القضية الفلسطينية، ما بين اللجوء والتشرد ، وما بين محاولات تسويتها أو تصفيتها كانت ولا تزال القضية الأولى، وأمّ القضايا لكل المناضلين والاحرار في العالم .
ونحن اليوم ندرك ان القضية الفلسطينية موجودة في وجدان الشعوب والاحرار منذ اللحظات الأولى لعمليات الترانسفير المنظمة وقرارات التقسيم، ليتبعها وعد بلفور المشؤوم عام 1917 ، وما ترتب على كل ذلك من أحداث هدفت إلى السيطرة على وسط العالم، بعد الثورات والانتفاضات التي قادها الشعب الفلسطيني، إلا أن هذه المقاومة وبالرغم من بسالتها لم تكن قادرة بعتادها المتواضع على مجابهة القوة الاستعمارية المسيطرة على فلسطين والتي مهدت بدورها لقيام الدولة الصهيونية على أرضها عام 1948، مانحة أرضا ليست لهم، ومشردة شعباً بأكمله بوجوده وتاريخه، مغتصبة بذلك كامل حقوقه القومية والإنسانية في الحياة والأرض.
وشكلت الطلقة الاولى لشرارة الكفاح المسلح للثورة الفلسطينية المعاصرة في 1/ 1 / 1965 ، مكانة مهمة ومشرقة احتلت مكانتها عند قوى حركة التحرر والتقدم في العالم ، ونالت موقعها الثوري عند الجماهير العربية ، فكان اول شهيد للثورة احمد موس علامة تضيئ درب فلسطين من اجل التحرير ، ونحن لن ننسى الدور التأسيسي لرمز فلسطين في الانطلاقة للرئيس الشهيد القائد ياسر عرفات ولأخيه امير الشهداء ابو جهاد الوزير الذين اعدوا الفكرة والتمهيد للانطلاقة عام 1958 ولن ننسى الدور التعبوي والنضالي لهؤلاء القادة العظام مع اخوانهم في حركة القوميين العرب وجبهة التحرير الفلسطينية انذاك ، حيث كان الهدف التعبوي والاعداد هو الاساس نحو انطلاقة شرارة الكفاح المسلح والثورة الفلسطينية عام 1965.
ان انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة حملت من المبادئ والمنطلقات والأهداف ، وحظيت بأهتمام وطني وقومي وعالمي واسع ، وجاءت معبرة أبلغ تعبير عن ما يعانيه الشعب الفلسطيني وشخصت من خلال ذلك هويته الوطنية كأنجاز مهم في تاريخ القضية الفلسطينية الا وهو منظمة التحرير الفلسطينية كجبهة وطنية متحدة تضم كافة القوى والفصائل في اطرها الوطنية ، وبفعل النضال المتواصل والدور الكفاحي الهائل لشعبنا استمرت الثورة الفلسطينية رغم المؤامرات التي كانت وما زالت تستهدف تصفية المشروع الوطني وضرب منظمة التحرير الفلسطينية كمقدمة لتقزيم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.
إن أهم إنجاز يمكن تسجيله للثورة الفلسطينية المعاصرة أنها حولت قضية الشعب الفلسطيني من قضية لاجئين ينتظرون طوابير الإعانات من هيئة الأمم المتحدة إلى شعب ثائر يدافع عن حقوقه الوطنية المشروعة ويتطلع إلا جلاء الاحتلال عن أرضه وإقامة دولته أسوة بكل شعوب العالم التي كافحت الاحتلال وناضلت حتى تحررت ونالت الاستقلال.
واليوم يحاول الاحتلال الصهيوني سحق الذاكرة والوجود، إلا أن الوعي بالقضية، ما زالت نسائمه تمر بين أروقة المدن والقرى والمخيمات وخلف أشعة الشمس لترسم حلقة نضال جديدة .
وامام هذه المعاناة الذي يعيشها الشعب الفلسطيني نتطلع الى مناضلين صابرين من أسرى ومعتقلين فلسطينيين وعرب في سجون الاحتلال الصهيوني ومعتقلاته ، وهم بكل تأكيد موجودين في القلب والوجدان ، وهم يعيشون معنا في كل لحظة من يومياتنا ,ولن نوفر جهداً أو نضالاً من أجل تحريرهم، وهم بصمودهم وعطائهم يشكلون لنا نموذجا مشرقا في حياتنا .
ان الشعب الفلسطيني الذي يقدم ابنائه ورجاله ونسائه وشبابه وفتياته يتطلع الى كافة القيادات من اجل وحدة الصف الفلسطيني ودعم صموده ونضاله وهو يقاوم العنصرية الصهيونية بكل الوسائل المتاحة, في القدس ، بيت لحم, وبيت جالا ورام الله والخليل ونابلس وجنين وغزة البطولة والصمود ، وكل فلسطين.
ان ترجمة الاقوال الى افعال يجب ان تنطلق عن صدق الامانة التي نحملها وذلك من خلال تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية, والتمسك بالثوابت, مهما اشتدت المؤامرات والعواصف, ومهما كان حجم الهجمة الصهيونية- الأمريكية على المنطقة. ذلك لقناعتنا العميقة بأن صمود شعبنا هو أقوى من كل المؤامرات.
إن اشتداد الهجمة الصهيونية الأمريكية على المنطقة العربية وما يلاقيه المشروع الأمريكي- الصهيوني الاحتلالي من مقاومة عربية, وبعدما وصلت السياسة الأمريكية في جولاتها إلى طريق مسدود, الأمر الذي يدفع هذا المشروع إلى استبدال استراتيجيته القديمة بواحدة جديدة, وهذا بكل تأكيد يتطلب استنهاض المشروع القومي العربي التحرري, عبر بلورة استراتيجية مواجهة مقوماتها، الصمود والثبات والوحدة الوطنية.
إن رهاننا كان دائماً يجب ان يكون على المقاومة.. فالمقاومة حق مشروع لكل الشعوب التي تتطلع إلى الحرية والاستقلال, وقد علمتنا التجارب على مدى التاريخ أن المقاومة الوطنية وكفاحها المشروع لابد أن يحقق أهدافها في إنهاء الاحتلال. ومن هنا يجب أن نبحث في وسائل تطوير المقاومة ووضع استراتيجية جديدة لها. ومن هنا علينا أن نحدد المهام الملحة للمرحلة القادمة:
على ضوء هذه الاوضاع السياسية التي تشهدها الساحة الفلسطينية اليوم, والتي لاتتناسب مع التضحيات الجسيمة التي قدمها شعبنا, ومع القيم الأخلاقية والمعنوية التي رسختها تلك التضحيات, من صمود وثبات وإرادة مناضلة, فإننا نؤكد تمسكنا بالوحدة الوطنية , والعمل على تجاوز كل الإشكاليات التي ترسخ الانقسام في الساحة الفلسطينية, تتطلب منا العودة إلى ثوابتنا الوطنية و, وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية من خلال مشاركة الجميع فيها دون هيمنة من اي طرف , آخذين بعين الأعتبار كل التطورات التي حدثت في السنوات الأخيرة .
إن جوهر القضية الفلسطينية يتمثل في حق العودة , وإذا كان الأعداء يسعون إلى شطب حق العودة, فهم بالتالي يحاولون شطب القضية الفلسطينية, وقضية العودة هي مركز إجماع للشعب الفلسطيني وتشكل عنصر لقاء, فتعالوا نحمي حق العودة من كل محاولات الشطب, إننا نواجه عدواً صهيونياً عنصرياً واحتلالياً, يصادر الأراضي الفلسطينية ويقيم عليها مستوطناته اليهودية, ويعزل السكان الفلسطينيين عبر جدران الفصل العنصري, ويقيم الحواجز ويمارس الإرهاب بارتكابه المجازر ، وهذا يتطلب من اصحاب الشاشات والتصريحات الصحيفية ان يبتعدوا عن لغة حل الدولتين وحل عادل لقضية اللاجئين والعمل من اجل حشد التضامن العربي والعالمي لمواجهة الاحتلال الصهيوني العنصري ومن أجل الانتصار لقضايا شعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس .
إن ما ماتخطط له الإدارة الأمريكية بشراكتها مع العدو الصهيوني يقود في المحصلة المنطقة العربية نحو المزيد من الكوارث والحروب، وهذا ما نراه من خلال التدخلات بشؤون الدول والشعوب العربية التي انتفضت من اجل التغيير والديمقراطية والاصلاح والعدالة الاجتماعية ، ولتغذي الصراعات الطائفية والمذهبية التي تراهن عليها الادارة الامريكية والقوى الاستعمارية والكيان الصهيوني وذلك وصولا الى رسم شرق اوسط جديد وفق رؤية الفوضى الخلاقة , هذه هي المخاطر التي ينبغي على الشعوب العربية قاطبةً مواجهتها مع قواها الحية من احزاب وقوى وتيارات وطنية وديمقراطية وتقدمية وقومية .
ان قراءة الواقع العربي موضوعياً, والعمل على تجاوز الأزمات, وذلك من خلال روح الوحدة الوطنية والوفاق الوطني بين القوى الوطنية، يستدعي توجيه البوصلة الى القضية المركزية للامة العربية قضية فلسطين ، وهذا براينا يتطلب الوعي القومي العربي وهذا ما يختبر إمكانية الأمة العربية ويعين طموحها في التحرر والاستقلال والديمقراطية الحقيقية, وليس الديمقراطية التي تسوقها الأدارة الأمريكية والدوائر الإمبريالية لحماية مصالحها في المنطقة.
ومن هذا المنطلق نرى ان العمق العربي كان حاضناً للقضية الفلسطينية, وبالعمق العربي الشعبي استطاعت المقاومة في لبنان أن تحرز انتصاراً نوعياً على العدو الصهيوني ، كما صمدت غزة وانتصرت ، كما يصمد الشعب الفلسطيني على كامل ارض فلسطين وفي كافة اماكن تواجده ، ونحن نقول اليوم يعود زمن اليقظة القومية العربية.. فالعنوان الرئيسي للصراع ستبقى فلسطين.
ختاما : لا بد من القول الحرية تحتاج الى وعي والوعي يحتاج إلى ممارسة وعمل، وهنا نحن أمام ثقافة مشوهة ووعي غائب، وعي مشوه واحتلال يعمل على احتلال هذا الوعي، احتلال يريد أن ينفي وجودنا كشعب فلسطيني، يريد التخلص منا بأي شكل من الأشكال، وهذا بكل تأكيد يدفعنا لرفع الصوت عاليا كفى انقساما وكفى تقاسم السلطة والإصرار على ثنائية التقاسم ، فالقضية في خطر ، ولا مجل امامنا الا ان نتمسك بالوحدة الحقيقية وبالمقاومة بكافة اشكالها وان نستفيد من علاقاتنا وخاصة مع الأحزاب العربية والعالمية والدول الصديقة في أميركا اللاتينية, فنزويلا والأرجنتين ونيكاراغوا وكوبا, وإلى الذين يؤيدون الحق الفلسطيني والتضامن مع قضايا أمتنا العربية ويقفون إلى جانبنا، وأصحاب الضمير الإنساني في العالم الذين ينتقدون الممارسات الصهيونية الإجرامية, فهؤلاء أصبحوا تياراً واسعاً في الرأي العام العالمي فهم بكل تأكيد سيكونوا سندا لفلسطين اضافة الى استمرار نضالنا الدبلوماسي حتى نحقق حلم شعبنا في الحرية والاستقلال والعودة .
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت