مقال / لـروحك جهــاد العمارين تحيــة

بقلم: رمزي صادق شاهين


قابلت الشهيد جهاد العمارين في أواخر التسعينات ، لكنني لم أعرفه عن قُرب ، لكنني رأيت فيه شخصاً مختلفاً نوعاً ما ، ففي تلك السنوات كان الصراع يشتد من قيادات فتح وكوادرها ، وكان اللهاث وراء المناصب والمواقع على أشده ، كوادر محسوبة على فتح وغير محسوبة عليها بدأت مشاريع الحصاد ، باعت الشرفاء ... باعت الشهداء والجرحى والأسرى ... باعوا المواقف لأسيادهم أصحاب القرار من أجل رتبة هنا أو قرار بمدير عام هناك .

أعتقد جازماً أن جهاد العمارين كان مختلفاً عن الآخرين ، فلو أراد أن يبحث عن الدنيا وملذاتها لتغيرت الأمور ولأصبح اليوم موجوداً بيننا يقطن في فيلا أو شقة فاخرة ، ويركب سيارة ( كايا ) حديثة ويتلقي راتبه ويبيع المواقف حسب رغبات أسياد القرار في السلطة أو بحركة فتح .

بدأ جهاد العمارين مبكراً في مشواره النضالي .. تغرب وعاد إلى الوطن بقصة شهيرة عرفناها واقعاً ملموساً ، عندما رفضت إسرائيل عودته إلى غزة ، فصحبه معه الشهيد القائد أبو عمار بسيارته وأعاده إلى غزة عبر معبر رفح البري ، أشهر قليلة بعد العودة قرر جهاد العمارين نبذ الفساد ، فتصادم مع أصحاب القرار والفاسدين من قادة أجهزة أمنية معروفين ، فتعرض للقسوة من قيادة السلطة لأنهم كانوا يدركون بأن الخوض في هذا الملف سوف يفتح عليهم نار جهنم .

لم تكن مجموعة الضباط الأحرار التي شكلها مجموعة الشرفاء ومعهم جهاد العمارين مُجرد صدفة ، بل جاءت كرد طبيعي من كوادر مؤمنة بطريق النضال الطاهر والبناء الصحيح ، إلا أن مجموعات المصالح وقوى الضغط كانت أقوى منهم وأحبطت محاولاتهم الإصلاحية في مهدها ، وظل جهاد مؤمن بأن طريق السلطة ليس هو الخيار الأول والأخير وأن اندلاع انتفاضة الأقصى جاء كنتيجة طبيعية للتغيير على أرض فلسطين التي لن تحتضن غير الشعب الفلسطيني .

بدأ مشوار النضال يشتعل من جديد من خلال مجموعات كتائب شهداء الأقصى التي شكلها جهاد العمارين ، وبرغم محاولات البعض سرقة جهد وعرق هذا القائد ، إلا أن النواة الصلبة التي وضعها جاءت بنتيجة مهمة وهي وجود جيل آمن بربه واستطاع أن يقول لا لكُل محاولات تغيير الواقع النضالي من المواجهة الحتمية مع إسرائيل إلى مجرد مكاتب ووزارات ومواقع زائلة .

كان لجهاد العمارين موعد مع القدر ، فطالته يد الغدر والخيانة ، استطاعت إسرائيل أن تصل إليه وتغتاله لأنها مُدركة بأن أمثال جهاد العمارين لا يمكن أن يكونوا شركاء في تصفية القضية الفلسطينية أو تغيير مسار حياة شعب أراد أن يتحرر من الاحتلال بشرط ألا يتنازل عن كرامته أو ثوابته أو حقوقه ، وبالتالي فإن أمثال العمارين ليس لهم مكان على الخارطة .

رحل جهاد العمارين ، وظلت حركة فتح تراوح مكانها ، فبرغم محاولات البعض تكريم هذا الرجل في ذكرى رحيله ، لكن هناك مؤامرة على دفن تاريخ الشرفاء في هذا الوطن ، من خلال عدم إقامة المهرجانات التي تُحيي ذكراهم وتُكرم عائلاتهم ، ومن خلال وضع البرامج الكفيلة ببحث احتياجات عائلاتهم وأسرهم وتأمين مستقبل أبناءهم .

نم يا أبا رمزي قرير العين ، فقد تركت خلفك رسالة لا يمكن أن يمحوها الزمن ، مفادها أن العين بالعين والسن بالسن ، وأن إسرائيل كيان لا يفهم إلا لغة القوة والندية ، وأن كُل المواقع والرتب والوزارات هي مجرد وسيلة وليست غاية ، وأم الفاسدين سوف يلاحقهم التاريخ مهما بعدوا عن أرض فلسطين ، فموعدنا قريب إن شاء الله مع فجر الحرية والاستقلال .
&&&&&&&&&&
إعلامي وكاتب صحفي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت