كل السنوات الخمس الماصية أخذت كل الجهد والعقل الفلسطيني الى مربع واحد ووحيد وهو " تحقيق المصالحة بين فريقي الانقسام " وأصبح كل جهد أو تحرك يجري على الساحة الداخلية الفلسطينية مهما كان حجمه أو نوعه لابد أن يكون له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمصالحة الفلسطينية حتى محاولات البعض لتشكيل تكتلات فلسطينية أو تجمعات فكرية تجدها مرتبطة ارتباطا وثيقا بموضوع المصالحة وكذلك أفراحنا وأتراحنا وعلاقاتنا الاجتماعية أصبحت مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بقضية المصالحة وحتى التخطيط للمستقبل الفلسطيني والحديث عما يجب فعله للخروج من هذا الواقع المؤلم مرتبط بالمصالحة وكذلك الواقع السياسي العام بلا نقاش فهو مرتبط كليا بتحقيق المصالحة .
ونحن هنا بالتأكيد لا نقلل من الأهمية الكبيرة في تحقيق المصالحة لكل ما تم ذكره ولكن أن يبقى المجموع الفلسطيني كله أسيرا لتحقيق المصالحة ولا يمكنه التحرك بأي فعالية دون التدخل بموضوع المصالحة فهذا خلل واضح يجب أن تستدركه فئة ما من فئات المجتمع ويجب أن تتحرر من هذه العقدة المسماة " المصالحة " ، ولعل الفئة المرشحة الوحيدة المناط بها هذا الدور وبدون منازع هي فئة " المثقفين " هذه الشريحة التي يجب أن لا يستهان بدورها في أي مجتمع هي القادرة على توجيه بوصلة الاهتمام المجتمعي من مكان الى مكان آخر وهي القادرة على ترتيب الأولويات الفلسطينية الداخلية وتركيز الاهتمام على القضايا الأكثر أهمية للشعب الفلسطيني وهي كذلك القادرة على وضع الأفكار والسيناريوهات المتوقعة لكل حدث وكذلك المساهمة بإيجاد الحلول لكل مشكلة ووضع عصارة فكرهم وثقافتهم ورؤيتهم أمام أصحاب القرار مباشرة وبدون وسطاء أو حواجز لأن العقل ليس ملكا في التفكير لأحد فهو يفكر ويبدع دون استئذان حتى من صاحبه أحيانا .
ولذلك يجب أن يقفز المثقف والمراقب الفلسطيني المهموم بالشأن العام أحيانا عن مربع واحد جاثم فوق صدورنا وأصاب تفكيرنا بالشلل التام وجعلنا لا نرى الأمور على حقيقتها وهو مربع " المصالحة " ، ويبقى السؤال الافتراضي إن لم تتم المصالحة على خير كما يتمنى كل صاحب ضمير فلسطيني وحصل الوفاق الفلسطيني على كافة القضايا هل حينها سينتهي دور المثقف الفلسطيني ؟ وفي حالة لم تتحقق المصالحة على أرض الواقع لأسباب لا تخفى على الكثيرين هل ستستمر حالة الشلل العقلي الذي أصاب الكثير من المثقفين والمراقبين وأصحاب الفكر من التقدم لفعل شيء يخدم القضية والإنسان الفلسطيني ؟ هل أصبحنا أسرى الفصيلين المنقسمين الى هذه الدرجة ؟ ومتى سيبقى بعضنا متمسمرا في مربع التشخيص وشرح الواقع والحالة الفلسطينية وتقديم النصائح للفريقين دونما امتلاك شجاعة تسمية الأمور بأسمائها ومواجهة الطرف المعطل للمصالحة والحديث المباشر عن كل التفصيلات المرافقة للمصالحة وكذلك متابعة كافة التصريحات الصادرة عن كل طرف من طرفي الانقسام والرد عليه بشكل فكري ثقافي واضح وصريح ؟ إذا لم يكن هذا هو دور المثقف الفلسطيني فمن سيقوم بهذا الدور ؟ .
خلال لقاء مفتوح ضم نخبة من المثقفين في قطاع غزة تم تداول بعض من أطراف هذه القضية حيث اعترف الكثير منهم أنهم تنازلوا عن دورهم الحقيقي بمحض إرادتهم دون أن يبذلوا الجهد الكافي للدفاع عن دورهم المسلوب ، وأقر طرف آخر بانغماس الكثير منهم في هموم المصالحة حتى أنه لم يعد يعطي نفسه فرصة للتفكير بعيدا عنها واتهم البعض الآخر كافة الفصائل بعدم إيلاء المثقفين أي أهمية ، ومن هنا افتقد الجميع لمؤسسة ثقافية فكرية تحظى بثقة غالبية المثقفين والمفكرين وتحتضن أفكارهم وكتاباتهم وإبداعاتهم والعمل على الاستفادة منها ، واعترف الجميع أن من واجب المثقفين الفلسطينيين الاهتمام بشكل أكثر تركيزا بالقضايا العالقة المختلف حولها والتي تقف عائقا أمام تحقيق الانجازات الفلسطينية وإيجاد الحلول والسيناريوهات المبدعة ووضعها أمام صاحب القرار السياسي .
وبكل الأحوال يجب على أصحاب الفكر والثقافة عدم حصر أنفسهم في مربع واحد وعدم الاكتفاء بتوجيه الاتهامات وتحميل المسئوليات بشكل عام ولكن عليهم أخذ زمام المبادرة لطرح مبادرات عملية مركزة وتوجيه الرسائل بشكل مباشر لكل من يتسبب في تأخير تحقيق أي إنجاز فلسطيني على أرض الواقع سواء على المستوى السياسي أو الخدماتي أو الاقتصادي والاجتماعي وغيرها ، فهل هذا الحديث بداية جديدة لاسترداد دور المثقف والمفكر الفلسطيني ؟ سواء تحققت المصالحه ام لم تتحقق؟ وهل يمكن لهم ان يرسموا ملامح مرحلة مابعد المصالحه؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت