في إطار محاولة وزير التربية والتعليم الصهيوني المتطرف "جدعون ساغر" أسرلة وصهينة التعليم العربي في الداخل الفلسطيني- 48 -،ومنع تبلور العرب هناك كأقلية قومية لها لغتها وثقافتها الخاصة،وجدنا أنه يحاول فرض الرواية الصهيونية الكاملة على التاريخ الفلسطيني،فعلى سبيل المثال لا الحصر أقدم هذا الوزير العنصري في 20/7/2009 على إخراج مصطلح النكبة من مناهج التعليم العربي،واستتبعه بقرار آخر يفرض فيه مواضيع يهودية على مناهج التعليم العربي من الصف الرابع الأساسي وحتى الصف التاسع،وهذا القرار يلزم الطلبة العرب بالتعلم عن الهوية والتراث اليهودي،أي تعليم مواضيع عن الهوية والرموز والاساطير الصهيونية،مواضيع عن الهولوكست"المحرقة" والأعياد والكنس والصلوات اليهودية وما يسمى بالاستقلال بدل "النكبة"،بالاضافة للتعلم عن شخصيات يهودية تاريخية مثل الراب موشيه بن ميمون وغيرهم،وبعد ذلك اصدر قراراً يلزم الطلبة العرب الذين يدرسون "البجروت"،شهادة الدراسة الثانوية الإسرائيلية بالتعلم عن المحرقة،ليصل الى حد فرض الرواية الصهيونية الكاملة على التاريخ والمناهج التعليمي العربي في داخل من خلال فرض برنامج ثقافي على منهاج التعليم العربي في مطلع العام الدراسي القادم 2013 بالتعلم عن شخصيات يهودية كان لها دور وباع طويلين في نكبة وطرد وتشريد الشعب الفلسطيني وارتكاب الجرائم بحقه امثال بن غوريون وبيغن وغيرهم،وهؤلاء من اكثر القادة الإسرائيليين دموية وممارسة للإرهاب بحق الشعب الفلسطيني،وهذا يعني ليس فقط فرضاً للرواية الصهيونية على المناهج التعليمي العربي،بل اغتصاب للهوية الثقافية لشعبنا الفلسطيني.
ومحاولة اسرلة وصهينة التعليم ليست قصرا على الداخل الفلسطيني،بل تطال التعليم العربي في مدينة القدس،حيث الاحتلال عمد في عام 2011 الى محاولة فرض منهاج تعليمي فلسطيني مشوه ومحرف على الطلبة الفلسطينيين في القدس،وكذلك محاولة فرض وثيقة استقلال دولة الاحتلال كمساق دراسي ومن بعد ذلك الاحتلال يسعى جاهدا للتحكم في العملية التعليمية في القدس من الألف الى الياء،حيث يصر على ضرورة تطبيق المناهج التعليمي الفلسطيني المشوة على المدارس الاهلية والخاصة (40 ) مدرسة من اصل (69 ) تتلقى مالاً ودعماً مشروطا يصل الى أكثر من مئة مليون شيكل من بلدية الاحتلال ودائرة معارفها سنوياً،هذا المال أصبح بمثابة السيف المسلط على رقاب ادارات تلك المدارس،إما أن تطبيق المناهج الفلسطيني المشوه والمحرف او وقف الدعم والتمويل المالي وسحب تراخيص تلك المدارس،وكذلك محاولة فرض موضوع ثقافي عن تراث وإرث شخصيات صهيونية على المنهاج التعليمي العربي في الداخل الفلسطيني، سيجري سحبه على مدارس القدس العربية،وخصوصاً ان المدارس التي تدرس المنهاج الاسرائيلي "البجروت" في القدس ملزمة بالدراسة عن تلك الشخصيات.
تكمن الخطورة هنا في استكمال عملية الأسرلة للطلبة العرب في الداخل الفلسطيني والقدس،مترافقة مع استمرار عملية التهويد،وهنا تجري محاولة لكي وتقزيم واحتلال الوعي الفلسطيني،والسيطرة على الذاكرة الجمعية للطلاب الفلسطينيين،وخصوصاً أن أحد مؤسسي ورواد الحركة الصهيونية بن غوريون،كانت لديه أوهام ورهانات،بأن حق العودة لشعبنا سيسقط من خلال موت كبارنا ونسيان صغارنا،ولكن هذه الأوهام تتبخر يوماً بعد يوم فصغارنا يزدادون تشبثاً بوطنهم وحقهم بالعودة الى ديارهم التي شردوا منها،وكذلك فرض المنهاج التعليمي الإسرائيلي،أو المنهاج التعليمي الفلسطيني المحرف والمشوة على الطلبة الفلسطينيين في القدس،ليس اجراءاً شكلياً،أي حذف شعار السلطة الوطنية الفلسطينية واستبداله بشعار بلدية الاحتلال،بل مسألة لها علاقة بالانتماء والهوية والسيادة الوطنية،فالتعليم الوطني مرتبط بالسيادة الوطنية،وكذلك المنهاج المشوه يراد له أن يشوه ثقافتنا ويضعف انتماءنا ويزور تاريخنا ويعبث بجغرافيتنا،ويفرض علينا رؤيا ورواية تتناقض مع هويتنا وثقافتنا وتاريخنا.
كان قطاع التعليم في صلب الاستهداف الإسرائيلي بعد احتلال مدينة القدس مباشرة عام 1967 وإعلان ضمها بعد ثلاثة أسابيع من الاحتلال،حيث عمدت سلطات الاحتلال إلى السيطرة على قطاع التعليم الحكومي اكبر مظلة تعليمية في مدينة القدس،هذه المظلة التي تضم الآن 52 مدرسة حكومية يتعلم فيها 42000 ألف طالب مقدسي،ما نسبته 48.5 % من مجموع طلبة القدس،وطبقت عليه المنهاج الإسرائيلي،ولكن حدة المعارضة والمقاومة من قبل الحركة الوطنية الفلسطينية في مدينة القدس ومؤسساتها الأهلية والمجتمعية والتعليمية وشخصياتها الاعتبارية،أفشلت هذا المخطط وتحت ضغط المقاومة والاحتجاجات الشعبية اضطرت حكومة الاحتلال للتراجع عن هذا القرار وليلغى بشكل نهائي في العام الدراسي 1975/1976،وخير دليل ومثال على ذلك كان عدد طلاب مدرسة الرشيدية الثانوية الحكومية في القدس قبل عدوان عام 1967/ 780 طالباً لينخفض هذا العدد بعد فرض المنهاج الإسرائيلي في العام الدراسي 1969/ 1970 إلى 210 طلاب،وفي العام الدراسي 1970/ 1971 إلى 168 طالباً وفي العام 1971/ 1972 إلى 70 طالباً.
وإسرائيل لم توقف ولا لحظة واحدة مخططاتها لأسرلة وتهويد المدينة ولا لقطاع التعليم في القدس،بل كانت تعمل ليل نهار لتنفيذ مثل هذه المخططات،وواضح جداً أنه بعد اتفاقية أوسلو( والتي قزمت فيها وشوهت المناهج الفلسطينية تحت يافطة وذريعة ما يسمى بالسلام) وما أعقب ذلك من الانتفاضة الثانية في أيلول/2000،وما تلى ذلك من تطورات مثل إعادة الاحتلال المباشر لكل مناطق الضفة الغربية بما فيها المناطق المسماة (أ ) في نيسان 2002،وبعدها اشتدت وتكثفت الهجمة على مدينة القدس،وقد طالت المقدسيين في كل مناحي وجوانب حياتهم ووجودهم،ومع قيام حكومة العنصرية والتطرف بقيادة نتنياهو وليبرمان،كان واضحاً للجميع ما ينتظر الشعب الفلسطيني عامة وشعبنا في الداخل الفلسطيني- مناطق 48 – والقدس،حيث سنت وشرعت عشرات القرارات والقوانين،بهدف الأسرلة والتهويد في إطار سياسة التطهير العرقي ومنع تبلور الهوية الثقافية والوطنية الفلسطينية المستقلة،وفي هذا السياق قام وزير التربية والتعليم الإسرائيلي "جدعون ساغر"،بإصدار قرار يخرج مصطلح النكبة من منهاج التعليم العربي في الداخل،وكذلك جرت محاولة لفرض ما يسمى بالنشيد الوطني الإسرائيلي"هتكفاه" على الطلبة العرب،وأتبع ذلك في تموز /2009 بقرار آخر يفرض على الطلبة العرب من الصف الرابع وحتى التاسع بتعلم مواضيع عن الهوية والتراث اليهودي،بما يشمل مواضيع عن "الهولوكست" المحرقة و"الاستقلال" والأعياد والكنس والرموز والشخصيات الدينية والتاريخية اليهودية،وإستتبعه بقرار آخر هو انه يجب على الطلبة العرب المتقدمين "للبجروت" التعلم الإجباري عن "الهولوكست" المحرقة.
وكل هذا يدخل في إطار اغتصاب ومنع تبلور هوية ثقافية عربية مستقلة، واحتلال للوعي وتشويه للتاريخ والجغرافيا الفلسطينية.
وعلى نفس هذه القاعدة،كان واضحاً أنه سيتم استهداف القدس بنفس السياسات والإجراءات،وخصوصاً أن قادة حكومة الاحتلال يصرحون ليل نهار بأن القدس لن تقسم ولن تكون سوى عاصمة موحدة "لإسرائيل"،وقد رأينا تلك الإجراءات والممارسات تترجم على شكل قوانين وتشريعات بهدف السيطرة المطلقة والنهائية على المدينة،وتفريغها من سكانها العرب إلى أقصى حد ممكن،فكان قانون ما يسمى بالولاء،والذي على أساسه صدر قرار بإبعاد نواب القدس المنتخبين عن مدينتهم،وقانون اعتبار القدس أولوية وطنية في التطوير"تهويد المدينة" وقانون الاستفتاء،ربط أي عملية انسحاب من مدينة القدس بموافقة الجمهور الإسرائيلي عليها بعد المصادقة عليها من الكنيست،وقانون اعتبار القدس عاصمة لكل يهود العالم وليس لإسرائيل وحدها، ولم يسلم قطاع التعليم في القدس من تلك القوانين والتشريعات والقرارات،فبتاريخ 7/3/2011 أصدرت بلدية الاحتلال ودائرة المعارف الإسرائيلية تعليماتها إلى المدارس الأهلية بالقدس وعددها 69 مدرسة يتعلم فيها 24000 طالباً،أي ما نسبته 28 % من طلبة القدس،تمنعها من التزود بالمواد التعليمية ومنها الكتب المدرسية من أي جهة فلسطينية وأن الجهة الوحيدة المخولة بتزويد الكتب هي بلدية "القدس".هذا بدوره يعطي بلدية الاحتلال الحق في إقرار المناهج التعليمية وغيرها،وشطب وفرض ما تشاء.
وبعد ذلك وبتاريخ 18/3/2011 قامت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية بتزويد المدارس العربية في القدس"بوثيقة استقلال دولة "إسرائيل"وطلبت من إدارة المدارس تعليق الوثيقة في المدارس،على أن يتم عرضها في مكان تتاح فيه الفرصة لكافة الطلاب والمعلمين الإطلاع عليها،وكذلك القيام بشرح معانيها عن ما يسمى بقيم التسامح والمحبة والعدل والمساواة المزعومة التي تتضمنها وغيرها.
وكذلك جددت نفس الطلب في العام الدراسي الحالي،حيث وجهت مديرة المعارف العربية في بلدية الاحتلال الآنسة" لارا امباركي" رسالة أخرى بتاريخ 28/4/2012 الى إدارات المدارس الحكومية والخاصة والأهلية تطالبهم فيها بتحديد كميات الكتب المطلوبة حتى 8/5/2012 من المنهاج التعليمي الفلسطيني المشوة والمحرف،والا فإنها ستضطر الى تزويدهم بنفس كمية الكتب للعام الدراسي الماضي.
والمنهاج الفلسطيني المشوة والمراد تطبيقه على المدارس الخاصة والأهلية في القدس،تم شطب وحذف المواد المتعلقة بكل ما له علاقه بالرموز والسيادة الفلسطينية على المدينة،وحتى الوجود والتاريخ والجغرافيا والثقافة الفلسطينية،وقد طالت عمليات الحذف والشطب بشكل الخاص مواد اللغة العربية والتربية الاسلامية والتاريخ والجغرافيا وكتاب الرياضيات للصف الأول حيث تم شطب صورة العلم الفلسطيني منه،وكذلك شطبت كل القصائد والأناشيد التي لها علاقة بالانتفاضة أو حق العودة والآيات والمواضيع التي تدعو الى الجهاد والمقاومة وتدعم أسر الشهداء والأسرى من كتب التربية الاسلامية،وكذلك شطب كل ما له علاقة بالاستعمار الغربي والغزوة الصهيونية لفلسطين من كتاب التاريخ وغيرها.
واضح جداً أن الاحتلال،يريد الصهينة والأسرلة الكاملتين للمنهاج التعليمي سواء في الداخل الفلسطيني- 48 – أو في مدينة القدس،فالاحتلال يريد أن يحتل وعينا ويقزمه،وان يشطب ذاكرتنا الجمعية ويسيطر عليها،يريد أن يفرض روايته الصهيونية الكاملة على منهاجنا وتاريخنا.
القدس- فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت