ذكرى حرب المخيمات المجنونة

بقلم: علي بدوان


تمر هذه الأيام الذكرى السابعة والعشرون لما بات يعرف بحرب المخيمات المجنونة التي شنتها بعض القوى في لبنان وتحديداً (حركة أمل) ضد الوجود العسكري والفدائي الفلسطني في الساحة اللبنانية.

ففي ظل تلك الحرب المجنونة التي انطلقت شرارتها صباح السادس من يونيو عام 1985 بأوامر إقليمية مباشرة تحت ذريعة "مواجهة التمدد العرفاتي في مناطق بيروت"، دخلت الساحة الفلسطينية نفقاً مظلماً، تكبد خلاله الشعب الفلسطيني خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وقد دمرت التجمعات والمخيمات الفلسطينية في بيروت في صبرا وشاتيلا والداعوق، ومعها تجمعات ومخيمات منطقة صور إضافة لحصار مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا واندلاع ما عرف في حينه معارك (مغدوشة).

لقد كانت (حرب المخيمات) حرباً ضروس أكلت الأخضر واليابس وحصدت أرواح المئات من الشهداء من مختلف الفصائل الفلسطينية ومن عامة الناس، وقد امتدت وعلى تقطع لفترات زمنية طويلة، وانتهت مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى نهاية العام 1987، وقد فشلت حركة أمل في اجتثاث الوجود العسكري والتنظيمي لقوى المقاومة الفلسطينية وفصائلها في لبنان، وخسرت كذلك جسمها العسكري الذي تحطم على أرض المخيمات الفلسطينية بالرغم من الهجمات المتكررة التي قامت بها قوات حركة أمل على امتداد زمن تلك الحرب المجنونة والدعم اللوجستي الهائل الذي قدم لها من أجل انجاز مهمتها إياها. الحرب القذرة المشار إليها، كانت بالفعل من أصعب الحروب التي شنت على الفلسطينيين في الشتات، وقد فاقت في خسائرها وحتى في مفاعيلها كل جولات القتال والاقتتال وغيرها التي وقعت في عموم الأرض اللبنانية منذ انفجار الحرب الأهلية عام 1975.

في تلك الحرب المجنونة، سقطت من الضحايا أعداد كبيرة من أبناء فلسطين ولبنان وسوريا. كما ألحقت تلك الحرب خسائر باهظة بالشعب الفلسطيني المثخن أصلاً بالجراح في تلك السنوات التي كان فيها الانقسام الفلسطيني مسيطراً على الحالة الفلسطينية العامة بعد انشقاق العام 1983، وقد وقع في سياقها أيضاً قتال واقتتال فلسطيني داخلي من سهل البقاع إلى بعلبك وامتداداً إلى مناطق مدينة طرابلس اللبنانية من مايو 1983 وحتى سبتمبر من العام نفسه. وفي تلك الحرب التي فرضت على الفلسطينيين، سقط مئات الشهداء من كل التنظيمات الفدائية الفلسطينية، واستشهد عدد بارز من القيادات الميدانية كان منهم الشهيد علي أبو طوق من حركة فتح، والشهيد محمود خليفاوي، الذي التحق في العمل الفدائي الفلسطيني بعد أن غادر مقاعد كلية العلوم في جامعة دمشق، واستمر الى حين استشهاده في الجولة الرابعة من (حرب المخيمات) في منطقة مغدوشة قرب مدينة صيدا. الايجابي الوحيد في تلك الحرب القذرة المجنونة التي شنت على الفلسطينيين، تمثل في وحدة الصف الفلسطيني، أثناء المجابهات العسكرية الواسعة التي دارت على الأرض في مواجهة قوات حركة أمل التي حاولت اجتثاث الوجود السياسي والتنظيمي والعسكري لعموم القوى الفلسطينية تحت ذريعة ملاحقة تمدد العرفاتيين إلي بيروت.

لقد خاضت قوات المقاومة الفلسطينية تلك الحرب المفروضة بيد واحدة وبروح واحدة رغم الاقتتال الفلسطيني الذي سبق تلك الحرب بوقت قصير، وقد شاركت قوى ما كان يسمى بـ (جبهة الإنقاذ الفلسطينية) وهو تحالف ضم ست قوى فلسطينية ومعها جيش التحرير الفلسطيني (الجبهة الشعبية + القيادة العامة + جبهة النضال الشعبي الفلسطيني + جبهة التحرير الفلسطينية + قوات الصاعقة + فتح/الانتفاضة + الحزب الشيوعي الفلسطيني) التي كانت تعارض سياسة الرئيس الراحل ياسر عرفات، بجهد كبير في ردع تلك الحرب وردها على أصحابها، إلى جانب حركة فتح وما كان يسمى في حينها بفصائل قوى التحالف الديمقراطي، وإلى جانب مجموعات ما كان يعرف بحركة فتح ـ المجلس الثوري التابعة لصبري البنا (أبو نضال) والتي كانت في حينها تملك جسماً عسكرياً لابأس به من حيث الحضور والفعالية في منطقة بيروت ومناطق الجنوب وصيدا، وقد شاركت مجموعاتها في تلك الحرب الى جانب كل القوى الفلسطينية التي توحدت في الدفاع عن الوجود الفلسطيني في مناطق بيروت والجنوب.

وبالفعل فقد كانت الجبهة الشعبية (القيادة العامة، وحركة فتح) الانتفاضة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من القوى الرئيسية التي كسرت حدة العمليات الهجومية التي شنت من قبل حركة أمل ومن وراءها على المخيمات الفلسطينية في بيروت وفي منطقة صيدا (معارك مغدوشة). فحركة فتح ـ الانتفاضة والقيادة العامة والجبهة الشعبية أمتلكتا في حينها قوة عسكرية جيدة ومؤهلة خصوصاً منها مدافع الميدان وراجمات الصواريخ، واستطاعت تلك القوى تحديداً أن تلعب دوراً مهماً في تشتيت المجهود العسكري لحركة أمل، وقصف مراكزها وتجمعاتها في مناطق بيروت انطلاقاً من جبل لبنان من صوفر وبحمدون وسوق الغرب وغيرها. وفي تلك الحرب المجنونة، تعرضت شخصياً لإصابة مؤلمة في الخاصرة اليمنى والتي كانت سطحية المظهر على الجلد الخارجي وباتجاه بسيط العمق كما كان يبدو، فقد وقعت تلك الإصابة صباح السابع من يونيو عام 1985، وهو صباح اليوم الثاني من اندلاع الجولة الأساسية الأولى من تلك الحرب المجنونة التي تواصلت بتقطع وانتقلت إلى مناطق في صيدا (معارك مغدوشة) إلى أن انتهت نهاية العام 1987. وقد كنت وقبل الاصابة في بيروت في السابع من يونيو 1985، أستعد للعودة الى دمشق من أجل التقدم لامتحانات الدبلوم في كلية التربية ـ جامعة دمشق (اختصاص طرائق تدريس المواد العلمية للمرحلة الثانوية ومرحلة التعليم الأساسي).

بعد الإصابة التي كانت سطحية في مظهرها، كان مصيري التحويل من جهة لبنانية الى جهة عربية ثانية، بقيت عندها الى حين توقيع الاتفاق الأول لانهاء حرب المخيمات بين كل من جبهة الانقاذ الفلسطينية وحركة أمل برعاية عبد الحليم خدام (وقد انهار هذا الاتفاق) بعد وقت قصير. وبموجب ذلك الاتفاق فقد تم إطلاق كل المعتقلين من كل الفصائل ومن كل السجون وعند مختلف الجهات التي كانت تحتجزهم. فأطلق في ليلة التوقيع على الاتفاقية معتقلي كل الفصائل الفلسطينية، وبقينا لوحدنا من حركة فتح ومن الجهة التي كنت أنتمي إليها ليتم اطلاقنا بعد يومين من إطلاق سراح معتقلي الفصائل المختلفة.

صحيفة الوطن العمانية

تاريخ الخميس 7/6/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت