السير على حافة الهاوية

بقلم: محمد السودي


يبدو ان اطراف الصراع الفلسطيني الداخلي اجادوا ببراعة فائقة السير على حافة الهاوية وسط حقل الغام مليء بالاشراك ظنا منهم ان اضاعة الوقت قد يسعفهم بحصول معجزة ما يكون فيها غالب أو مغلوب في حين تضيع الارض والقضية الوطنية معا ، وتستجمع دولة الاحتلال كل قواها المتطرفة ضمن اطار حكومة ائتلافية موسعة أشبه بحكومة الحرب تسابق الزمن من اجل تنفيذ مخططاتها الاستعمارية الاستيطانية الهادفة الى فرض الوقائع على الارض وتغيير معالمها الجغرافية والتاريخية والتراثية بوتائر متسارعة لم يسبق لها مثيل ، في ظل التواطؤ الامريكي المكشوف والعجز الدولي وانشغال العرب بأوضاعهم الداخلية التي تبعدهم عن أي اهتمامات اخرى ، إذ لا ينتظر شيء من الاطارالعربي المتمثل بلجنة المتابعة العربية العليا التي ستعيد الكرة الى الملعب الفلسطيني تحت يافطة دعم ما يراه الجانب الفلسطيني من خطوات سياسية ، بمعنى اخر عدم اتخاذ اي قرارات جادة تجاه الوضع الفلسطيني الراهن يمكن ان يكون لها تأثير على السياسات الامريكية المنحازة للاحتلال ومشاريعه.

بين ليلة وضحاها من دون سابق انذاربل عشية اجواء كادت ان تعيد الامور الى المربع الاول ، تم الاعلان عن اتفاق جديد فاجأ الجميع يحدد الخطوات التنفيذية لاتفاق قديم أفضى الى اعطاء الضوء الاخضر للجنة الانتخابات المركزية المحظور عملها مباشرة تحديث السجل الانتخابي في قطاع غزة الشرط اللازم لبدء مشاورات تشكيل الحكومة الموحدة ، بعد انقضاء عام كامل على اخر فصول المصالحة الذي تم توقيعه من قبل قادة فصائل العمل الوطني برعاية جمهورية مصر العربية وجامعة الدول العربية مضافا اليها لاحقا اعلان الدوحة ، يومهاقيل الكثير عن الاتفاق الوليد وافردت له وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة مساحات واسعة كرست جل اهتمامها على فرضية ان الذي أنجز بعد مخاض عسير يعتبر لحظة تاريخية سيسدل الستار على اخطر ما واجهته القضية الفلسطينية خلال مسيرتها الوطنية المعاصرة ، كما يشكل الفرصة الاخيرة للخروج من مأزق الانقسام المدمر وبالتالي ازال العوائق امام تشكيل حكومة كفاءات مهنية موحدة ذات مهام محددة الطابع تقوم بالاعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية بالتزامن مع انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني في الوطن والشتات حيث امكن ، اضافة الى اعادة بناء ما دمره العدوان الغاشم على قطاع غزة نهاية عام 2009 المنصرم من خلال تفعيل آلية تحريك الاموال المجمدة التي رصدتها الدول المانحة بمؤتمر شرم الشيخ المخصصة لهذا الغرض اعقاب الحرب العدوانية ، وكذلك الامر ما يتعلق بتوحيد المؤسسات الحكومية والامنية واشاعة مناخ المصالحة المجتمعية وقضايا الحريات العامة غير ان رياح المصالحة حينها جرت بما لا تشتهي سفن اصحاب النفوذ وقوى المصالح المتضررة التي نمت كالنار في الهشيم بفعل الانقسام وعدوان الاحتلال حيث اصطدمت الجهود المبذولة بجدار فولاذي من التعطيل المغلف بشعارات المزايدات قبل ان يجف حبر الموقعين على الاتفاق خشية عودة الامور الى الحالة الطبيعية التي ينبغي ان تكون عليها ، ليس بمقدور احد التكهن عن مدى جدية الاطراف المعلنة عن الاتفاق التنفيذي الجديد ان كان سيختلف عن سابقاته ام ان شياطين التفاصيل ستقفز بوجه اي محاولة جادة تنهي حالة العبث التي تسود الساحة الفلسطينية وابقائها رهينة الاجندات الفصائلية الضيقة الافق والمشاريع الاقليمية الخارجية على حساب ما هو وطني ، حيث بدأت تلوح بالافق تصريحات غير بناءه من هنا وهناك ابطالها نجوم الشاشات الفضائية بهدف التأزيم ووضع العراقيل بما يخدم اصحاب نظرية الانتظار لما ستؤول اليه اوضاع المحيط العربي المنشغل باوضاعه الداخلية ثم يكون لكل حادث حديث ، كان ينبغي على موقعي الاتفاق الجديد الاستفادة من دروس الماضي القريب والتزام الصمت حتى يتم التوافق على التفاصيل الكاملة ولا يتم الاعلان عنها إلا بعد ان يبدأ التنفيذ الدقيق لمجريات الامور لأن فشل جديد لا يمكن احتماله بأي شكل من الاشكال .

المواطن الفلسطيني الذي يعاني الأمّرين جراء قهر الاحتلال الجاثم على صدره وعداونه المستمر من جهة ، وقهر الانقسام وتداعياته الكارثية من جهة اخرى استقبل الاخبار القديمة الجديدة بلا مبالاة او اهتمام يذكر نتيجة تكرارها الممل حتى اضحت مفردات اللغة التي تشمل الحوار الوطني الشامل ، المصالحة الوطنية ، الاتفاق ثم التوافق من المصطلحات الممجوجه غير المحببة لديه تسبب له صداعا للرأس وقعها ثقيل على الاذن والنفس .
وهو ما نرى ترجمته الفعلية على ارض الواقع حينما يتم تجاهل الدعوات الفصائلية الرامية الى تشكيل اداة ضاغطة تنهي دوامة الدوران في حلقة مفرغة اذ يقتصر الحضور على بضع عشرات من اؤلئك الذين تجدهم في كل مناسبة وطنية محددي الهوية والانتماء ، بينما تشاهد على بضع امتار رواد المقاهي على ارصفة الطرق والساحات اضعافا مضاعفة يراقبون من بعيد المشهد الفلسطيني المأزوم الذي يتحدث عن نفسه بنفسه ، حيث طال الانقسام كل شيء ، فلم تعد للقدس مرجعية وطنية واحدة بل هيئات ومسميات جهودها مبعثرة لا تأثير لها على شيء والحال يطال مرجعيات الاسرى المتعددة الاطراف والمرامي ، ولا نريد ان ننكأ الجراح التي اصابت الجسم الفلسطيني في مختلف تكويناته السياسية والنقابية والتنظيمية ، وما يترتب عليها من استنزاف للطاقات وهدر للامكانيات .

لعل هذه الظواهر الغريبة عن اصالة شعبنا وتاريخه النضالي العريق المشهود له بالتضحيات الجسام ،السباق في الدفاع عن مشروعه الوطني ، تدق ناقوس الخطر ويدفع الجميع بلا استثناء باتجاه الوقوف امام مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية لاعادة النظر بما آلت الاوضاع الراهنة من خلال القراءة الدقيقة الامينة والجريئة للنتائج الخطيرة التي تهدد حاضر ومستقبل شعبنا وحقوقه الوطنية المشروعة .
ان تجاهل المسببات التي ادت الى استفحال الازمة الراهنة سواء كانت على صعيد المصالحة او انسداد الافق السياسي وفشل عملية التسوية ستؤدي حتما الى نتائج كارثية لاتحمد عقباها .
حان الوقت للخلاص من السياسات العبثية التي خلقت الصراعات على السلطة قبل ان ينال شعبنا حريته ومكانته الذي يستحقها .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت