القدس المحتلة – وكالة قدس نت للأنباء
يجسد متحف وجود الفلسطيني داخل اسواق البلدة القديمة في القدس المحتلة حالة من الالق والفخار للانسان المقدسي القادر على الصمود والعطاء في اثبات الذات والوجود رغم الهجوم الشرس المضاد الذي يستهدف تراث وحضارة الفلسطيني القريبة والبعيدة في هذه الديار.
يدلف وفد من نادي الصحافة المقدسي ومقهى الكتاب الثقافي الى عمارة قديمة بنيت زمن المماليك اي قبل نحو 650 عاما في منطقة باب الخليل قرب حارة النصارى وتلاصق بركة البطرك او حمام البطارقة الروم من الجهة الشمالية والتي كانت على مدار 42 عاما مكبا للقاذورات ، الى ان تم تنظيفها مؤخرا حماية لها من العابثين والغرباء السارقين المتربصين .
وكانت البناية استخدمت في عهد الاتراك كمقصف للجنود العثمانيين ثم لسكن بعض العائلات المقدسية قبل ان ترمم وتحول الى آية في الجمال المعماري ومتحف صغير ولكنه عظيم وكبير بمحتوياته النادرة .
وفي الممر الرئيس المفضي الى الداخل تقودنا نورا قرط المشرفة على المتحف حيث تطالعنا مجموعة نادرة من الصور الفوتوغرافية التي تمثل انماطا من حياة المدينة المقدسة في فترات سابقة تمتد من القرن التاسع عشر حتى اوائل القرن العشرين وتصور معالم المدينة ومناظرها الخلابة والمتغيرات التي حدثت على مر الحقب التاريخية المتعاقبة فيما يتعلق بنواحي حياة المقدسيين من حيث ثروة المصنوعات التي اندثر معظمها من صناعة الخشب والاحذية والتزود بالماء – اساليب السقاية - والفخار والتعامل مع منتوج البرتقال الذي كان يزدحم به باب العامود الى ان جاء الانتداب البريطاني فاستحلت الدبابات والسيارات العسكرية البريطانية منطقة باب العامود .
ثم نشاهد زاوية تجسد مجموعة من المهارات والمهن القديمة من صناعة الصابون والرضاعة الطبيعية وطرق حفظ واستخدام انواع من البقوليات والخضروات كالثوم والبصل والبنادورة والبامية والقطين وغير ذلك . كما نشاهد نماذج لاجران وادوات قديمة لحفظ ودق الكبة وورق الدوالي وليف الاستحمام والصابونة النابلسية وكراسي قعدة القهوة والمزاود وخطافات الدلاء والميزان والمسلك – او المغسلة القديمة وهي متوارثة من عهود الحروب الصليبية والمكانس واجران العسل والخل وطاحونة العجوة المصنوعة من قرمية شجرة الزيتون .
ونتعمق في اروقة المتحف الممتد على مساحة بناية قديمة تفوح برائحة التاريح العريق .. صممت بطريقة فيها من الابهار والجمال الشرقي ما يثير مكامن الوجدان والحنين الى ايام المجد والعنفوان.. فنلمح الاثاث حيث ينتصب جهاز الراديو من العصر القديم الى جانب ما كان يستخدم بمثابة الكومادينو في هذه الايام .. كان يستخدمه اهل القدس وهو مستورد من مصر او الشام .. وتخبرنا قرط عن مشروع الاعشاب الفلسطينية التي تنمو في جبال فلسطين من الزعتر والزعيتمان ورجل الحمام والميرمية والحويرنة والخبيزة وغيرها التي تصنع وتجمع في اكياس نايلون سميكة " مبكتة " في سياق برناج للسيدات لصناعة السلال والفخار والبسط واحياء هذا التراث الغذائي والاثاثي الرائد.. مع توفير فرص عمل كريمة للعاطلين عن العمل ..
صندوق العر وسة..
ونلقي نظرة على زاوية طناجر النحاس والصواني ولوحة باسماء المتبرعين بهذه الموروثات التراثية التي لا تقدر بثمن.. حيث كف اليد باصابعها الخمسة وما ترمز اليه من درء العين الشريرة او الحاسدة.. الى مغارف المربى والسدر الكبير وصندوق العروس وادوات التمباك – الاوتومان- والغليون واطباق القش في الريف ونماذج عديدة لادوات المعيشة المنزلية ومطاحن حجرية والمهباش والزير وجرار الماء والطرابيش وازياء بمجسمات على شكل عرائس رجالية ونسائية بارعة الجمال والهندام . ونرنو الى " الفولية" " والحلابة " من طرق المعيشة الفلسطينية القديمة في القدس .. واقداح وفناجين البورسيلان الصيني الاصلي بوزن خفيف وعمر يتجاوز المئة وخمسين عاما على اقل تقدير.. ورغم مشاكل الرطوبة في البنايات القديمة الا اننا نشاهد مخطوطا لكتاب مقدس منذ عام 1820 م اخذ من كنيسة عربية قرب فندق الملك داود .. حيث نعلم من قرط ان عائلتها المقدسية كانت تملك زهاء 48 دونما استولى عليها الاسرائيليون وحولوها الى ما يعرف بحي الفنانين..؟!
ونندهش من روائع الاثواب الفلسطينية في خزانة الملابس التي تغطي معظم مناطق فلسطين من الجليل الاعلى حتى بيت لحم .. وما تعنيه طبيعة القطّب والمطرزات على هذه الاثواب التي يمتد عمرها الى 150 – 200 سنة . وندقق النظر في اوعية البخور النحاسية ونواسات الاضاءة -لامبات الكاز - القديمة التي كانت تعلق على الجدران .
رموز.. القدس العربية..
ونندهش لمعاني الرموز الجميلة على زجاج ملون برسومات فائقة الجمال ابدعتها يد وخيال رجل مصري قبطي بالاستئناس بافكار من مشرفة المتحف قرط .. حيث تشير رموز اللوحة الزجاجية الى تجذر الوجود العربي وتأصله في القدس من خلال جذور الزيتون التي تضرب عميقا في الارض .. واوراق شجر الصبر وما ترمي اليه من صبر وصمود في مواجهة الشدائد والمحن.. والسماء الزرقاء والتلال الصفراء وحمامة السلام المرفرفة في الاعالي .. كما نشاهد مربعات من البلاط القديم بالوان زاهية وجميلة.. من تصاميم ايام المماليك.. تغطي وسط غرف المتحف المثير..
ونطل على قاعة جميلة خصصت لتنظيم نشاطات ومحاضرات توعية بتراثنا المقدسي والفلسطيني الجميل وتقديم وجبات تراثية من الطعام الفلسطيني اللذيذ .. ونصعد الى السطح.. فتنتصب قبة الصخرة امامنا بشموخ. ونشاهد دير الفرنسيسكان وسوق الحصر في الجهة الشرقية الجنوبية وقلعة النبي داود في الجهة الغربية.. حيث يطمح القائمون على المتحف الى استغلال السطح وتحويله الى قاعة زجاجية تعلوها قبة شفافة من الموزاييك تحولها اشعة الشمس الى الوان قزحية زاهية مع اضاءة مبهرة تتناسب مع باقي قباب القدس المجاورة.. بحيث تعكس ملامح المدينة العظيمة بالصوت والضوء معا..
وابدى اعضاء الوفد فخرهم واعجابهم بمقتنيات متحف وجود الذي يعطينا الامل في امكانية التفاعل والتواصل للحفاظ على وجودنا في هذه الارض موطن الاباء والاجداد.. واجمعوا على ضرورة حماية الذاكرة ا لفلسطينية بكل السبل والوسائل المتاحة والتصدي لظاهرة سرقة التراث .. ومواجهة مقولة الكبار يموتون والصغار ينسون.. الى الكبار ينقلون الراية والصغار يواصلون حمل الرسالة..