ينتشر بين أوساط كثيرة من المثقفين أن الفكر الحزبي مسيطر على قادة وأبناء الأحزاب والحركات الفلسطينية وكل حزب أو حركة تعمل من أجل توسيع رقعة انتشار مناصريها ، ولكن المتابع بدقة لتصرفات أغلب الأحزاب والثقافة المنتشرة بين قادتها وأعضاءها يجد أن العكس هو الصحيح والأمثلة على ذلك كثيرة جدا وأصبحت ملموسة ويتندر بها كل من هو من خارج هذه الأحزاب بأنهم عمليا يخسرون أكثر مما يكسبون بل ويتفننون في كيفية كسب الخصوم أكثر من نجاحهم في كسب الأصدقاء أو تخفيف حدة الخصوم ، ولتأكيد هذه الحقيقة لابد من الإجابة على السؤال التالي : هل الشريحة الغير منتمية لتلك الأحزاب تزداد أم تتقلص بين أوساط المجتمع الفلسطيني ؟ وهل حجم الرضا الشعبي تجاه الفصائل بشكل عام يزداد أم يتراجع ؟ مع العلم أن أحزابنا وحركاتنا هي المالكة لكل مقومات الحياة وهي صاحبة القرار في منح المساعدات وتحصيل الوظائف العامة والخاصة وكذلك المساعدات والهبات وغير ذلك من مغريات الحياة ، ولعل المتابع لكافة استطلاعات الرأي المختصة بهذا الشأن تؤكد حقيقة ازدياد الرافضين للأحزاب القائمة .
لافرق في هذه القضية بين الفصائل جميعا سواء صاحبة الأيدلوجية الدينية أو العلمانية أو الوطنية ومن هنا تجد أن المنظمات الإسلامية يبرز فشلها بشكل أكثر وضوحا في استيعاب واستقطاب الإسلاميين الخارجين عنها ، ولا تكاد تجد فصيلين إسلاميين يجمعهما عمل وتنسيق مشترك بشكل جدي بعيدا عن الشعارات النظرية ، بل تجدهم أقسى ما يكونون على بعضهم البعض ولا نبالغ إذا رأيت العلاقة بين التنظيم الإسلامي وبعض التنظيمات العلمانية أكثر قربا وتفاهما وقدرة على التعايش والتفاهم من التنظيمات االإسلامية فيما بينها ، وكذلك الحال مع التنظيمات الوطنية حيث تجد التنافس والتصارع بين قياداتها ولعل خلافاتهم الداخلية تفوق الخلاف مع الفصائل المخالفة لهم في الفكر والثقافة ، ولذلك تزداد الهوة والمساحة بين هذه الفصائل وبين عامة الشعب الفلسطيني عندما يجدون الخلافات فيما بينهم كبيرة وبالتالي سيكون الخلاف مع كل من هو خارجهم أكبر بكثير .
ومن خلال الكثير من الممارسات لهذه الفصائل - خاصة من يملك منها السلطة – يتوقف الإنسان حائرا عن سبب هذه التصرفات التي تدفع الناس لأخذ موقف سلبي منها بالرغم أن هذه الفصائل قادرة على كسب هؤلاء الناس بأقل جهد ممكن ، و المواطن الفلسطيني لا يريد الكثير من هذه الفصائل ، كل ما يريده هو حفظ كرامته الانسانية والشعور بالأمان والاطمئنان من أسلوب عمل هذه الفصائل سواء على المستوى الأمني أو الإداري المدني وهذا لا يكلفهم الكثير .
وهذه الأخلاق في المعاملات لا يمكن اكتشافها إلا عندما يكون هناك خلاف من نوع ما مع هذا المواطن وعندها يمكن الحكم على كيفية معاملة هذه الجهة مع هذا المواطن ، فالشرطي خلال أداء عمله يجب أن يعكس أخلاق المؤسسة التي ينتمي لها ، وضابط الأمن المشرف على الحدود يجب أن يكون بجانب المسافرين يقيل عثراتهم ويساعد مريضهم بنفسه ويقف على معاملة الناس بالحسنى وحل أي إشكالية بالسرعة القصوى وتخفيف الألم على من لديه مشكلة ، ولكن أن تجد سوء المعاملة أو ترك المواطن في صالة الانتظار لساعات بسبب انتظار مكالمة هاتفية من مسئول ، أو في بعض الأحيان اتخاذ قرار بمنع مواطن من السفر بدون إبداء الأسباب – مع التأكيد أن هذا حق للمواطن لا يجوز الاقتراب منه إلا بموجب القانون – او طريقة توزيع المساعدات والمنح وكذلك التعامل مع أزمة الكهرباء والوقود وغيرها الكثير من الأمثلة للمشاكل التي يتعرض لها المواطن ، فإن طريقة التعامل مع هذه الإشكاليات تنعكس سلبا أو إيجابا ليس فقط على الشخص المسئول مباشرة بل أيضا على الجهة التي يمثلها وهي الحكومة والتنظيم التي ينتمي له ، ولا يكفي للمواطن أن يقال له أن هذا الخطأ ناشيء عن سوء تصرف هذا المسئول والتنظيم أو المؤسسة من تصرفه براء ، المواطن سيشعر بالغضب من التنظيم المتسبب في إهدار كرامته وهذا الغضب لن يقتصر على هذا المواطن فحسب ولكن سينعكس على المجتمع المحيط به .
كثيرة هي الأخطاء الإدارية التي تقع ومن هنا يزداد الغضب ، والعجيب أن هذا المسئول – الأمني أو المدني – ينسى أنه بهذا الخطأ لا يخدم الحزب الذي أوصله الى هذا المنصب وهو يعلم أنه ليس أهلا له ولولا انتمائه الحزبي ما وصل لهذا المنصب زمع ذلك يسيء لنفسه ولحزبه ، ومن هنا فإن المقولة الدارجة حول الاستقطاب الحزبي تقتصر فقط على تعزيز المواقف السياسية العامة أما الاستقطاب الحزبي على مستوى الشارع فهناك فشل للفصائل بامتياز بل العكس هو الصحيح فإن بعض الفصائل تفقد الكثير من مناصريها بممارساتها الخاطئة سواء أدركت ذلك أو لم تدرك هذه الحقيقة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت