لقد سارت العملية الديمقراطية المصرية بخطوات لا تخلو من التوتر والشد والترقب وتناولها الكثير من المحللين والمراقبين بكافة تفاصيلها ودقائقها ولم تخلو خطوة من خطواتها دون حساب ، ولعل ذلك شييء طبيعي في السياق العام لمجتمع لم يمارس الديمقراطية بشكلها الحقيقي طوال عقود من الزمن ، لأول مرة في تاريخ الانتخابات العربية كان من الصعب التكهن بنتائج الانتخابات سلفا ولأول مرة يفوز الرئيس بفارق بسيط عن منافسه ولأول مرة يتقدم الطرف الخاسر بتهنئة الفائز ويقبل بالنتيجة دون القيام بأعمال عدائية ، ولأول مرة منذ عقود يتسلم رئيس مدني رئاسة مصر ويؤدي أركان القوات المسلحة له التحية العسكرية وتسير الأمور بهذا الطريق الآمن حيث شعر كل الأطراف – من خلال كلماتهم – بالرضا الكامل على كل ما بذلوه من جهد ، الثوار في ميدان التحرير شعروا بالرضا على قاموا به عندما حضر الرئيس وأكرمهم بالقسم أمامهم ولم ينكر لهم فضلهم وحيا جهودهم واستذكر شهداءهم واعتبرهم هم المقياس في نجاح الرئيس أو فشله ، وشعر المجلس العسكري بالرضا على كل ما قام به حيث نجح في إيصال البلاد الى هذا المستوى المتقدم من حماية المؤسسات وإيصال الرئيس المنتخب الى كرسي الرئاسة بأقل الخسائر ونجح في إدارة البلاد في أشد اللحظات وأصعبها ، وشعرت لجنة الانتخابات الرئاسية بالرضا على كل ماقامت به بالرغم من شدة السهام التي صوبت نحوها والتشكيك في نزاهة عملها وتعرضها للضغوط لكنها استطاعت في النهاية أن تعلن عن الرئيس الفائز في الانتخابات بالرغم من حساسية الموقف وتعقيداته وتقارب الأصوات بين المرشحين ، وشعرت كل القوى المصرية بكافة أطيافها بأنها كانت شريكة أساسية في صناعة الثورة وقيادة الأحداث حتى وصلت الى بر الأمان وهم يعقدون العزم اليوم على ترتيب صفوفهم للمشاركة في مرحلة بناء الجمهورية المصرية الثانية .
على المستوى الداخلي المصري هناك الكثير من الوضوح أمام الرئيس ولعل الطريق أمامه ممهدة لقيادة حالة جدية وجديدة الكل مستعد للمشاركة فيها ، وهناك الترحيب الدولي الواسع والذي سيعطي أريحية واسعة للرئيس الجديد للمضي في تنفيذ برنامجه الانتخابي لبناء النهضة المصرية ، ولكن الرئيس لابد له من خطوة فاقعة يقدمها للمجتمع المصري وكذلك الدولي وهذه من طبيعة الأشياء لابد من إنجاز سريع يراه الجميع ويكون رسالة مبكرة توحي بجدية الرئيس وقدرته على قيادة المرحلة ، لأن هناك ملفات تحتاج الى الوقت لإنضاجها وهناك ملفات تحتاج الى قرار جريء وقوي يؤكد قوة الرئيس وقدرته على إدارة مؤسسات الدولة وتثبت للمتشككين بأنه رجل دولة ، ولهذا يجب على مستشاري الرئيس أن يبحثوا للرئيس عن هذه الخطوة الجاهزة والتي من خلالها يمكن تسجيل إنجاز مهم وسريع ويعطيه الأريحية في قيادة بقية الملفات .
فهل تكون المصالحة الفلسطينية هي الملف الجاهز والسريع ليكون القرار الأول أمام السيد الرئيس محمد مرسي ؟ ولعل هذه الخطوة لها ما يدلل عليها ومنها أن الرئيس عمد على ذكر المصالحة في كلمته الأولي بعد أدائه اليمين الدستوري وهذا يدلل على حضور ملف المصالحة في ذهن الرئيس ومستشاريه ، وكذلك استكمال ملف المصالحة بين طرفي الانقسام الفلسطيني وجاهزية التوصل الى آليات تنفيذه بعد التقدم الكبير الذي طرأ خلال جولات الحوار الأخيرة ، وكذلك علاقة جماعة الإخوان المسلمين بطرفي الانقسام وقدرتهم على التأثير الإيجابي لكليهما وهذا سيكون خدمة فورية للرئيس محمد مرسي وهو بحاجتها في هذا الوقت ، وهذا سيمنح الرئيس محمد مرسي دورا مهما في إعادة الدور المصري الى مكانته الطبيعية بعد أن تراجع خلال المرحلة السابقة .
الكثير يشعر بالتفاؤل المرتكز على قواعد مهمة بأن تعود مصر لتلعب دورا محوريا في رسم سياسة المنطقة ، ولا يمكن لأحد من التقليل من أهمية المتغير الجدي الذي حدث في قلب مصر وأن هذا المتغير سيلقي بظلاله على المنطقة ، هناك فراغ كبير في السياسة العربية وتحاول دول إقليمية استغلال الغياب العربي العام وتحاول فرض أجنداتها على المنطقة واستغلال مشاكلها ولكن عودة مصر لتأخذ مكانتها الطبيعية في السياسة العربية والإقليمية والدولية سيحدد كثيرا من دور هذه القوى الإقليمية وستفرض عليها سياسة التعاون والتكامل بدلا من سياسة الهيمنة والاستغلال ومن هنا كان الترحيب متزامن من كل تلك القوى الإقليمية لما حدث في مصر والمسارعة في تهنئة الرئيس الجديد محمد مرسي ودعوته للعمل المشترك .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت