مسامير وأزاهير 292 ... العزل الشعبي يا مصر آخر الكيّ!!!.

بقلم: سماك العبوشي


هل عادت ثورة 25 يناير إلى مربعها الأول بعد صدور قرارات المحكمة الدستورية التي فـُسرت من قبل جهات داخلية وخارجية على أنها انقلاب ناعم من قبل المجلس العسكري على الثورة ومكتسباتها لتعيدها إلى المربع الأول!!؟.
الدلائل والمؤشرات للأسف الشديد كلها تشير لذلك!!.
ولذا فإنني ملزم على أن أقول لشباب ثورة 25 يناير العظيمة...
لله دَرُّكـُم، فلقد كنتم ورب الكعبة أكثر وعياً وإدراكاً من كل قادة الأحزاب والتيارات السياسية المصرية لحقيقة ما يجري في مصر بعد خلع مبارك واستلام المجلس العسكري مقاليد إدارة البلاد، فلقد تظاهرتم وناديتم ولأشهر طويلة برحيل المجلس العسكري وتسليمه لسلطة مدنية مختارة، وها هي تخوفاتكم وصواب وجهة نظركم تبرز للعيان:
1- فساحة مساعدي وزير الداخلية الأسبق قد بُرئت تماماً من جريمة قتل شهداء الثورة!!.
2- وها هي المحكمة الدستورية العليا المصرية تصدر قرارين متزامنين، يقضي الأول بعدم دستورية قانون العزل، ليبقي الفريق أحمد شفيق في سباق الإعادة رغم الاتهامات الكثيرة التي طالته!!، وبحل ثلث أعضاء مجلس الشعب المصري، فيتبعه إجهاز المجلس العسكري على كامل أعضاء مجلس الشعب!!، في خطوة فسرت على أنها كانت طبخة على نار هادئة تكون محصلتها النهائية انقلابا ناعما على ثورة شباب مصر وتهيئة الأجواء لبقاء النظام القديم وسطوة العسكر على الحياة في مصر من خلال وجود احمد شفيق!!.

لقد كان الأمر واضحاً جلياً منذ بدء الترشيحات للرئاسة المصرية، فما أن خرجت جماهير شعب مصر رافضة ترشيح اللواء عمر سليمان، فإذا بالفريق أحمد شفيق يبرز فجأة لساحة الصراع الانتخابي ليعلن عن ترشحه، رغم ما كان قد صرّح به في مقابلة سبقت الترشيحات بأشهر بأن لا نية له للدخول في صراع الرئاسة لكبر سنه، ثم استبعد أياماً معدودة ليعود كرة أخرى مرشحاً للرئاسة، وبذا يكون الفريق أحمد شفيق آخر أمل لاستمرار حكم العسكر ولو بالباطن، كما وأنه بالتالي يمثل الشباك الذي من خلاله سيعود نظام مبارك وإن اختلفت الأوجه، ليحل ابن النظام السابق البار محل وجه مبارك ذاته، ولقد أدلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية دلوها فوصفت بأن قرار المحكمة الدستورية العليا المصرية بإحالة مجلس الشعب يمثل إخفاقة ونكسة كبرى لثورة 25 يناير المصرية، كما وأوضحت وعلى لسان نشطاء سياسيين وقانونيين ونيابيين، بأن قرارات المحكمة الدستورية كانت متوقعة بحد كبير، وأنه يعكس استمرارية حكم نظام مبارك!!.
إن اللافت للنظر وغير المفهوم أن يتبع قرار المحكمة الدستورية بإلغاء نتائج ثلث مقاعد البرلمان، وهو قرار لا شائبة فيه على اعتبار أن من شغل المقاعد الفردية هم من الأحزاب ذاتها، أقول بأن اللافت للنظر أن يتبع قرار المحكمة الدستورية العليا قرار سريع من المجلس العسكري بحل البرلمان بأكمله وكأن الأمر مبيت ومطبوخ على نار هادئة ومعد سلفا، مما أدخل مصر في نفق مظلم له تداعياته ومخاطره، كما وهز ذاك القرار مصداقية المجلس العسكري أمام ثوار مصر وزرع الشك في نوايا المجلس العسكري، وذاك لعمري ما أوضحه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، حين وصف تلك القرارات بالصادمة، كما وأبدى تخوفه لهذه الخطوة المفاجئة التي ربما ستدفع بالبلاد لجولة جديدة من مظاهرات حاشدة ستعم أرجاء مصر!!.

وبرغم كل ما جرى، أو سيجري لاحقاً من تداعيات، فإن الحفاظ على الثورة المصرية العظيمة ومكتسباتها مازالت قائمة وفرصها عظيمة، هذا كما وأن رد الاعتبار لشهداء ثورة 25 يناير وتخفيف وطأة الأمر على ثكالى وأرامل وأيتام تلك الثورة مازالت في متناول اليد لو أحسن استغلالها بالشكل السليم، وما على القوى والأحزاب الوطنية والحركات الثورية الشبابية المؤمنة جميعا بالثورة وأهدافها إلا أن:
1- تضع أمامها مشاهد الغضب المتفجر في ميدان التحرير وغيرها من ميادين الثورة إبان الثورة الجماهيرية الهادفة لخلع مبارك وإقصاء أركان ورموز نظامه الفاسد، وأن تسترجع على الدوام دماء الشهداء الأبرار الذين تساقطوا في تلك الميادين الثورية من أجل تحقيق ذلك الحلم الجميل، وأنين الثكالى وبكاء الأيتام وصراخ الأرامل!!.
2- تتناسى كافة الخلافات والرؤى المتقاطعة، وأن تضع الفصائلية الحزبية المقيتة وروح الاستئثار بغنيمة السلطة جانباً حتى الانتهاء من معركة الرئاسة المصرية ودحر مرشح العسكر والنظام السابق، وأن تكتفي بما قدم لها من ضمانات قدمت لها من مرشح الرئاسة الدكتور محمد مرسي باعتباره الخيار الوحيد المتبقي أمام الثورة المباركة!!.
3- تحشد طاقاتها وتدفع بأبناء مصر لتحقيق "عزل جماهيري ديمقراطي" من خلال صناديق الانتخابات لإقصاء الفريق أحمد شفيق أولاً، ولتحمي مكتسبات الثورة ثانياً، ولتقضي على آخر أمل للنظام القديم بالعودة لإدارة دفة البلاد ثالثاً!!.

ختاماً ... أقول لشباب مصر الناهض، لثوارها، تذكروا كلمات قصيدة "مكملين" للشاعر المصري الرائع هشام الجخ، تلك التي يتحدث بها عن قهر المصري إبان النظام القمعي الفاسد، وهو يرسم صورة شعرية جميلة عن أسباب ثورة 25 يناير العظيمة، حيث يقول في مطلع أبياتها تلك وأقتبس:
"للي مش فاهمين نزولنا ليه ... للي معاشوش ظلمنا ولا قهرنا وحسوش نزولنا
للي مداقوش مُرّ جوعنا ... اللي ما ناموش في الشوارع كالدبايح
كملوا بالليل عشاهم بالصفايح
للي مش فاهمين مهانة الرجال ... قهر الرجال ...للي بيقولوا عنا حبة عيال ... إحنا مش حبة عيال"...
ثم يقول وأقتبس:
"للي مش فاهمين نزولنا بالشوارع ... احنا بندور على الحلم اللي ضايع
احنا شايلين حملنا ومكملين ... احنا بنأسس بلد تسمع شكاوي مظلومين
نشتغل نلقى عرقنا لينا ... مش في جيب النصابين
احنا حنكمل ونزق البيبان ... يارب انت المستعان
بس احنا بردوا مكملين"...

فيا شباب مصر الناهض، يا من ثرتم على الطغاة والجلاوزة، يا من صبرتم طويلاً، وكابدتم طويلاً، أكملوا بالله عليكم المشوار، واحموا ثورتكم من زبد سيذهب جـُفاءً بعزيمتكم، واقطعوا دابر من يريد وأد أحلاكم، وليكن صوتكم في صناديق الانتخابات "عزلاً شعبيا جماهيريا" بحق من أراد سرقة الثورة، وإجهاض ثورتكم النبيلة، وتدنيس دماء الشهداء.
يقول الله في محكم آياته:
"فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ"... سورة الرعد.
"سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" ... (الرعد:24).
والله أكبر.
وتحيا مصر العروبة.

سماك العبوشي
15 حزيران / يونيو / 2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت