وأخيرا وبعد طول انتظار تم الإعلان رسميا عن تولي الرئيس الجديد للجمهورية المصرية الثانية وهو الدكتور محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة – الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين - ، وبهذا الإعلان تكون جماعة الإخوان المسلمين قد حققت نجاحها بشكل مباشر لأول مرة في الوصول الى سدة الحكم لأكبر دولة عربية وأهم دولة في منطقة الشرق الأوسط سياسيا ولم يكن هذا الفوز شعبيا فقط بل كان مرافقا لمشاورات وتفاهمات مسبقة مع أقطاب المجتمع الدولي مما أزال أي نوع من أنواع التشكيك أو الريبة في مستقبل العلاقات الدولية وهذا انعكس بشكل مباشر على حجم الارتياح الدولي بعد إعلان فوز الدكتور مرسي وانهالت المباركات والتهاني من أقطاب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي الأساسية ولعل هذا أهم متغير جدي ورسمي في العلاقة الجديدة بين حركات الإسلام السياسي – وعلى رأسها كبرى هذه الحركات جماعة الإخوان المسلمين – مما يدلل على بدء صفحة جديدة مكملة للصفحة التركية وستكون بالتأكيد أكثر أهمية كونها في قلب الصراع الشرق أوسطي وعلى تماس مباشر مع أعقد قضية دولية وهي الصراع العربي الفلسطيني والإسرائيلي ، وهذا سيجعل من مهمة الرئيس الجديد أكثر سهولة كونه سيبدأ مشواره الرئاسي على أرضية مريحة من التوافق الدولي حوله وليس مطلوبا منه إبداء أي خطوات حسن نوايا كونها لم تعد مطلوبة حاليا أو تم الاتفاق عليها في مراحل سابقة .
ولكن مهما كان التوافق الداخلي والخارجي موجودا وواضحا إلا أن التنفيذ العملي لكل ما تم الوعد به سيصطدم مع الواقع الصعب المعقد ، أمام الرئيس الجديد الكثير من الملفات العالقة المفتوحة في وجهه والمطلوب خلال فترة قصيرة تقديم إجابات عليها ليس نظريا ولكن على أرض الواقع لأنها ستحكم مستقبله السياسي وتحدد قدراته على المناورة وتحقيق ما وعد به خلال حملته الانتخابية ، ومن الواضح أن أقطاب المجتمع الدولي ستمنحه الوقت الكافي للتعاطي مع بعض الملفات المحرجة جدا لطبيعة الرئيس والفكر الذي يحمله ويمثله مثل مستوى العلاقة مع الكيان الإسرائيلي وكيفية التعامل المباشر في تطبيق وتنفيذ الاتفاقات والتفاهمات المتشعبة بين مصر والكيان الإسرائيلي وبالتالي لا أعتقد أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي لن يستعجل الطلب للقاء الرئيس الجديد لتقديم التهنئة البروتوكولية الطبيعية لدولتين جارتين تحكمهما اتفاقيات سلام وعلاقات أمنية واسعة ومصالح مشتركة لأن مثل هذا الطلب سيكون محرجا جدا للرئيس الجديد فهو إن رفض مبدأ اللقاء يكون وضع نفسه في صدام مباشر مع أطراف أساسية من المجتمع الدولي وهو في هذه الحالة لا يملك تلك الحرية التي يملكها نظيره التركي وليس مسموحا للمقارنة في هذا الجانب بين الطرفين لأن الجغرافيا والتاريخ يلعبان دورا مهما في الموقف السياسية ، وإن قبل الرئيس الجديد اللقاء سيكون قد وضع نفسه وبرنامجه وجماعته التي أوصلته الى الرئاسة في موقف لا يحسدون عليه لأن المرحلة ليست ناضجة لرؤية الرئيس محمد مرسي يصافح نتنياهو بهذه السرعة القياسية ، ومن هنا سيكون هناك مرحلة إعداد وتهيئة قد تأخذ بعض الوقت خاصة وأن نتنياهو رحب بنتائج الديمقراطية المصرية ووعد بالتعامل الإيجابي معها وهذا تصريح في منتهى الذكاء يحمل بداخله ما توقعناه سابقا وكذلك أعطى تعليماته لوزرائه بعدم إطلاق تصريحات سلبية حول نتائج الانتخابات المصرية وهذا نوع من الغزل الخفي ، وهذا الملف الأكثر إحراجا للرئيس الجديد .
أما الملف الثاني فهو التعاطي مع المصالحة الفلسطينية واستكمال ملفاتها وهذا الملف سيكون الإنجاز الأول للرئيس خاصة وأن جهاز المخابرات المصرية قد أتم بنجاح كافة الأوراق ويقي التنفيذ ولعل الرئيس سيتعامل بذكاء متوقعا بإثبات حياديته وجديته وقد يكون في بعض البنود أقرب الى الرئيس محمود عباس ليثبت هذه الحيادية وإبعاد تهمة انحيازه لحماس بحكم الانتماء التنظيمي وهذا ما تعودناه في العقلية العربية " وبضدها تتميز الأشياء " وأتوقع أن يكون حادا ومباشرا وقاسيا مع حركة حماس لو تعاملت بطريقة لا تناسب وضع الرئيس الجديد ، وتحقيق المصالحة السريعة سيحل عقدة معبر رفح التي ستكون المقياس الشعبي لأهل قطاع غزة .
والملف الثالث الصعب هو الأوضاع الداخلية المصرية سواء الجانب الاقتصادي والأمني ، أمام الرئيس خطوات إصلاحية يجب أن يقوم بها ليشعر المواطن المصري بصحة اختياره وطالما أن المجتمع الدولي والعربي – الخليجي – أعلن دعمه المباشر للرئيس فلاشك أن هذا الدعم والارتياح سينعكس على حجم المساعدات الاقتصادية لمصر ، ولا ينكر أحد أن مصر لديها من الإمكانيات والطاقات والعقول ما يجعلها قادرة ومؤهلة لقيادة نهضة كما أعلن عنها الرئيس محمد مرسي في شعاره الانتخابي ، وكذلك الوضع الأمني يمكن تحقيقه من خلال سرعة إعادة بناء المؤسسة الأمنية الشرطية الداخلية وسيجد كل الدعم والإسناد من المؤسسة العسكرية الحاكمة خاصة بعد التفاهمات التي تمت بينهما في الساعات الأخيرة من إعلان نتائج الانتخابات .
الرئيس محمد مرسي يبدأ خطوات حكمه على أرض صلبة لعلها لم تتوفر لرئيس سابق لديه ذات المواصفات التي يملكها ، ولعل جماعة الإخوان المسلمين بعد حوالي تسعين عاما على التأسيس استفادت كثيرا من تجاربها الصعبة التي مرت بها وأدركت أن الوصول للسلطة له ثمن كبير يجب دفعه بعيدا عن الشعارات الكبيرة والعاطفية ومن هنا كانت خطوتهم الأولى استبدال شعارهم التقليدي القديم " الإسلام هو الحل " الى الشعار الجديد المنطقي والمقبول على الجميع " جئنا نحمل الخير لكل الناس " ، والانتقال من الخطابات الكبيرة العامة الى الخطاب الممكن والمقبول ، وصياغة علاقات الجماعة مع القوى والأحزاب الأخرى على أساس المواطنة والاعتراف بالآخر على قاعدة الاحترام وممارسة الديمقراطية واحترام نتائجها والاعتراف بحقوق كافة أطياف المجتمع المرأة والشباب وأصحاب الآراء والأفكار والمذاهب وأتباع الديانات ، والبعد عن الأحكام المقولية والجاهزة من تكفير وتفسيق وغيرها ، وبمعنى شامل آخر الإعلان رسميا عن نهاية ثقافة كانت حاكمة مسار جماعة الإخوان والانتقال أو التمهيد لممارسة ثقافة أخرى في الحكم والتعاطي مع الواقع بكل تعقيداته وبعيدا عن التطرف في الأحكام وتعقيداتها .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت