المشهد الفلسطيني في ظل الواقع العربي

بقلم: عباس الجمعة


ليس غرييا على الاحتلال الإسرائيلي أن يستعمل كافة أساليب الخداع والتحايل والكذب والمراوغة التي يتبعها في تعامله مع الصراع العربي ـ الإسرائيلي بوجه عام، حيث اثبتت حكومة التطرف والارهاب بالملموس تشريع الممارسات الإسرائيلية والاحتلالية بحق الشعب الفلسطيني،من سن قوانين عنصرية إلى تشريع عمليات القتل وعزل الأسرى وتشديد ظروف اعتقالهم إلى السماح باستخدام التعذيب في أقبية التحقيق وتشريعه، إلى منح الحصانة لكل من يرتكب جريمة بحق الشعب الفلسطيني من جنود ومستوطني الاحتلال وغيرهم.

أعتقد أن هذه المواقف الإسرائيلية الصريحة والواضحة لا تحتاج منا إلى معاجم لكي نفهمها،فهي تقول لنا بكل وضوح بأن أقصى ما نعطيه لكم من أرضكم ووطنكم هو فتات وكانتونات معزولة،سموها كما شئتم إمبراطورية او دولة.

ان ما تقوم به اسرائيل من عدوان غاشم على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة هو بمثابة بروفات ورسم ووضع وبناء خطط وسيناريوهات ،وقياس ردة فعل قوى المقاومة الفلسطينية وما تملكه من امكانيات وقدرات عسكرية،وكذلك وفي نظري هو الاهم،مدى وسقف حالة التضامن التي ستنشأ بين حماس وقوى الاخوان المسلمين في مصر،هل ستبقى في حدود واطار التضامن العاطفي والوجداني؟،أم أن الامور ستتجه الى الفعل والعمل على الأرض،،وكل المؤشرات تدلل بأن الشتاء الاسلامي،لن يكون أكثر من ظاهرة صوتية،بل سيكون مريحاً أكثر لاسرائيل وأمريكا،فاسرائيل اختبرت ذلك عبر الهجمات المتكررة على المقدسات وتصعيد الاستيطان وعمليات التطهير العرقي في القدس،والنتيجة هي هي نفس “الجعجعات “والخطب والشعارات،التي نسمعها من قبل ما يسمى الاسلام السياسي يخطبون ود امريكا واسرائيل عبر التصريحات والمقابلات بأنهم لن يقفوا الى جانب لا سوريا ولا ايران ولا حزب الله،كل ذلك يأتي وفق الخضوع للموقف الأمريكي الذي ابدى اعجابه بهروب الطيار من سوريا ، ووضع ليبيا نحو الاحتراب العشائري والقبلي ومصر وتونس على حافة الهاوية ، وحتى لا تبقى فلسطين هي البوصلة للشعوب العربية .

ان تصعيد العدوان الصهيوني على غزة وسقوط الشهداء والجرحى متزامنا مع حزمة من الاجراءات، التي بدأ العدو بتنفيذها، لاستكمال تحقيق مشروعه التوسعي العدواني القائم على تهويد القدس والاقصى، وتحويل الضفة الغربية الى كانتونات وجزر معزولة، يستحيل معها اقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا، والحكم على الشعب الفلسطيني بالنفي الابدي

لم تعد لغة الاستنكار والشجب والادانة صالحة وقد انتهت صلاحياتها منذ زمن طويل، بسبب الدعم الامريكي اللامحدود للعدو الصهيوني، والذي كان وسيبقى السبب الرئيسي لاستمراره في الاحتلال، واصراره على انتهاك القانون الدولي، ورفضه الاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس ، مما يستوجب العودة الى المربع الاول، بعد ان ثبت ان العدو استغل عملية السلام ابشع استغلال، لفرض الامر الواقع في الضفة الفلسطينية،والسيطرة على مدينة القدس عبر مشروعها للتطهير العرقي ، هذه المفاوضات على مدار عشرين عاما، لم تعطي اي نتيجة سوى مضاعفة عدد المستعمرات وعدد المستوطنين والذي يتجاوز اليوم نصف مليون مستوطن يعيثون في الارض الفلسطينية خرابا وفسادا، وقد نشروا الرعب والموت في كل زاوية وشارع.

وبالنظر إلى هذا الواقع المأزوم والمهزوم وبما أننا الطرف الأضعف في هذه المعادلة نحتاج لان نستظل بظل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالشأن الفلسطيني، والتي تؤكد على حقنا في دولة فلسطينية مستقلة على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، و أيضا عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها، باعتبارها هدف مرحلي للشعب الفلسطيني، وبما يجعل من هذه القرارات أكثر إنصافا من أي قرار سيؤخذ في وقتنا الحالي المهترأ والتي ترجح فيه كفة الولايات المتحدة وإسرائيل، وبما أننا ندرك طبيعة هذا الكيان العنصري وعدم رغبته بتحقيق الاستقرار أصلا في منطقة الشرق الأوسط كونه يعتاش على عدم الاستقرار ، فلنبقى نناضل حتى تنضج ظروف دولية أخرى ربما تكون بصالحنا.

نستنتج من كل ما تقدم ، أن اللهاث وراء المفاوضات دون مرجعية وبدون اي شكل من النضال يقود شعبنا إلى النتائج الكارثية التي يعيشها اليوم، فهناك شرائح ونخب فلسطينية تجد مصالحها الضيقة باسترضاء التحالف الأمريكي-الصهيوني ، عبر المزيد من التنازلات والاستسلام للوعود التخديرية لرؤساء الولايات المتحدة ، التي تراكمت وتشابكت وتكررت بصور ممسوخة دون جدوى في مسار المفاوضات العقيمة ، التي أوصلت معظم أبناء شعبنا إلى حالة اليأس دون ان تحقق اي نتيجة .

إن استعادة هدف الصراع ، في إقامة الدولة الفلسطينية على كامل الأرض الفلسطينية ، فهي ليست عملية ارتجالية ولا ميدانا للمزايدات ، انه تحدي المستقبل الذي يفرض علينا ثورة في الوعي ، وثورة في الالتحام بشعبنا ، والتمسك بكافة أساليب النضال ، حيث ستفرض هذه الأهداف نفسها علينا كتحدي تاريخي ، كي نكون بمستوى التحدي والإدراك العميق لآليات العمل على تطبيق برامجنا الفكرية والسياسية والنضالية وتحريك الطاقات والخبرات من خلال منبع التغيير والثورة ، وإعادة تأسيس رؤيتنا لركائز قضيتا الفلسطينية، وإعادة إنتاجها في الواقع الفلسطيني ، بكل مرتكزاته القومية والوطنية في الداخل والمنافي واستعادة روح القضية من براثن الهبوط والانقسام الفلسطيني الداخلي من خلال البحث عن خياراتنا بشكل جدي ورسم استراتيجية عمل فلسطيني جديدة توقف كل الرهانات على مسيرة بائسة ثبت فشلها ولا داعي لتكرارها، واعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني،وكذلك نقل ملف القضية الفلسطينية برمتها إلى هيئة الأمم المتحدة،وبما يخرج المفاوضات من مرجعيتها الثنائية،وشرط ذلك تحقيق وحدة الشعب الفلسطيني عبر إنهاء بوابة وملف الانقسام المدمر، هذا الانقسام الذي ينتشر كالسرطان في الجسد الفلسطيني وبدون اجتثاثه واقتلاعه فإنه سيدمر كل الجسد الفلسطيني، وسيعطي الفرصة للاحتلال لكي يواصل مشروعه في زرع فلسطين بالاستيطان والمستوطنين، وبالتالي يتبدد مشروعنا الوطني وتضيع حقوقنا وقضيتنا.

وامام كل ذلك يبقى موضوع اللاجئين الفلسطينيين هو أساس القضية الفلسطينية وجوهره. حتى برنامج منظمة التحرير الفلسطينية الذي يعطي الأولوية لحق العودة، لذلك، واهم من يعتقد أن هناك أية حلول لقضية فلسطين ما لم يُضمَن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم التي شردوا منها عام 1948. وهذا هو أساس قضية فلسطين، ويجب على كافة القوى والفصائل التمسك بحق العودة لانه لا يمكن أن تكون الدولة الفلسطينية على حساب حق العودة، والشعب الفلسطيني لن يقبل بهذا، والدولة الفلسطينية ذات السيادة هي خطوة على طريق هدفنا الاستراتيجي بتحرير كل ذرة تراب من أرضنا فلسطين. هذا هو فهمنا في جبهة التحرير الفلسطينية.

ان وحدة الشعب الفلسطيني تمثّل عامل نهوض للشعب في كل مواقعه، وهذا يتطلب تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية على أساس سياسي وتنظيمي واضح وتوحيد طاقات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات التي ستؤدي إلى حالة نهوض كبرى في أوضاعنا كشعب فلسطيني ومواجهة التحديات الجسيمة التي تواجهها القضية الفلسطينية. وخاصة المخططات الصهيونية الخطيرة والمدعومة من أمريكا، والتي تستهدف تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية.

ان التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية مكسباً كفاحياً نضالياً حققه الشعب الفلسطيني بدماء شهدائه، بفعل الكفاح الطويل والمرير حيث انتزعت شرعيتها العربية والدولية كممثل شرعي وحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده، كما استطاعت أن تشكل العنوان الشعبي العام الذي التفت حوله جماهير شعبنا في الوطن والشتات، ولهذا نرى ان الحفاظ على منظمة التحرير وحمايتها وهو الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني .

وامام مستجدات الوضع المصري فإن قطاع غزة، سيشهد انفراجاً على مختلف المستويات، وسيحظى بتسهيلات واسعة، ربما تصل إلى حد، اندفاع القطاع كلياً نحو مصر. في هذا السياق، أيضاً، ووفقاً لترجيحات، الكثير من المراقبين السياسيين، الذين يتوقعون أن تبادر إسرائيل فعلاً، إلى إعادة انتشار جزئية في الضفة الغربية على غرار ما فعلته في قطاع غزة عام 2005، فإن الآفاق مفتوحة، أمام حركة "حماس"، لكي تدشن مرحلة جديدة كلياً في حياة الشعب الفلسطيني. وفي كل الأحوال ليس لنا إلاّ أن ننتظر من الإخوان المسلمين في مصر، المبادرة لتنفيذ السياسات والشعارات والأهداف التي رفعوها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، الذي ينتهك الحقوق العربية والفلسطينية، وإن غداً لناظره قريب.

وانا اكتب اليوم اعلم ان لا احد يسمع فما هو مخطط له لانه بات أكبر من كل الكلام ومن الجمل مهما كان وقعها، ومن يقرأ الصورة التي ترتسم حولنا من خلال التطرف الذي يدمر دول لها دورها وتاريخها من خلال الفوضى الخلاقة التي ارادها الامريكي والاسرائيلي والاستعماري يعي جيدا ان فلسطين اصبحت بعيدة عن بوصلة الجماهير العربية .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت