في الذكرى السنوية الأولى شمعــة

بقلم: د.محمد المدهون


من المجدل استقر به الحال في مخيم الشاطئ للاجئين حيث أمضى محمد شمعة جل حياته. صاحب ذلك انطلاق الشيخ الياسين بدعوته من مخيم الشاطئ، مما منح الشمعة فرصة إضافية كي يصاحب الإمام الشهيد أحمد ياسين، ومن ثم يكن جزءاً أصيلاً من النواة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين. محمد شمعة ولد من رحم المعاناة الفلسطينية ومن مخيمات اللجوء انطلق في بيعته إلى الله تعالى حيث واجه كرئيس للشورى في جماعة الإخوان المسلمين تعقيدات دولية غاية في التقاطع وإن كانت في مجملها لا تخرج عن الإرادة الأمريكية التي قادت ضد شعبنا حصاراً دولياً مطبقاً في التشدد وموغلاً في الظلم. منذ أن بدأ الشمعة تحركه كان ينطلق من فهمه أنّ الإسلام هو الرسالة التي ينبغي أن تسود الحياة, هذه المنطلقات تمثل الأسس التي يقيم عليها الشمعة معالم عمله في التحرك، كما يبيّنه في خطبه وتوجيهاته واجتماعاته, و تلك المنطلقات هي الأسس الصلبة التي يقيم عليها تصوراته للسياسة والمسيرة والعمل الإسلامي مؤثراً في كل ذلك المصلحة العامة والتمسك بالحقوق والثوابت الفلسطينية وملتصقاً بالجماهير وقواعد العمل الإسلامي.

الشمعة عُرف بين إخوانه بالتخطيط ولم يٌعرف بالصخب، وعُرف ببعد النظر دون الالتفات للتهريج أو اللغط والخصومة, وعُرف بالتواضع في مركزه القيادي المرموق، ولم يعُرف بالاستعـلاء. وعرفه إخوانه بصدق التوجه إلى الله وغرس البذور في حقل الله المثمر الذي تنبت السنبلة فيه سبع سنابل وأكثر. ومن هنا ظل الرجل على شموخه لا يطأطئ الرأس، راسخ لا يتزعزع مثل رواسي الجبال. الشمعة وإخوانه البداية التي انطلق من رحمها (حماس و القسام) ، فزلزلوا عرش الطواغيت وأعادوا بناء المعادلة.

الشمعة عرفته غزة المقاومة وضفة الفداء قائداً دعوياً تربوياً, اجتماعيا, وسياسياً في جماعة الإخوان حريصاً على الوحدة الوطنية. الشمعة المجدلاوي كان قدوة وأنموذج في حياته الزاخرة، فالشمعة المتواضع المعطاء الكريم الجواد النبيل الزاهد، عرفته مساجد و أسر وأزقة مخيم الشاطئ وقطاع غزة راعياً متفقداً وموجهاً, ومقدماً نموذجاً من عهد الصحابة الكرام رضوان الله

عليهم أجمعين في العمل التعبدي والتربوي والاجتماعي والخيري والإغاثي والجهادي، وما يصاحب ذلك من تواضع وتضحية وفداء, وكم كان الشمعة باراً بأهله مراعياً لحقوق جيرانه متفقداً لحال إخوانه وتلاميذه.

محمد شمعة الإنسان تلمسه في قسمات وجهه وابتسامته المشرقة وسلوكه الأخلاقي الدمث، وتواضعه الشديد وحرصه على صلة الرحم، والتشاور الدائم بعيداً عن التفرد، علاوة على حرصه على القراءة والمطالعة علاوة على سعة إطلاعه، وأكثر ما يميزه القدرة على صياغة المواقف الوحدوية, والقدرة على الحوار والإقناع, ساعده في ذلك حفظه أجزاء من كتاب الله تعالى. كما أنه سريع البديهة علاوة على تمتعه بذاكرة دقيقة وهدوء يْحسد عليه.

ليس غريباً أن يضفي الله من الهيبة على رجل شمعة مجاهد وهو الذي يعيش هموم شعبه وقضية أمته ويلتصق بجماهيره في تواضع جم وأخلاق عالية وتضحية كبيرة مما يرفع مكانته بين الخلق، ويدفع الشباب أن يلتفوا حوله، ويجعل المحتلين والمتخاذلين معاً يحسبون له ألف حساب. تعرف الجماهير الفلسطينية الشمعة القيادة والرأي والقرار والكلمة وليس غريباً أن يحظى برضا الرأي العام ألإخواني في كافة محطات التحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الساحة الفلسطينية التي تضج بالتغيير, وأن تتابع رأيه قواعد حماس إذا همس بكلمة أو أومأ بإشارة لأنه صاحب الرأي الحصيف والقرار النافذ والكلمة المسموعة.

رحم الله الشمعة التي انصهرت لتضيء ملامح طريق المجد الذي تتضح معالمه يوماً بعد يوم

وإنا لله وإنا إليه راجعون

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت