بادئ ذي بدء، وقطعاً لدابر من يظن بأنني أكتب مقالي هذا ترويجاً ونصرة للدكتور محمد مرسي "مرشح الإخوان المسلمين" والذي شاء الرحمن تعالى أن يكون أحد خياريّ جولة الإعادة لرئاسة مصر، أقول ... بأنني لو خـُيـِّرتُ بين مرشحي الرئاسة المصرية لكنت قد اخترت أولاً المناضل حمدين صباحي لما يحمله من رمزية شباب ثورة 25 يناير المباركة، وإلا فالدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، ومن بعده المفكر الإسلامي المعتدل الدكتور محمد سليم العوا، وهكذا مروراً بأبي العز الحريري والمستشار هشام البسطويسي إلى آخر قائمة المرشحين الخارجين من رحم ثورة 25 يناير، والذين لهم حس وطني وقومي عروبي، دون أن أختار الدكتور عمرو موسى أو الفريق أحمد شفيق، وذلك لأسباب كنت قد أوضحتها في الكثير من المقالات السابقة التي تزامنت وانتخابات الرئاسة المصرية!!.... ذاك لعمري أولاً!!.
وثانياً...
إن ما دفعني في حقيقة الأمر لكتابة هذا المقال، خبر جعلني في حيص بيص من أمري كانت صحيفة "المصري اليوم" قد نشرته بتاريخ الخامس من حزيران 2012 بعنوان رئيسي "رويترز: الإسرائيليون والسلطة الفلسطينية يُفضلون «شفيق» لرئاسة مصر"، جاء في مطلعه وأقتبسه نصاً: "تختلف مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس في كثير من القضايا، لكن موقفيهما من الانتخابات الرئاسية المصرية متطابقان تقريبا، ويفضل الاثنان فوز أحمد شفيق، القائد السابق للقوات الجوية وآخر رئيس للوزراء في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، على محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، في جولة الإعادة المقررة في يومي 16 و17 من يونيو المقبل.
فبالنسبة لإسرائيل، سيوفر فوز شفيق في الانتخابات بعض الطمأنينة بعد شهور من القلق بسبب الإطاحة بمبارك، وهي فترة من انعدام اليقين أثارت شكوكا بشأن قابلية استمرار اتفاقية السلام التاريخية بين مصر وإسرائيل الموقعة في عام 1979.
أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، فإن فوز شفيق سيمثل دعما لهم في الصراع الطويل مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي انبثقت عن الإخوان المسلمين والتي تسيطر على قطاع غزة."... انتهى الاقتباس.
إن صح تقرير رويترز ذاك، وذاك لا أستبعده أبداً لجملة أسباب نعرفها جميعاً، فإنني لن أجد صعوبة في تبرير انحياز الكيان الصهيوني لأحمد شفيق، هذا إذا ما وضعنا في حسباننا أن المرشح أحمد شفيق هو ابن النظام المصري الذي كان قد خدم الكيان الصهيوني طيلة عقود بكل تفان وإخلاص، لكن الغريب والعجيب في الأمر يتمثل لعمري في صعوبة هضم فكرة وتبرير موقف السلطة الوطنية الفلسطينية المؤيد لفوز المرشح أحمد شفيق، وما يعنيه ذلك بالتالي وكتحصيل حاصل من تطابق ذاك الموقف مع رغبة الكيان الصهيوني الحميمة لفوز الفريق أحمد شفيق في سباق الرئاسة المصرية!!، وإنه تالله لأمر جد غريب ويدعو للسخرية والتهكم والاستهجان أن نرى تطابق مواقف وتطلعات وأماني من يناضل ويسعى لتحرير الأرض الفلسطينية مع تطلعات وآمال الاحتلال الصهيوني!!، فأي تفكير ومنطق هذا!؟، وأي قاسم مشترك يجمع الطرفين!؟.
دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها، دون لف ولا دوران، فكلنا يعلم تماماً الخلاف العقائدي بين السلطة الفلسطينية وبين قيادة حماس يكمن في حقيقة الأمر بين اختلاف نظرتيهما وتعاطيهما في كيفية التعامل مع العدو الصهيوني الغاصب والسارق لأرضنا، ذاك الخلاف الذي أوصل المشهد الفلسطيني إلى حالة من التشرذم والتفكك والتمزق والتخبط وعدم الاستقرار حتى يومنا هذا برغم كل الوساطات والجهود الطيبة لوأد فتنة التناحر والتنازع، وإذا استطعنا تبرير موقف حركة حماس وانحيازها للمرشح الإخواني الدكتور محمد مرسي المتأتي من منطلق فكري وعقائدي، فما الذي يجمع السلطة الفلسطينية بأحمد شفيق!؟.
ولتتسع علامات الاستفهام والاستغراب حيال ما جاء بذاك الخبر المنوه عنه آنفاً فنتساءل وبموضوعية شديدة:
1- يعقل أن تلتقي آمال وطموحات ورؤى القاتل والقتيل، السارق والمسروق، الناهب والمنهوب!؟.
2- أليس الأمر برمته مضحكاً ويدعو للسخرية والتهكم، أن يأتي موقف قيادة السلطة المتعاطف لأحمد شفيق حنيناً منها وتقديرا وعرفانا لنظام مبارك الذي وقف معها في عدائها المتأصل مع قيادة حماس، شريكة الدار الفلسطينية!؟.
3- وإذا كنا نجد مبرراً منطقياً لحكومة تل أبيب وهي تفضل فوز شفيق في سباق الرئاسة المصرية لما يمثله من امتداد طبيعي لنظام مبارك، وما سيعنيه ذاك الفوز من استمرار واستقرار تعاون الكيان الصهيوني مع مصر وهدوء الحدود واستمرار حصار غزة وتجويع شعبها، فهل يجوز لقيادة السلطة الفلسطينية أن تدعم الفريق أحمد شفيق نكاية بحركة حماس التي تنازعها السلطة والنفوذ على قطاع غزة!!.
4- ما الانجازات والتضحيات والجهود التي بذلها الفريق أحمد شفيق تجاه قضية فلسطين حتى تكون لقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية مواقف إيجابيه حياله وتمني النفس بفوزه بكرسي رئاسة مصر!؟.
5- أتناسى المتعاطفون مع المرشح أحمد شفيق ( وهو الخارج من عباءة اللامبارك) حجم عداء النظام المصري الفاسد اللاقومي لقضية فلسطين ممثلة بما يلي من الشواهد التاريخية القرببة على سبيل المثال لا الحصر:
5-1 أتناسى هؤلاء المناضلون أن نظام مبارك المخلوع (وشفيق ابن بار لهذا النظام) كان حليفاً لـ "إسرائيل" وحامي ظهرها وسندها والمدافع عن استقرارها أمنياً واقتصادياً!!، مما أتاح الفرصة لذاك الكيان في ترسيخ أقدامه في الأرض الفلسطينية المحتلة!!.
5-2 وإن كان هؤلاء المناضلون قد نسوا أو تناسوا ما الذي قدمه نظام مبارك (وشفيق قد خرج من عباءة هذا النظام) للكيان لصهيوني طيلة سنوات حكمه، فليرجعوا بذاكرتهم لمقالة الكاتب "توماس فريدمان" بعنوان "قبل مصر ... بعد مصر" والتي جاء فيها وأقتبس نصاً "ما أن جلست في بداية لقاء مع جنرال إسرائيلي فى فندق تل أبيب، حتى استهل هو المحادثة قائلا: « كل ما كنا نعتقده طوال الثلاثين عاما الماضية لم يعد مناسبا»..." ملخصاً بذلك وإلى حد بعيد الشعور المربك بالصدمة والرعب الذي ألحقته الانتفاضة الشعبية في مصر بمعنويات المؤسسة الصهيونية نتيجة مخاوفها الكبيرة على اتفاقية السلام المصرية الصهيونية. منوهاً بمقاله بأن اتفاقية السلام تلك كانت قد جعلت مجمل السياسة الجيوسياسية والاقتصادية في الكيان الصهيوني طوال 35 عاما مضت مستقرة هادئة!!.
5-3 ربما قد تناسى هؤلاء المناضلون الفلسطينيون تجاهل نظام مبارك (وشفيق ابن بار لهذا النظام الفاسد) لحصار الشهيد الرمز أبي عمار برام الله حتى ظهور أعراض التسمم ومغادرته رام الله إلى فرنسا للعلاج، دون أن يحرك ذاك النظام المصري أو رئيسه المخلوع ساكناً فيعمل على التخفيف من حصار الشهيد أبي عمار بما يملكه النظام المخلوع من حظوة كبيرة لدى الولايات المتحدة الأمريكية وحليفه القوي الكيان الصهيوني!؟.
5-4 ولربما قد تناسوا أيضاً جدار الذل والعار الفولاذي الذي أقيم بين حدود مصر وغزة، بحجة الحفاظ على أمن مصر القومي والحفاظ على سيادتها الوطنية، فيما الحقيقة المرة تصرخ ملء فمها أن الجدار الذي أقامه نظام اللامبارك (يومها كان شفيق جزءً من النظام المصري) قد جاء تنفيذا لإرادة صهيوأمريكية بقصد إركاع الفلسطينيين في غزة وثني عزيمتهم وكسر صمودهم من خلال تجويعهم ومنع الدواء عنهم!!.
لقد دأب المناضلون والثوار وأصحاب القضايا المصيرية النبيلة والشريفة المنتمون للحركات الثورية التحررية أو الأحزاب السياسية الوطنية على اتـّباع النهج الثوري والديمقراطي في ممارساتهم النضالية سواءً المتمثلة بالبحث والتقصي عن أفضل السبل الناجعة التي تصب لصالح قضيتهم وتسرّع من وتائر تحقيق أحلامهم أو في ممارسة النقد وتقويم الموقف وصولاً للحالة الصحية والسليمة، فنرى بأن (هذا) المناضل يجتهد كثيراً ويبدع "فكراً أو ممارسة نضالية" من أجل جعل حلم رفاقه المناضلين حقيقة ملموسة، فيما قد ينبري (ذاك) المناضل ليمارس حق النقد والتوجيه بحق ما مارسه (رفيق درب) له ربما كان بما اجتهده ورآه قد أضر بجوهر القضية عن غير قصد، فيسارع (رفيق الدرب) هذا على رد اتهام زميل مناضل له فيبرر له أسباب ممارسته النضالية تلك بطريقة ديمقراطية ثورية شفافة يراعى فيها خير القضية وإصلاح شأنها ومسيرتها!!، هكذا وببساطة شديدة أفهم طريقة ونهج اختلاف المناضلين وأصحاب القضية الواحدة، وهكذا ببساطة متناهية أفلسف الأمر وأبرره لـ(هذا) المناضل أو (ذاك)، فهل ذاك حقا ما نراه في المشهد السياسي الفلسطيني!؟، أم ماذا!؟، فإن كان ولابد من ذاك التصارع والتناحر الفصائلي، فلتـُحـَرّر فلسطين أولاً بعد توحيد الجهود والطاقات والكلمة، ثم ليتصارع بعدها المتصارعون كيفما شاءوا وليقتسموا كعكة فلسطين كيفما أرادوا!!.
ختاماً أقول ... بأنني كنت قد قرأت رداً لأحد القراء على مقال سابق لي هذا نصه: "لماذا أريد الإخوان!؟، لان جزءً من ضميرهم يتجه إلى القدس، ولأن الجزء الثاني من ضميرهم يعادي أمريكا وأتباعها!!"... انتهى الاقتباس، فهل أن ضمير أحمد شفيق يتجه للقدس وتحريرها!؟، وهل سمعناه يوماً يذكر فلسطين بخير في مقابلاته ولقاءاته الجماهيرية حتى نرى تعاطفا فلسطينياً له!؟.
مجرد تساؤل... لا أكثر!!.
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: "فذكـِّر فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ"...(الذاريات:55).
سماك العبوشي
13 حزيران 2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت