غزة – وكالة قدس نت للأنباء
تمكن الشاب خالد أحمد (25 عاما) من سكان بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة من النوم الساعة الرابعة فجرا، الليلة الماضية، بعدما دار بينه وبين (حشرات البعوض) صراع مطول ألقى به نائما من التعب، تاركا نفسه مهزوم للدغاتها.
ويقول أحمد الذي يسكن بالقرب من بركة مياه الصرف الصحي الواقعة خلف سوق بيت لاهيا " كانت ليلة أمس تشبه الحرب، لم أتمكن خلالها من الانتصار على حشرات البعوض والتي لم تترك مكانا مكشوفا في جسمي وإلا وقرصته، إلى أن استسلمت إلى النوم متعبا"، مؤكدا أن البعوض بالنسبة له أصبح أمر مزعجا يقلق راحته.
ويوضح أحمد لمراسل وكالة قدس نت للأنباء، سلطان ناصر، أنه يلجأ في بعض الأوقات إلى إغلاق نوافذ غرفته لتفادي دخول البعوض إليها وهو ما يجعله يعاني من ارتفاع درجات الحرارة قائلا " الشوب مش مشكلة يعنى ما بيكون في كهرباء ولا هويات والشباك مسكر، ما بعرفش من وين بتدخل البعوض"، مبينا أن أغلب مناطق جسده وخاصة وجهه تظهر عليها لدغات البعوض.
نحو أسبوعين ...
ويشير إلى أن البلدية قامت قبل نحو أسبوعين برش المنطقة التي يسكن فيها ومحيط البركة بالمبيدات الخاصة بالبعوض، ولم تعود مرة أخرى، مطالبا إياها بضرورة إعادة رش المنطقة مرة ثانية، وتخصيص جدول معين لرش المنطقة لا سيما أن البعوض يأتي من البركة كمصدر أساسي وتنتشر في المنطقة.
وينتج قطاع غزة حوالي 30 مليون متر مكعب من المياه العادمة سنويا، في حين تعاني محطات معالجة المياه العادمة من أوضاع تشغيلية صعبة تمنع معالجة هذه الكميات الهائلة بسبب افتقارها لإجراءات التطوير والصيانة الدورية وعدم توفر المعدات والمستلزمات الفنية المطلوبة، جراء مواصلة فرض الحصار الإسرائيلي ومنع جهات الاختصاص من تنفيذ المشاريع الاستراتيجية التطويرية اللازمة لقطاع الصرف الصحي في القطاع، للمساهمة في الحد من انتشار البعوض.
أول أمس ...
ومن جهتها تفاجأت السيدة سامية يوسف، من العلامات التي ظهرت أول أمس على وجه طفلها نتيجة تعرضه لعدد كبير من لدغات حشرات البعوض، قائلة " نام طفلي ولم يكن هناك أي علامات في وجه، في الصباح استغربت مما ظهر على وجهه من حبيبات حمراء تشبه حب الشباب ولكن بحجم أكبر منتشرة في أغلب مناطق وجهه نتيجة قرصه من البعوض".
وتوضح يوسف التي تسكن وسط غزة بأنها منذ بداية الصيف تعاني من البعوض ولكن في الفترات الأخيرة ومع ارتفاع درجات الحرارة، لا سيما أن لدى جيرانها حظيرة لتربية الأبقار، تفاقمت معاناة عائلتها بشكل أكبر.
عدم جدوى ...
وتبين أنها أشترت من الصيدلية جهاز يمنع دخول حشرات البعوض لحماية طفلها من التعرض للدغاتها لا سيما أنها تسبب الألم له وتجعله دائما يصرخ، مشيرة إلى عدم جدوى هذا الجهاز لأنه يعمل على الكهرباء التي غالبا ما تكون مقطوعة في فترات الليل.
ودعت السيدة يوسف الجهات المختصة في بلدية غزة إلى ضرورة التدخل ورش المنطقة بالمبيدات الحشرية، موضحة بأنها العام الماضي لم تكن تعاني بشكل واضح من المشكلة لأن البلدية قامت برش المنطقة، لكنها حتى اللحظة لم تقوم برشها بالمبيدات الخاصة بالحد من انتشارها.
ويعاني سكان قطاع غزة من مشكلة انتشار البعوض في فترة الصيف والتي تسبب حسب المختصين أمراض جليدية تصيب بالغالب فئة الأطفال الذين يعتبرون أكثر الفئات المتضررة نتيجة عدم قدرة أجسامهم على المناعة وتحمل لدغات البعوض المؤلمة لدرجة كبيرة.
حشرات غريبة ...
في السياق ذاته تضطر أم محمد من سكان منطقة المغراقة بالقرب من وادي غزة إلى إغلاق كافة نوافذ منزلها على مدار الــ 24 ساعة ولا تفتحها بسبب البعوض والرائحة السيئة الناجمة عن مياه الصرف الصحي، مبينة بأن هناك حشرات أخرى غريبة دائما ما يتعرض أبنائها إلى لدغات منها تسبب لديهم الحكة بالجلد بشكل مستمر.
وتقول إن "المشكلة تتفاقم مع كل بداية فصل صيف، مما يدفعهم دائما لزيارة طبيب الأمراض الجلدية بشكل دوري من أجل الاطمئنان على عدم إصابة أطفالها بأمراض جلدية قد تسبب ضرار لهم، مشيرة إلى أن ساعات الليل تكون بالنسبة لهم سيئة بسبب انتشار البعوض بشكل أكبر من النهار.
جو مناسب ...
ويصف رئيس بلدية بيت لاهيا عز الدين الدحنون ظاهرة انتشار البعوض بالخطيرة ويعتبرها حديث الساعة لدى المجتمع الفلسطيني، مؤكدا بأنها ظهرت بشكل كبير خلال هذا العام، وأن طبيعة بلدة بيت لاهيا زراعية ولا يخلو منزل منها من حديقة أو بركة إلى جانب برك الصرف الصحي، وخاصة أن التربة احتفظت بكميات الرطوبة الناتجة عن ارتفاع نسبة الأمطار هذا العام، إلى جانب أن الجو مناسب لانتشار البعوض.
ويوضح الدحنون لمراسلنا أن "البؤر الأساسية للبعوض هي أحوض الصرف الصحي ، مشيرا إلى أن معالجتها بدأت منذ مارس/أذار الماضي ، إلى جانب استخدام الجهاز "الضبابي" رش المبديات القاتلة للبعوض، مبينا أن الجهاز الذي كان لدى البلدية قديم ودائم العطل، وأنهم تمكنوا الخميس الماضي من تأمين جهاز جديد بعد معاناة في طريقة إدخاله إلى القطاع.
ويشير إلى أن البلدية تعمل الآن في المنطقة الشرقية والغربية للبلدة لرشها بالمبيد القاتل للبعوض، إلى جانب عمل فرق البلدية التي تدخل المناطق التي تحتوي على مستنقعات مائية للصرف الصحي لتنظيفها ورشها، مؤكدا أنهم يحاولوا استخدام كل الإمكانيات المتاحة للحد من انتشار البعوض لا سيما لخطورتها على شريحة الأطفال.
ويؤكد الدحنون أن هناك لقاءات دورية تجمع رؤساء البلديات لكافة محافظات قطاع غزة، لتدارس وضع الآليات لحل أزمة انتشار البعوض، قائلاً " هناك تعاون بين البلديات برعاية وزارة الحكم المحلى حيث قبل بدء موسم الصيف يكون هناك اجتماع لمدراء الصحة في كافة البلديات ويكون هناك برنامج ومشروع لشراء كميات كبيرة من المواد القاتلة لحشرات البعوض، لرشها في كافة مناطق القطاع".
ويلفت إلى أن الأيام القادمة ستشهد منطقة بيت لاهيا تحسن ملحوظ على صعيد تخفيف معاناة الموطنين من البعوض، لا سيما بعد تمكن البلدية من تأمين جهاد جديد لرش المبديات، مؤكدا بأنه يأمل أن تحصل البلدية على أجهزة رش أخرى من شأنها المساهمة بتغطية كافة مناطق البلدة.
ويوضح رئيس بلدية بيت لاهيا الدحنون بأنه حسب خبرته فأن حشرات البعوض الموجودة داخل القطاع لا تسبب أمراض خطيرة أو معدية يمكن أن تشكل خطر على حياة الموطنين، كما حشرات البعوض الموجودة في المناطق الاستوائية، مبينا أن لسعاتها تسبب حساسية فقط.
يوم البيئة ...
ويصادف اليوم الخامس من حزيران/يونيو 2012 (يوم البيئة العالمي)، وحذر مركز الميزان لحقوق الإنسان بهذه المناسبة من خطورة الأوضاع البيئية في قطاع غزة، وجاء في بيان صدر عن المركز أن "قطاع إدارة المياه والصرف الصحي في قطاع غزة يعاني من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب وتشير المعطيات إلى أن 95% من المياه الجوفية وهي المصدر الوحيد لمياه الشرب ومياه الاستخدام الآدمي في قطاع غزة أصبحت غير صالحة للشرب بسبب جملة من الملوثات".
كما أن تصريف مياه الصرف الصحي التي تنتج في كافة المناطق السكنية عبر شبكات الصرف لا تتجاوز نسبته 65% والباقي يتم تصريفه عبر القنوات المفتوحة وإلى باطن الأرض من خلال الحفر الامتصاصية والذي بدوره يتسرب للخزان الجوفي ويسهم في مزيد من تلويثه. كما يذهب قرابة 80% من الكميات التي يتم تصريفها عبر شبكات التصريف إلى البحر والباقي إلى مناطق مفتوحة مما يؤدي لتلويث مياه البحر بمياه الصرف الصحي غير المعالجة أو متدنية المعالجة.