الخروج من دائرة الوهم

بقلم: محمد السودي


بات المشهد الفلسطيني المأزوم يتدحرج شيئا فشيئا نحو ولادات مشوهة تنذر بكارثة وطنية خطيرة سيدفع الجميع ثمنها ان لم تحدث معجزة ما ، توقف حالة الانهيار المحتوم الذي ساهم به الاداء السيء للقائمين على الامور عن سابق اصرار او جهل لما تخطط له الدوائر المتنفذه في العالم وعلى رأسها الادارة الامريكية المنحازة كليا لمخططات الاحتلال ، ان هذه التداعيات ترتبط ارتباطا وثيقا بما يجري الان على الساحة الفلسطينية بدأت بحراك مجموعة شبابية ضد زيارة الجنرال موفاز لمقر الرئاسة الفلسطينية وهو امر ضروري ينبغي تقديره ليس فقط احتراما للقوانين المرعية التي نصت على حرية التعبير باعتباره حق مكفول ، ولكن لأن زيارة نائب رئيس حكومة الاحتلال الذي يسعى الى تسويق نفسه بعد فوزه برئاسة حزب كاديما لا تحمل أي جديد بعد التصريحات التي اطلقها عن القدس العاصمة الموحدة لكيانه الدخيل ، كما اعتبر حق العودة ضرب من الخيال ، بالاضافة الى الترتيبات الاخرى المتعلقة بالكتل الاستيطانية والترتيبات الامنية ، ثم رمى جزرة القبول بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران ، التي استحسنها البعض لسماع ما عنده ، بالرغم من القرارات السابقة التي تمنع التفاوض دون وقف الاستيطان وتحديد المرجعيات ، هنالك من قال انها ليست مفاوضات بل حوار ، الامر الاخر الاكثر اهمية يتعلق بشخص جنرال الحرب موفاز نفسه المسؤول المباشر عن الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال بكونه كان يشغل منصب رئيس الاركان اثناء اقتحام جنين واجتياح مقر الرئيس ابو عمار الذي ادى الى استشهاده جراء عملية تسميم جبانه بمادة البولونيوم ربما تكشف الايام القادمة عن تفاصيلها ، كما تؤكد المختبرات السويسرية من خلال تحقيق قامت به قناة الجزيرة الفضائية بعد ثماني سنوات من رحيله ، بالتالي كان من الطبيعي بل يفرض الواجب التصدي لهذه الزيارة بأي شكل كان اذ لا يمكن ان يكون مطلوبا القبض عليه في العديد من دول العالم بينما نحن اصحاب القضية نستقبله في المكان الذي ارتكب فيه المجرم جريمته ، الامر الذي يستفز مشاعر شعبنا اينما كان ، بالمحصلة منع الزيارة نتيجة الرفض الشعبي تشكل ورقة هامة في مواجهة الضغوط الدولية التي تتعرض لها القيادة الفلسطينية ، ما يثير الاستغراب الكيفية التي تعاملت بها الاجهزة الامنية مع المتظاهرين حيث تم التصدي لهم باستخدام القوة ، ويبدوا ان هناك قله استطاعت جر رجال الامن لهذا المربع المرفوض وطنيا ، وعلى كل حال حسنا فعلت القيادة الفلسطينية بتشكيل لجنة تحقيق لبيان حقيقة ما جرى واعلان نتائجها على الشعب الفلسطيني بعد ان الغيت الزيارة المشؤومة ، وفي اليوم التالي سيّرت مظاهرة اخرى تندد بما حصل اما الثالثة فكان لها اهدافا اخرى تطالب بالغاء اتفاق اوسلو ووقف المفاوضات ، لكنها سارت بسلام بعد ان ادت غرضها امام مقر الرئاسة والحقيقة فان فصائل العمل الوطني كانت بعيده الى حد ما عن هذا التحرك ، ما عدا بيانات الشجب والاستنكار والادانة لما حصل جراء قمع المظاهرات ، الامر الملفت للنظر تحريك مظاهرة من قبل حركة حماس شارك بها اعضاء المجلس التشريعي عن الحركة واهالي المعتقلين عند السلطة تطالب بالافراج الفوري عن افراد حماس ولا نعلم حتى اللحظة الراهنة ما هيّة التحرك القادم لكن كل المؤشرات تدل على تصاعد وتائر الازمة الى الذروة في الوضع الفلسطيني ، يترافق ذلك مع اعلان حركة حماس عن تعليق عمل لجنة الانتخابات المركزية بعبارة اخرى عودة الامور الى المربع الاول والتنصل من اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة بحضور كافة فصائل العمل الوطني وكذلك اعلان الدوحة الذي وضع خارطة تنفيذية للاتفاق نحو تشكيل حكومة موحدة ، واجراء الانتخابات اللرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني خلال سقف زمني محدد .

ليس بعيدا عن قتامة المشهد حيث تماهى مع اعلان قناة الجزيرة حول اكتشاف المادة السامة البولونيوم المشع التي وجدت بمقتنيات الرئيس ابو عمار بعد ثماني سنوات على رحيله ، اذ تقتضي الحكمة ان يكون ذلك الانجاز عمل مقّدر وغاية في الاهمية لادانة الاحتلال على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني واستهداف رمز الوطنية الفلسطينية ، ان كانت النوايا صادقه لا يشوبها اي اغراض توظيفية اخرى غير السبق الاعلامي المهني وكشف الحقيقة امام الرأي العام ، لما يمثله الرئيس الراحل من مكانه في وجدان الشعب الفلسطيني بكونه ظاهرة لن تتكرر قاد خلالها مسيرة الكفاح الوطني ما يقارب اربعة عقود باقتدار ندر مثيله .
ثمة ما يدعو الى الحيره تجاه ردود الافعال الفصائلية التي كان لها موقف يصل الى حد العداء مع الرئيس الراحل خلال حياته وبعد مماته اخرها بالامس القريب حينما وصف احد قادة حماس الرئيس الفلسطيني الحالي بأنه " سيئة من سيئات عرفات " ثم انقلبت الحالة التنظيمية فجأة مع ميول الريح حيث مالت واضحت حريصة كل الحرص على تشكيل لجنة تحقيق دولية وعربية مترافقة مع فتوى اصدرها الشيخ القرضاوي المثير للجدل تجيز اخراج الجثمان من اجل فحصها ، مع ان هذا المطلب مصلحة وطنية فلسطينية بالدرجة الاولى دعت اليه القيادة الفلسطينية فور الاعلان عن نتائج ما توصل اليه الخبراء السويسريون الامر الذي يؤشر الى ما وراء الاكمة نتمنى ان تكون محصوره في اطار تحسين صورة الجزيرة بعد ما اشابها من علامات استفهام ازاء المتغيرات الحاصلة في المنطقة ، لا بهدف اغراق الساحة الفلسطينية المأزومة المزيد من الارباك نحو الفوضى والفلتان الذي عبر عنه اخرون بقولهم " ان الربيع الفلسطيني يقترب من السلطة " بالاضافة الى الاصوات المعروفة بعدائها للمنظمة المحسوبة على الاخوان المسلمين التي تحمل السلطة مسؤولية اغتيال الرئيس الراحل ابو عمار .

هكذا نستطيع ان نلامس بجلاء المحاولات العديدة لاحكام الطوق حول التوجه الفلسطيني الساعي الى انجازات تراكمية على اكثر من صعيد خاصة التوجه الى مؤسسات الامم المتحدة للحصول على مقعد مراقب بعد ان افشلت الادارة الامريكية المساعي الفلسطينية لنيل فلسطين دولة كاملة العضوية اضافة الى معارضتها السافرة بالانضمام الى المنظمات الدولية المتفرعة عن الامم المتحدة ، كما تمارس نفوذها على دول الاتحاد الاوروبي والدول العربية لجعل الحالة الفلسطينية رهينة المساعدات المالية بما يجعل الانسان الفلسطيني لا يرى ابعد من حصوله على الراتب واغراقه بمتطلبات الحياة ، الامر الذي يدعو الى الاستعجال بعقد مؤتمر وطني حقيقي د دعت اليه القيادة الفلسطينية في اجتماعها الاخير للاجابة عن الاسئلة التي لم يستطيع احد الاقتراب منها تتجاوز السقف السياسي الراهن ، خاصة ما يتعلق منها بانسداد الافق السياسي لعملية التسوية العقيمة ، بالاضافة الى فشل عملية المصالحة التي مضى عليها خمس سنوات لم تثمر عن شيء بالتالي لا بد من اعادة النظر بالطريقة التي سادت حتى الان ولم تحصد سوى المزيد من التعطيل والمناورات المؤدية الى الاحباط الشعبي العام ، كما ينبغي البحث بعمق اسباب تجاهل الدعوات الى تصعيد المقاومة الشعبية التي لم تلقي اذانا صاغية بما في ذلك فصائل العمل الوطني باستثناء بعض البؤر لا تزيد عن اصابع اليد الواحدة المشاركين بها متضامنين اجانب وابناء القرى المتضررة من جدار الفصل العنصري .

إن إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني يتطلب خطوات متقدمة تتجاوز السياسات التقليدية الاستجدائية ، نحو استنهاض عوامل القوة الكامنة لدى شعبنا حيثما تواجد من خلال بناء استراتيجية وطنية ذات سقوف مرتفعة تضمن حقوق شعبنا الوطنية والتاريخية ، دون اسقاط اي من عوامل الكفاح الوطني المكفوله للشعوب الواقعه تحت نير الاحتلال الاستعماري ، حتى لو دام الصراع أمد طويل ، تتعاقبه الاجيال جيل بعد جيل ...
عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت