الشباب قدرات كامنة وطاقات مهدورة وطموحات ميتة سريريا

بقلم: أكرم أبو عمرو


عندما انهي ابني دراسته في الخارج وأصبح طبيبا، كنت أتمنى أن يعود إلى ارض الوطن لمشاركة اقرأنه من الشباب في بناء وطنه وتنمية مجتمعه ، ولكنني وبصراحة نصحته بالبقاء حيث هو، ففي اعتقادي أن الفرصة متاحة له في بلاد تفوق بلادنا من حيث الآفاق المفتوحة وربما الفرص المتاحة لاستكمال دراسته أولا ، والحصول على فرصة عمل في المجال الذي تعلمه ، أقول هذا الكلام لا لشيء إلا لأنني أرى ما وصل به الحال بشبابنا ، خاصة اؤلئك الذين تقذف بهم الجامعات الفلسطينية والجامعات العربية والأجنبية ، إلى سوق العمل الفلسطيني ، هكذا مصطلح اقتصادي مكتوب فقط بين صفحات الكتب والتقارير الدورية التي تعني بالاقتصاد ، أما حقيقة الأمر فلا سوق للعمل ولا ما يحزنون ، فأي سوق للعمل وعجلة الاقتصاد معطلة أو شبه معطلة منذ عدة سنوات ، بفعل الحصار الإسرائيلي على شعبنا ، والحصار الدولي المؤيد لإسرائيل ، والحصار الداخلي نتيجة مناكفاتنا وصراعاتنا وانقساماتنا ، والنتيجة أن آلاف مؤلفه من الشباب من خريجي الجامعات يضاف إليهم آلاف مؤلفة أخرى ممن لم يحالفهم الحظ أو ممن لم تسعفه ظروفه لاستكمال تعليمه العالي ، هؤلاء يشكلون نسبة كبيرة من مجتمعنا تقدرها الإحصاءات بنحو 27% من عدد السكان ، نسبة كبيرة إذا علمنا إن الشباب الذين هم موضوعنا هم الأفراد من فئة العمرية 15 – 25 سنة هذا يعني أن هذه الشريحة تمثل أكثر من ربع عدد السكان، هذا من الناحية الإحصائية وتصنيفاتها ولكن هل فئة الشباب تتوقف عند سن أل 25 سنة بالتأكيد لا فإذا أضفنا إليها الفئة العمرية حتى الثلاثين لازدادت النسبة، وباتت هذه الشريحة تمثل معظم السكان ، وهنا تكمن المشكلة إذا وضعنا في حسباننا أن الظروف الاقتصادية التي يعاني منها شعبنا قد بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة بمعنى إن الأزمة الحالية أزمة الشباب طالت الشباب من سن 15 – 30 سنة .

في ظل هذه المعطيات نجد أنفسنا أمام حالة فسرية من تعطيل إمكانات الشباب وإهدار طاقاتهم ، بل أن طموحاتهم بكل أنواعها وأشكالها نجدها دخلت في حالة موت سريري طالما أن هذه الظروف مستمرة ، شباب من مختلف التخصصات بدءا من الطب والهندسة إلى المحاماة والإدارة والعلوم الإنسانية ، الجميع تحت طائلة هذه الظروف ، وعلى الرغم من ذلك لا توجد أية توجهات أو مخططات لحل أزمة الشباب وتعطيلهم بحجة ضعف الإمكانات ، وانعدام الفرص حتى في الحالات التي تعلن فيها الجهات الرسمية عن حاجتها لتوظيف عدد من الخريجين ، فنجد أن المتقدمين لهذه الوظائف يقدر عددهم بالآلاف ، بينما الذين يحالفهم الحظ بنيل وظيفة يقدرون ببضع عشرات، لان هذا التوظيف يخضع لمعايير الجهة التي تقوم بالتوظيف، فعلى الرغم من الإعلان عن إيقاف وإلغاء العمل بمبدأ السلامة الأمنية ، إلا أن هناك نوع جديد من السلامة يجب أن يجتازها المتقدم لوظيفة، هذه السلامة غالبا لا يعلن عنها ، وهي في رأيي يمكن أن نطلق عليها اسم السلامة الحزبية ، ولذلك فإن من يحظى بوظيفة حكومية سواء في غزة أو في الضفة العربية يعتبر محظوظا ، ويبقى الآلاف يندبون حظوظهم ، ويعاودوا مرة أخرى للبحث عن فرص أي فرص ، حيث يتجهون إلى القطاع الخاص والجمعيات الأهلية ، وغالبا يكون العمل في هذه المؤسسات خاصة في قطاع غزة لفترة قصيرة ولعدد محدود أي أيضا لا يتم استيعاب أعداد كبيرة تتناسب وإعداد الخريجين العاطلين عن العمل، كما أن هذه الوظيفة تكون مربوطة بمشروع ذو مدة قصيرة إذا كان العمل في جمعية أهلية أما إذا كان في مؤسسة تجارية أو مؤسسة خدمات خاصة فاستمرار العمل مرهون بمدى ما تحققه هذه المؤسسة من إرباح وفي كل الأحوال فإن أجرة الشاب العامل لا تتجاوز أل 300 دولار في أحسن الأحوال ، وهو مبلغ في ظل ارتفاع الأسعار يكاد لا يكفي مصروفا شخصيا للشاب العامل فما بالك من محاولة تامين مستقبله من زواج وبيت ومساعدة الأهل الذين أنفقوا الكثير حتى استطاع التخرج من الجامعة ، إذن في المحصلة أن من تتاح له فرصة العمل فلا يعدو أجره أن يكون قطرات من الماء يتلقاها لتستمر حياته فقط .

هذا هو حال الشباب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة ليجد نفسه في سجن كبير ، ضائع تائه مغلوب على أمره .
مع هذه الحالة التي يعاني منها شبابنا اليوم لا بد من محاولة إيجاد الحلول المناسبة لان الحياة تمضي والسنين تمر ، ولا بد من توظيف واستثمار طاقة الشباب فهم ثروة لا تقدر بثمن ، نحن ندرك تماما ما يحيط بنا من ظروف ، ولكننا نجد في ممارساتنا عدم الجدية وعدم الاهتمام ، ففي الوقت الذي تنبري فيه قيادتنا بكل أطيافها متفرغة للمناكفات السياسية والإعلامية بل وفي كثير من أحيان تكرس أوقاتها للعمل من اجل الحزب أو الفصيل ، وتنسى الإنسان الفلسطيني وقيمته ، أن شبابنا اليوم في أمس الحاجة لمن يأخذ بيدهم وهذا أمر منوط بالقيادة السياسية العليا سواء في غزة أو في الضفة الغربية ، ثم قيادات الفصائل ، ومؤسسات المجتمع المدني ، فهناك العديد من الحلول التي إذا ما فكرنا فيها قليلا سوف نجدها معقولة، ويمكن أن تفتح الآفاق أمام الشباب ، مثل تشجيع المشاريع الصغيرة للشباب القائمة على الإقراض المتوسط الأجل ، أو محاولة الاتصال بالدول العربية لإيجاد فرص عمل مؤقتة للشباب الفلسطيني ، فهناك في دول الخليج العربي مئات الآلاف من العمالة الأسيوية التي تعمل هناك في كل الميادين ، آلا نستطيع توفير فرص للعمل لبضعة آلاف من الفلسطينيين أم أنهم ما زالوا حريصين على فلسطين وشعبها فلا يسمح له بالعمل خوفا من ضياع فلسطين .

علينا اللحاق بشبابنا فقد بلغ السيل الزبا عندهم ، ولو تم إجراء استطلاع للرأي عندهم الآن لوجدت الغالبية العظمى تتمنى مغادرة الوطن وربما إلى غير رجعة ، حافظوا على شبابكم فلن تكون لنا قائمة ، ولن تكون لنا دولة أو وطن حر بدون الاعتماد على سواعد أبنائه .


أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
27/6/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت