نسيجنا الإجتماعي

بقلم: د.محمد المدهون


إن الاحتلال عبر سنوات طويلة من قمعه وطغيانه وعدوانه لم يفت في عضدالمجتمع الفلسطيني. ولكن اليوم نسيجنا الإجتماعي مهدد والآثار الاجتماعية السلبية آخذة بالإزدياد هذا ما يُجمع عليه عدد كبير من أبناء شعبنا، ويؤثر ذلك على بنية المجتمع ومؤسساته وقواه، مع تغير أنماط العلاقات الأسرية والعشائرية، وخاصةً مع الميل لعدم احترام العلاقة مع أبناء المجتمع ووجود بعض الجرائم المجتمعية الصعبة، وإضعاف دور المؤسسات الاجتماعية والخدمية، وظهور مؤشرات لتفكك النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وتغليب نمط العلاقات تقوم على أساس العصبية العائلية والسياسية. كل ذلك يكاد يعصف بمجتمعنا إلى حافة الهاوية ويؤديإلى إنهيار دعائم مكوناته وخلخلة ركائز نسيجه الذي عمد بدماء الشهداء وأنات الجرحىومعاناة الأسرى.

أسباب عديدةفي مقدمتها الظلم وغياب العدل وتهميش العقل والمنطق فضلاً عما يترتب على ذلكمن فساد الخلق والضمير، انتشار الظلم والاضطهاد والعنف للحصول على المنافع والمكاسب الأنانية عن طريق التزلف لأصحاب السلطة والجاه, ونشر ثقافة أن التصادم حتميًا بسبب جذور التباين، وتحويلمفهوم الحق بالاختلاف إلى إيديولوجية الاختلاف, كل ذلك يؤدي إلى انحسار القيم و المفاهيم الاجتماعية التي تتحول إلىممارسات تقليدية منتشرة، وتبدأ بذلك أزمة ثقافة وفكر يهدد نسيج المجتمع.

أن إخفاقاتالتنمية والتفاوت في مستويات المعيشة والبطالة وتدني مستويات الحياة و العيشالكريم، كما أن فقدان الحوار بينالفئات يتحول إلى اضطهاد القوي فيها للضعيف وتسلطه عليه،وبالتالي يقود ذلك لمزيد من الفساد والعنف والجريمة والتفكك الاجتماعيوالسياسي، من هنا لا بد من العدل الاجتماعي الذي يعطي الأفكار جميعاً فرص الحياة والسماع، ليتخلى الناس عن الأفكار الخاطئة طوعاً وكرها ومن هنا فإن جوهر الأزمة ينبع من استهلاك الطاقات الداخلية نفسها واستنزاف تماسكها، وبالتالي يفضي إلى الصدام الذي يؤديبمختلف الاتجاهات المتناحرة لتفكيك لحمة المجتمع ، وتهديم أسسه القائمة على التكافلوالتعاون والعيش المشترك .

كما أن الإحتلال وعدوانه المستمر مع تنكره للحقوق الفلسطينية علاوة على تخلي السلطة الفلسطينية عن مسئوليتها، بموازاة غياب القيادةالقادرة على إصدار قرار سياسي لمواجهة ظواهر تهدد النسيج الإجتماعي، مع غياب رقابةالمجلس التشريعي ومؤسسات المجتمع الأهلي ودورها الإجتماعي, مع دور سلبي للفصائل الفلسطينية يٌعظم الإنتماء الفصائيلي على حساب الإنتماء الوطني, علاوة على وسائل الإعلام والمعرفة والثقافة والتربية التي لاتؤدي دورها في توحيد النسيج الوطني من الأسباب التي تؤدي إلى تفسخ النسيج الإجتماعي. مع العلم أن أخطر ما قد ينتج عن ضعف النسيج الاجتماعي والحذر من تآكل حالة السلم الأهليالفلسطيني.

الإسلام له دور مركزي في بناء المجتمعات والذي يعلمنا أن من يغرس شجرةالحلم يجنى ثمرة السلم، مع ضرورة نشر ثقافة السلم بعيداً عن الشتم والانتقام،مع العلم أن العنف في المجتمع اليوم سواء أكان على المستوى السلوكي أم علىمستوى المجتمع له أسبابه وهي انعدام المعرفة الشاملة لأحكام الدين ومقاصد الشريعة،والاعتداد بالنفس وعدم التواضع وعدم الاستماع إلى رأي الآخرين، والاشتغال بالأمورالجانبية عن القضايا الرئيسة واختيار التشدد علاوة على التيسير .

وعلاج ذلك يتطلب جهداً مستحقاً دون أن نحاول تجسيد خطيئة الواقع في إطارانفرادي فكل فئات الشعبآن لها الأوان أن تتحمل المسؤولية مع ضرورة عدم المغالاة في الهلع حتى لا تُضيع على الأجيال القادمة قدرة التفكير، ولكن فلنحاول ما أمكن لتضيق هامش الخسارة، مؤكدين في الوقت ذاته على الفهم الواعيلطبيعة الإسلام الحنيف، وعدم التعصب للآراء الفرعية الظنية، وأن تتظافر كلالجهود والمؤسسات لتعميق ثقافة الحب والسلم الإجتماعي .

إن الحث للذهنية الفلسطينية الواعيةكي تتعامل مع القدرة الفكرية الهائلة التي وراء الخنق لكي تفلت من الخنق، وعلىالعقول أن تتحرك لأن هناك ترويضاً ذهنياً مروعاً لقبول ثقافة تهدد النسيج الإجتماعي، وإذا كانت ثمةبطولات، فهي في استعادة ما فقد دون أن نفقد ما تبقى.

وإلى الملتقى،

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت