المفاوضات والعودة إلى المجرب!

بقلم: ماجد الشيخ


في كل مرة تٌثار فيها مسألة المفاوضات، يجري استبعاد قضية القدس واللاجئين، وكأن قضايا المفاوضات الأخرى؛ يمكن تجاوز عقبات الاتفاق في شأنها بسهولة، وربما باستخفاف مبالغ فيه، وحتى في إزاء الحديث عن الحدود، كذلك فإنه يجري باستخفاف بالغ، وذلك من قبيل ما جرى التحدث في شأنه على الأقل في الجانب الإسرائيلي منذ خطاب نتانياهو في جامعة بار إيلان وفي الكونغرس الأميركي، وإعلانه القبول بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، لتتضح الأمور في ما بعد أن نتانياهو لم يكن يعني ما يقول؛ انسجاما وتطابقا مع ما تقوله السلطة الفلسطينية. وها هو الجنرال شاؤول موفاز شريك نتانياهو في ائتلافه الحكومي الجديد، يسعى من جانبه للبحث عن قناة فلسطينية لاستئناف المفاوضات، وذلك من خلال سعي حزبه (كاديما) لتبني حدود عام 1967 أساسا للمفاوضات مع الفلسطينيين مع إهمال ملفي القدس واللاجئين.

وفي هذا الاتجاه، نُقل عن مقربين من موفاز، أنه طلب من مبعوث اللجنة الرباعية (توني بلير) ان يتولى مهمة ترتيب اللقاء مع الطرف الفلسطيني، ومع الرئيس عباس تحديدا، في حين لم يتضح إذا ما كان عباس قد وافق على اللقاء قريبا، او انه سيؤجله الى ما بعد تشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطينية التي يجري حوارا بين "فتح" و"حماس"، لتشكيلها في اطار سعيهما لانهاء الانقسام الداخلي المتواصل منذ منتصف عام 2007 . وفي حين يحاول المسؤولون الفلسطينيون تجنب النفي القطعي لامكانية عقد لقاء قريب بين عباس وموفاز، يسعى الاخير لتشجيع الجانب الفلسطيني على اللقاء من خلال تبني حزب كاديما الذي يقوده برنامجا سياسيا جديدا، يقوم على مبدأ تبني حدود عام 1967 اساسا للتفاوض مع الجانب الفلسطيني؛ مع التأكيد على امكانية تبادل الأراضي بنسبة 1 إلى 1 لتسوية اوضاع المستوطنات المنتشرة بالضفة الغربية، وذلك مع اهمال ملف القدس وامكانية الانسحاب الاسرائيلي منها، إضافة لاهمال ملف اللاجئين وحقهم بالعودة لديارهم التي شردوا منها سواء عام 1948 او عام 1967.

يتسق هذا مع أنباء عن جهود أمريكية تُبذل في هذه الأوقات بهدف إطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تكون محكومة بسقف محدد، في خطوة الهدف منها منع مخطط وضعته القيادة الفلسطينية للتوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على صفة "دولة غير عضو". وتتجلى هذه الجهود مع أنباء تحدثت عن نية الإدارة الأميركية إرسال مبعوثها لعملية السلام ديفيد هيل إلى المنطقة خلال أيام، حيث سيضع القيادة الفلسطينية في صورة المخطط الذي وضعته بلاده لتحريك عملية السلام، وإطلاقها من جديد.
وفي لحظة حرجة أبرزها الفترة الحساسة التي تسبق انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لن تختلف الجهود الأميركية عن سابقاتها، وهي التي راهنت على قبول إسرائيل التوقف عن بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية، من دون الإعلان رسميا عن ذلك، ومضي الحكومة الإسرائيلية في جهود تفضي إلى الإقرار بمبدأ "حل الدولتين"، وتقديم "بوادر حسن نية"، كالخطوة التي تمثلت في تسليم جثامين شهداء من مقبرة الأرقام في إسرائيل، إضافة لإطلاق سراح أسرى وتقديم بعض التسهيلات في مناطق الضفة، على أن يشرع فريقا المفاوضات عقبها بعقد لقاءات محدودة بسقف زمني للاتفاق لوضع حلول لملفي الأمن والحدود، بإشراف أمريكي.
لكن الهاجس الأساس لفكرة العودة إلى "مجرب" المفاوضات بالنسبة للإدارة الأميركية، وبالوكالة عن حكومة الائتلاف الإسرائيلية، الهدف منه محاولة إلغاء فكرة التوجه مجدداً إلى الأمم المتحدة، وتحديداً إلى الجمعية العامة. لا سيما في أعقاب تصريحات للرئيس عباس كان أعلنها خلال مؤتمر صحافي عقده مع الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند، أعلن فيها أنه سيتوجه إلى الجمعية العامة، بعد أن لم يستطع الفلسطينيون الحصول على الأصوات اللازمة في مجلس الأمن، لتمرير التصويت على طلب الحصول على عضوية كاملة، الذي قدمه في ايلول (سبتمبر) الماضي. وقال بصريح العبارة أنه "إذا لم تنجح كل المساعي للعودة للمفاوضات، فبالتأكيد سنذهب للجمعية العامة، لنحصل على ما يطلق عليه اسم دولة غير عضو، رغم إننا سنصادف عقبات كثيرة من أطراف مختلفة"..
ويحتاج الفلسطينيون لتمرير قرار الحصول على صفة "دولة غير عضو" في الأمم المتحدة، إلى تصويت نصف أعضاء الجمعية العامة زائد واحد، وهو أمر يستطيعون توفيره ببساطة، خاصة وأن الجمعية العامة لا تعطي حق النقض "الفيتو" للأعضاء دائمي العضوية، كما هو الحال في مجلس الأمن، وهو أمر سيمنع الولايات المتحدة من استخدامه لإفشال التوجه الفلسطيني العتيد.
في هذه الأجواء المشحونة، تخوض حكومة ائتلاف نتانياهو – موفاز – باراك اليمينية معركة داخلية على الاستيطان مع قوى اليمين الديني والقومي الأكثر تطرفا، في توجه واضح لاستباق أي مفاوضات ممكنة أو محتملة في الفترة القريبة المقبلة، حيث أكد أحد كبار قادة الاستيطان في الضفة الغربية، (يعقوب كاتس)، بأن نتنياهو، ووزير حربه إيهود باراك، يسعيان لتنفيذ خطة فصل جديدة على نمط خطة الفصل التي قادها أرئيل شارون للانسحاب من قطاع غزة سنة 2005، وأن الخطة الجديدة ترمي إلى إخلاء 70 ألف مستوطن من الضفة الغربية. وقال كاتس، وهو زعيم حزب «الاتحاد القومي» اليميني المعارض، في رسائل هاتفية عممها على مئات المستوطنين، إن «قرار نتنياهو إخلاء حي (أولبانا) في مستوطنة بيت إيل وإصراره على إسقاط مشروع قانون يمنح الشرعية لهذا الحي، والأوامر التي أصدرها باراك لإخلاء الحي المذكور بالقوة مع نهاية يونيو (حزيران) الجاري، مهما يكلف ذلك من ثمن، هي إشارات لخطة الفصل الجديدة، وأنها ستكون أول اختبار تجريه حكومة "الوحدة الوطنية" مع حزب (كاديما) لفحص قدراتها على تطبيق هذه الخطة".

وبالفعل، فإن ردود الفعل في إسرائيل على حسم قرار نتنياهو بإخلاء الحي المذكور، ركزت في غالبيتها على الثمن الذي يدفعه نتنياهو للمستوطنين مقابل إخلاء حي «أولبانا». فبالإضافة إلى تعهد رئيس الوزراء ببناء 851 وحدة سكنية استيطانية بينها 300 وحدة فقط في مستوطنة "بيت إيل" المقامة على أراضي محافظة رام الله، وحدها، كشفت صحيفة "هآرتس"، أن نتنياهو تجاوب مع أهم مطالب المستوطنين وسحب صلاحيات وزير الدفاع لإقرار البناء في المناطق المحتلة، وتحويل هذه الصلاحيات إلى لجنة وزارية برئاسة نتنياهو نفسه. وأكدت الصحيفة أنه في حال تنفيذ وعود نتنياهو هذه، فإن "المستوطنين ومؤيديهم السياسيين سيحققون أهدافهم حتى من دون تشريع زائد، وسلب الأراضي سيستمر، والمستوطنات ستتسع، وحل الدولتين سيحبط".

وفي المقابل ستبقى المفاوضات تراوح مراوحتها القاتلة لأي حل من قبيل "حل الدولتين" الذي مات وشبع موتا، ولن يكون في مقدور أي تسوية ممكنة أو محتملة احياؤه من جديد، فالوقائع الاستيطانية ونوايا حكومة المستوطنين تشكل اليوم، وكما بالأمس، وفي الغد؛ الوتد الذي جرى زرعه لكي لا ليقلع، كما فعل شارون في غزة، وما يفعله أرباب الحكومة الآن، لا يتعدى التسويف والمماطلة، أملا في الإبقاء على راحة وأمان المستوطنين مع الإبقاء على كتل المستوطنات الكبرى، ولو جرى اقتلاع بضع مستوطنات عشوائية هنا أو هناك.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت