة أخرى على جملة تطمينات ومطالب لقوى الثورة المصرية قبل المضي قدما في دعم تلك القوى والشخصيات الثورية لحملة الدكتور محمد مرسي في جولة الإعادة القادمة!!.
رابعاً ... واستكمالا للفقرة (ثالثاً) أعلاه، فإنني أدعو كل الأحزاب والقوى الثورية المصرية، وبضمنها حزب الحرية والعدالة – الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- أن تعي حقائق الأرقام الانتخابية التالية التي أسفرت عنها جولة الانتخابات الأولى (ولو لم يصدر بعد بيان رسمي بها)، وما تعنيه تلك الأرقام من مؤشرات خطيرة لابد من الوقوف عندها قبل أن تبدأ جولة الإعادة الشهر القادم:
1- يظهر لنا بنظرة بسيطة لنتائج التصويت للجولة الأولى التي نشرت، أن عدد من صوّت لصالح المرشح الرئاسي الدكتور محمد مرسي قد بلغ ستة ملايين ونيف من أصوات ناخبي مصر من مجموع خمسة وعشرين مليون ناخب مصري كانوا قد شاركوا فعلاً بالانتخابات بالجولة الأولى، مما يعني بحسابات الربح والخسارة أن هناك أكثر من تسع عشرة مليون صوت آخر كان قد آثر التصويت لغير الدكتور محمد مرسي لأسباب يجب البحث في مسبباتها وهي لم تعد خافية على أحد!!.
2- أن هناك ما يقارب من خمسة وعشرين مليون ناخب مصري كانوا قد عزفوا عن المشاركة بالانتخابات في جولتها الانتخابية الأولى لهواجس تعتريهم، والتي قد تقرر في جولة الإعادة الإدلاء بصوتها، وتلك لعمري كتلة ضخمة تضاف لمن صَـوّت لغير المرشح محمد مرسي، والتي يحسب حسابها في جولة الإعادة، وهي بالتأكيد ستكون بيضة القبان في تحديد من سيفوز برئاسة مصر!!.

خامساً ... ومما يتبين من حالة عدم الاطمئنان والثقة تجاه جماعة الإخوان المسلمين الواردة بالفقرة (أولاً)، يضاف لها ما جاء من أرقام انتخابية خطيرة بالفقرة (رابعاً أعلاه)، ذاك من جانب، ومن جانب آخر، وحيث أن مصر قد غدت في مفترق طرق تاريخي خطير للغاية، فإما المضي قدماً لاستكمال أهداف الثورة المصرية المباركة والوفاء لدماء الشهداء الأبرار الذين ضحوا بأنفسهم من أجل إنقاذ الوطن وانتشاله من كبوته، وذاك لعمري وبطبيعة الحال لن يكون من خلال فوز أحمد شفيق الذي يمثل فلول النظام السابق، فلقد صار لزاماً:
1. على جماعة الإخوان المسلمين (باعتبار أنهم أصحاب تاريخ معارض لنظام مبارك ولم تلطخ أياديهم بدماء الثوار) أن يعملوا وبأقصى سرعتهم على لم الصف الوطني المصري خلف مرشحهم للرئاسة وتقديم الضمانات والتطمينات التي تلبي طموحات وتطلعات الشارع الوطني والثوري المصري، كما وأصبحت تقع على عاتق جماعة الإخوان المسلمين المسئولية الكبرى لتغيير قناعات القوى والأحزاب الثورية المصرية بأن لا صراع بين أصحاب التوجه الإسلامي وأصحاب توجه مدنية الدولة والعلمانيين إذا ما كان هاجس الجميع مصر وحدها، وأن الصراع الحقيقي سيكون تحديداً منحصراً بين طرفين لا ثالث لهما، بين مجموع الحركة الثورية المصرية (بضمنها جماعة الإخوان المسلمين) والتي ناضلت طويلاً ضد نظام الفساد والطغيان متمثلاً بمبارك، وبين فلول النظام المخلوع والفاسد، لتطمئن بعدها القوى والأحزاب الوطنية المصرية لمستقبل مصر القادم إذا ما قررت أن تمد الثورة ومكتسباتها وتمد يديها لتساند الدكتور محمد مرسي!!.
2. على أحزاب وقوى وحركات الثورة المصرية الالتفاف حول مرشح الإخوان بعدما يتم إعطاء التطمينات والضمانات اللازمة لهم وذلك لمواجهة خطر عودة الفلول إلى المشهد السياسي المصري من جديد!!.

ختاماً أقول:
أولاً ...لقيادة جماعة الإخوان المسلمين ...
أستحلفكم بالله العزيز الجبار القدير، أن تحافظوا على لـُحـْمة الحركة الوطنية الثورية المصرية، وأن تزرعوا الثقة من جديد بينكم وبين شركائكم الحقيقيين في مصر، وأن تعملوا على تغيير صورة الانتهازية التي رسمت في أذهان شباب وقوى الثورة ومثقفي مصر التقدميين حين رفضتم بالأمس القريب جهودهم وحاولتم الاستئثار بالسلطة بعد فوزكم في انتخابات مجلس الشعب، لتعودوا اليوم وفي ظل أزمة جولة الإعادة وبروز اسم احمد شفيق لتنادوا بضرورة حماية الوطن والثورة!!، وأن تسعوا جاهدين مع جميع القوى والحركات والأحزاب والشخصيات الوطنية المصرية لتأسيس وترسيخ حالة وفاق وطني حقيقي تكون من أبرز ملامحها:
• مؤسسة للرئاسة المصرية الجماعية.
• حكومة ائتلافية وشراكة وطنية حقيقية تضم معظم القوى السياسية الثورية.
• جمعية تأسيسية للدستور تجمع كل ألوان الطيف المصري.
ثانياً... للجميع الأحزاب والحركات الثورية المصرية وشخصياتها المستقلة:
تذكروا جيداً أن لا خيار أمامكم للقضاء على آخر الفلول إلا من خلال التفافكم حول الدكتور محمد مرسي، فامنحوه ثقتكم من خلال ما سيمنحكم من تطمينات وضمانات، والتي ستزيد قطعاً من حجم كتلتكم الانتخابية التي نوهنا عنها بالفقرة (رابعاً) أعلاه، لتكون نتيجة مرحلة الإعادة صفعة قوية ستطيح بأحلام عودة إنتاج نظام مبارك السابق وإلى الأبد، وستعزز من لحمة المشهد السياسي المصري، لينطلق قطار تنمية مصر ولتتعافى من جديد ولتتبوأ مكانتها وحجمها الطبيعي!!.

ولهذا الطرف وذاك أقول ... تذكروا جيداً بأن عافية مصر ومنعتها وقوتها التي تسعون جميعاً من أجل تحقيقها هي في حقيقة الأمر عافية لكل العرب الشرفاء الذين يتطلعون بشوق لدور مصر القومي الفاعل والمؤثر، وهي منعة لكل المسلمين الغيارى، وليكن فجر مصر الزاهر القادم بإذن الله ظلاما دامساً ووبالاً وشراً على العدو الصهيوني ومن يشد من أزره!!.
يقول الله تعالى في محكم آياته: "قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ"... ( الأنعام: 135).


والله ولي التوفيق.
سماك العبوشي
27 أيار / مايو 2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت