هل تنفذ إسرائيل انسحابا أحادي الجانب من الضفة؟

بقلم: غازي السعدي


غريب عجيب هذا الرئيس "الأوبامي"، الذي اتهم في لقائه مع زعماء "الاتحاد الأرثوذكسي اليهودي" في الولايات المتحدة، الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"- والفلسطينيين عامة- بأنهم لم يعودوا يرغبون بالتوصل لاتفاقية سلام مع إسرائيل، وأعرب عن خشيته من أن فرصة السلام السانحة قد انتهت، "يديعوت 6-6-2012" فهذا الرئيس هو أكثر من يعرف بأن إسرائيل هي التي أفشلت عملية السلام، التي كانت صفعة له شخصياً، برفضها تنفيذ مطالبه بوقف جميع أعمال البناء الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، كما رفضت طلبه باعتبار حدود عام 1967 حدود الدولة الفلسطينية، بل أن إسرائيل نجحت في لي ذراعه ودفعته للتخلي عن جميع ما وعد به، سواء الوعود التي أطلقها خلال لقاءاته مع الجانب الفلسطيني والعربي، أو خطاباته في كل من القاهرة واسطنبول، لكن عودته إلى البيت الأبيض لولاية ثانية أهم لديه ولدى حزبه من السلام، ومن الوعود والمبادئ، فتحميله الجانب الفلسطيني مسؤولية الفشل وليس إسرائيل-التي تفضل الاستيطان على السلام- يفقده مصداقيته - وهذا إذا كان صادقاً أصلاً- للمزيد من الابتزاز الإسرائيلي، وخاصة في الموضوع الإيراني، وفي المزيد من الدعم العسكري والمالي، فقد نجحت إسرائيل ومن خلال لوبياتها في الولايات المتحدة في دفع "أوباما" إلى الخلف بنسبة (90) درجة، فـ"اوباما" لم يكن ولم يعد محايداً من الصراع، بل أنه أصبح جزءاً من المشروع الإسرائيلي، وأكثر تعاطفاً معه.

إن العقبة الرئيسية أمام تحقيق السلام، بنظر العالم- وحتى بعض الشرائح الإسرائيلية- هو المشروع الاستيطاني الذي قضى على الأمل بتحقيق السلام، حتى أن "نتنياهو" قبل أيام صادق على بناء مئات الوحدات السكنية في الضفة الغربية، وأثناء رئاسته للوزراء تم بناء عشرات آلاف الوحدات السكنية، بينما تقوم جرافاته بهدم منازل عربية، وتحويل بعضها- وخاصة في القدس- للمستوطنين، فهذا الاستيطان غير قانوني وفقاً للقانون الدولي، والخارجية الأميركية تستنكر وتندد في كل مرة الإعلان عن إقامة وحدات استيطانية سكنية جديدة، حتى أصبح هذا التنديد روتينياً لا تحسب له إسرائيل أي حساب، حتى أن "أوباما" شخصياً لم يستنكره ويعمل على إبقائه، بل أنه عرقل اتخاذ قرار في مجلس الأمن لوقف هذا الاستيطان، كما عرقل الاعتراف بقبول فلسطين عضواً في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بينما يكرر "نتنياهو" مزاعمه بأنه يبني في أرضه، ولا يعترف بأنها أراضٍ محتلة، ويعلن عن المزيد من إقامة الوحدات السكنية للمستوطنين، فهل سيادة الرئيس "أوباما" على غير علم بهذه الحقائق؟

الرئيس "عباس" يتجنب الدخول في مواجهة مع الرئيس "أوباما" تجره إسرائيل إليها، لكن رده على "أوباما" بشكل غير مباشر جاء أمام المنتدى الاقتصادي في إسطنبول، بتوجيه كلامه لجيرانه الإسرائيليين بقوله: إننا طلاب سلام وعدل وحرية، وأن شعبنا قدم تضحيات كبيرة حينما قَبِلَ بإقامة دولة على أقل من ربع مساحة فلسطين التاريخية، وقال للإسرائيليين: لا تديروا ظهوركم لهذه الفرصة المتاحة اليوم، والتي قد لا تبقى متوفرة لزمن طويل، وأن هذا يتطلب تجسيد استقلال فلسطين على الأرض، يبقى مرهوناً بإنهاء الاحتلال والاستيطان، وترسيم الحدود بين الدولتين على أساس خطوط عام 1967.

"نتنياهو".. المخادع، كلما وجد نفسه بين فكي الكماشة، يوجه الدعوة تلو الأخرى للرئيس الفلسطيني لاستئناف المفاوضات، لإحياء عملية "السلام" بين الجانبين، وليس لتحقيقه، للخروج من مأزقه، وهو يصر على اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، لكنه يتجاهل الإشارة إلى مرجعيات المفاوضات، وفقاً للاتفاقات الموقعة، وقرارات الشرعية الدولية، وخارطة الطريق التي لا تجيز لأي من الطرفين القيام بعمليات أحادية الجانب، بينما البناء الاستيطاني، ونهب الأراضي يتعارضان مع الخارطة ومع القوانين الدولية.

في خطابه وفي المداولات التي جرت في معهد الأمن القومي الإسرائيلي "31-5-2012، حذر نتنياهو من المخاطر والتحديات الأمنية التي تواجه إسرائيل خلال المرحلة المقبلة، مستعرضاً هذه التحديات وهي: الملف النووي الإيراني، الوضع الأمني في سيناء، تهريب المتسللين الأفارقة عبر الحدودية المصرية، إطلاق الصواريخ على إسرائيل من غزة أو من جنوب لبنان، انهيار نظام الأسد، وصول أسلحة كيميائية لعناصر إسلامية، إلا أن نتنياهو تجاهل القضية الفلسطينية، فهي ليست من ضمن سلم أولوياته، فهو غير جاد في حلها.

إسرائيل وعلى لسان وزير حربيتها "ايهود باراك"، عاد لطرح حل الدولة الفلسطينية المؤقتة، أو الانسحاب الأحادي من بعض أراضي الضفة الغربية، إلا أن "نتنياهو" ووزير خارجيته "ليبرمان" لم يعقبا على هذا الطرح، مما يفهم بأن الأمر منسق بينهم، فإسرائيل والهاجس الذي يقلقها وتخشاه هو قيام دولة ثنائية القومية، ويأتي اقتراح "باراك" ضمن هذا الاتجاه، وكما دعا الرئيس "عباس" لعدم تفويت هذه الفرصة الفريدة وإعطاء فرصة للسلام، فإن "نتنياهو" أيضاً يتحدث بنفس هذا المنطق، لكنه غير جدي، و"باراك" في خطابه أمام مؤتمر الأمن القومي حذر من استمرار الجمود الراهن، مؤكداً أن عدم فعل شيء ليس خياراً، ودعا لإجراء محاولة للتوصل إلى اتفاق شامل، وإذا اتضح أن هذا مستحيل، يتعين على إسرائيل –حسب "باراك"-إبرام اتفاق مؤقت، أو حتى القيام بإجراء أحادي الجانب، ويؤيده في هذا التوجه "عاموس يدلين" رئيس شعبة الاستخبارات السابق، والذي يترأس حالياً معهد الأبحاث الأمني، ففي تلخيصه لأعمال المؤتمر للأمن القومي قال يدلين:" أن على إسرائيل تعيين حدودها بما يضمن لها أن تكون دولة يهودية وديمقراطية، مدعياً أن الفلسطينيين لا يستطيعون في الوقت الحاضر التوصل لمعاهدة سلام، وعلى إسرائيل الانسحاب إلى الحدود التي تضمن مصالحها من دون انتظار الطرف الفلسطيني، معتبراً أن الجمود الحالي يشكل لعنة بالنسبة لمصالح إسرائيل، وأن أضرار هذا الجمود خطيرة، وأن العرب واليمين الإسرائيلي-على حد قوله- المستفيدون من حالة الجمود، "وبالتأكيد فإنني اتفق مع ما أشار إليه يدلين بأن الفلسطينيين لا يستطيعون التوصل لمعاهدة سلام وفقاً للشروط الإسرائيلية".

إن الطروحات الإسرائيلية الكثيرة هي جزء من شراء الوقت والمماطلة للاستمرار بفرض الأمر الواقع، ولو عدنا قليلاً إلى الوراء من قرار التقسيم، إلى قرار 242، واتفاق اوسلو، وخارطة الطريق، وإلى الدولة ذات الحدود المؤقتة، والدعوة إلى المفاوضات المباشرة لوجدنا أنها جميعها تندرج في شراء الوقت، ظناً منها بأنها تستطيع تصفية القضية الفلسطينية، مع إنني أتحدى جدية إسرائيل بالانسحاب أحادي الجانب الذي لا نرحب به، بل لنتركه للجدل والصراع الداخلي الإسرائيلي الذي سيزيد من أزمات إسرائيل الداخلية، أما بالنسبة للرئيس الأميركي فهناك خشية إسرائيلية أنه إذا عاد إلى البيت الأبيض قد يعود إلى رؤيته السابقة والضغط على إسرائيل، لأنها ستكون ولايته الأخيرة، ولا يحتاج إلى الدعم الصهيوني، نتمنى ونأمل ذلك.

التاريخ : 13/6/2012
مقال تحليلي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت