المسألة الفلسطينية وآفاق الحلول (4)

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج

(( لماذا عطّل اليمين الأمريكي التوصل الى إتفاق سلام ))

على ذمة أولمرت كما صرح أخيراً بأن اليمين الأمريكي هو من عطل التوصل الى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأعتقد جازماً أنه كان صادقاً في زعمه، ولكن لماذا هذا الإعتقاد الجازم؟
إن الجواب على هذا السؤال يكمن بالحقائق التالية:
1- من المعلوم أن الهدف من وجود اسرائيل كقوة ضاربة بالمنطقة ينسجم مع دورها الوظيفي في خدمة القوى الإستعمارية التي دعمتها بكل الوسائل المتاحة، ولو تم اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لأنتفى الغرض من وجود هذا الكيان الدخيل والذي يمثل خنجراً في خاصرة الوطن العربي بجناحيه الآسيوي والأفريقي. ولكن كيف؟
إن الوطن العربي من المحيط الى الخليج يمثل الكنز الأعظم من الخيرات على الكرة الأرضية، وخزان الوقود الذي لا ينضب ويمد العالم بالطاقة وخاصة العالم الغربي الذي لا تشرق عليه الشمس الاّ في أوقات ضئيلة خلال العام، ولا يغيب عنه الثلج والبرد الا في أوقات ضئيلة طيلة العام. وإن الوضع العربي الراهن يمثل مدخلاً مشرعاً للعب على تناقضاته الذاتية، وتناحر مكوناته وتعدد كياناته الهشة. فلو تم اتفاق السلام لأصبح العالم العربي في مأمن من خاصرته، ولانزاح عنه فك الكماشة الغربي الذي يطبق عليه من خاصرته، ولربما أصبح الإبتزاز بمخاطر التهديد الذي يمارسه الغرب على العرب لا مبرر له باتفاق السلام. لذلك قضت المصلحة الأمريكية بتعطيل التوصل الى اتفاق سلام.
وإن انزاح ولو مؤقتاً الخطر الإسرائيلي عن الوطن العربي، سيبقى فك الكماشة الشرقي الذي تمثله إيران مطبقاً على الجانب الشرقي الغني للوطن العربي، مما يقلل الضغط ويحدث انفكاكاً يُعلي منسوب المقاومة العربية للفك الشرقي ويحدث توازناً في المنطقة لا يستدعي التدخل الأمريكي لحماية العرب من المخاطر التي تهددهم من الشرق. لذلك كان لا بد من تعطيل الإتفاق لكي يبقى الوطن العربي معرضاً للإبتزاز لعلو منسوب المخاطر وتكالبها عليه من الشرق والغرب. ويستمر استخراج الحليب من الضرع العربي المليء والمختزن بالحليب.

2- من المعلوم أن بنيامين نتنياهو قد قضى فترة طويلة من حياته في الولايات المتحدة الأمريكية يعمل مع اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وبنى مع الجسور عند عودته للكيان الصهيوني، وكلما أوشك الفلسطينيون والإسرائيليون على التوصل لإتفاق سلام، كان اليمين الأمريكي ينصح الإسرائيليين وعلى رأسهم زعيم الليكود نتنياهو ومن قبله شارون، بعدم تحقيق الشروط العربية الدنيا للسلام لأنهم هم (الصهاينة) المنتصرون وهم الأقوى ومن يملك أوراق الحل كلها بيديه لأنه المحتل والباسط سيطرته العسكرية والأمنية على كل أرض فلسطين، لذلك لا داعي للتفريط بأي شرط من شروط اسرائيل لتحقيق السلام. وبناءً عليه كانت المؤامرة بين اليمين الأمريكي واليمين الإسرائيلي لا بل الكل الإسرائيلي على أولمرت وإزاحته من منصبه بتهم فساد ومرض مزعوم وقدوم نتنياهو للحكم على الرغم من حصول حزب كاديما على عدد مقاعد أعلى بقليل أو تساوي حزب الليكود، وانحياز الثعلب شمعون بيرز رئيس الكيان لصالح الليكود والذي يسعى الى المناصب وتكليفه لنتنياهو بترأس الحكومة الإسرائيلية وتشكيلها لنفي كل ما تم التوصل اليه بين اولمرت وعباس. وإعادة المفاوضات الى المربع الأول والبدء من نقطة الصفر، تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي. تشبثاً بمقولة شامير بعد مؤتمر مدريد سأفاوضهم الى ما لا نهاية.
3- إن جل اليمين الأمريكي من تجار الأسلحة والنفط، وهم المسيطرون على صناعة القرار الأمريكي، وبالتالي فإن من مصلحتهم إثارة النعرات والفتن وإشعال نيران الحروب في المناطق والبؤر الساخنة في العالم وبعيداً عنهم لكي لا تطالهم ألسنة لهبها، وما عليهم الاّ تزويدها بالحطب والوقود وصب الزيت عليها لتحريك إقتصادهم الذي استغنى عن الصناعات والتصنيع فيما ينفع الناس، واقتصرت صناعاتهم على الأسلحة والطائرات المدنية والحربية وتطوير الصواريخ المدمرة. والأسلحة الخارقة الحارقة والعادمة للبيئة والإنسان، لذلك فهم يعملون جاهدين على توجيه الساسة الأمريكيين الى هذه التوجهات المثيرة للحروب. وبكل أسف فقد لاقت هذه التوجهات صداها في عالمنا العربي الذي مثّل لها مناخاً جيداً ومناسباً ومطابقاً لأهوائها.
4- ولا ننسى في هذا الصدد دور الرشاوى التي يقدمها اللوبي الإسرائيلي لأعضاء الكونغرس المتنفذين بالولايات المتحدة الأمريكية وتأثير اللوبي على نتائج الإنتخابات الأمريكية. رشاوى مالية ورشاوى دعم بالإنتخابات.

من مصلحة الغرب والقوى المسيطرة على العالم أن تبقى المنطقة مشتعلة بتناقضاتها الذاتية والحضارية والتاريخية والجغرافية والعقائدية المصطنعة بالجهالة وغياب الحكمة والوعي، لكي تبقى على حالها المتشرذم الهش بحاجة الى رعاية وحماية الأقوياء. ومن مصلحتهم أن تبقى الأمة في حالة التشرذم والضعف والهوان والجهل.
نأمل أن تعي الأمة دهاليز السياسة الدولية، وتتنبه لما يحاك ضدها من مؤامرات وصفقات تعقد بالخفاء على خيراتها وكنوزها وشعوبها جائعة، وأن تستفيق من غفوتها الطويلة، وتتخلص من تناقضاتها الذاتية، وتناحرها مع مكوناتها لكي لا تبقى نهباً لسراق العالم وبلطجيته، وعلاوة على نهب خيراتها فهي تدفع الثمن لهذه الصفقات الخفية من دماء ابنائها ومن جوعهم وعطشهم وضياعهم. وذلك نتيجة لتشرذمها بالسياسة والفكر وبالجغرافية. وحوارها بين بعضها البعض بالسلاح والجهل وسوء الجوار لا بالمنطق والعلم وحسن الجوار.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت