إتفاق أوسلو في الميزان الجزء الأول

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج


بعد الإطلاع على الدراسة السياسية والقانونية المعمقة لإتفاق إعلان المباديء الفلسطيني الإسرائيلي والمعروف باسم "إتفاق أوسلو" والتي قام بها الأخ عبد الرحيم جاموس مشكوراً، وجدتها فرصة مناسبة للكتابة حول هذا الإتفاق الذي شكل منعطفاً تاريخياً للصراع العربي الإسرائيلي حول فلسطين. وكان لا بد من التطرق بداية لأسباب إخفاق المفاوض الفلسطيني في الوصول بقطار التسوية الى الهدف الفلسطيني، بينما وصل القطار الى الهدف الإسرائيلي على الرغم من وجود طاقات للنفاذ منها الى الهدف الفلسطيني، وبالمقابل وجود ثغرات بالإتفاق جيرها المفاوض الإسرائيلي لصالحه وحرف المسيرة عن الهدف المشترك من الإتفاق ووصل قطار التسوية بركابه الى الهدف الإسرائيلي بعد توقف قصيراً على الهدف الفلسطيني.

كان اتفاق أوسلو مُرَّ المذاق على القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بطموحاته العريضة، وذلك وسط خيارات محدودة جداً تكتنفها المخاطر العالية، وكل الخيارات الأخرى التي كانت متاحة أمرّ منه مذاقاً وأعلى منه مخاطراً، نظراً لسوء الأحوال العربية المحيطة، ونفي المناضلين الفلسطينيين من لبنان الى تونس بعيداً عن حلبة الصراع التي خلت للعدو، شأنه شأن المثل الشائع الخاطيء في غالبيته والصائب أحياناً في نظر أطراف الزواج الفاشل (الزواج شرٌّ لا بد منه)، فالزواج الناجح ينساب انسياباً عادياً دون ضجيج كالشخص الذي يتمتع بصحة جيدة، ولا يستدعي التشخيص والتشريح ولا يثير الإهتمام، أما الزواج الفاشل فيكون خارجاً عن المألوف كالشخص المريض، يثير الإهتمام ويستدعي التشخيص والتشريح لمعرفة العلاج. وهذا الزواج لا بد منه سواءً كان ناجحاً ام فاشلاً، لأن الزواج في كل أحواله أفضل من العنوسة الذكورية والإنثوية وانصياعاً لسنة الله في خلقه، فإن كان ناجحاً فقد أصاب الهدف، وإن كان فاشلاً فيستفاد منه في التجربة الثانية، وربما ينتج عنه ثمرة صالحة من البنين تعوض فشله بخاتمة محمودة. (يخرج الحي من الميت).

وكان الإتفاق مغامرة ربما كانت محسوبة على أساس الأداء المتوقع أثناء التطبيق للمباديء والبنود التي وردت بالإتفاق، والقدرة على المناورة والمحاورة والمراوغة في المفاوضات، ومبنيةً على نظرية الإحتمالات، وافتراض الثقة بالنفس والإيمان الراسخ بالحق الفلسطيني، والجدية بالعمل والتمسك والتمترس بالثوابت، وصلابة الموقف بتقوية أوراق الضغط على الخصم، وتجنب الوقوع بشرك التخاذل والركون استناداً الى نص المباديء والبنود الواردة بالإتفاق ظناً أنها تحمي الطرف الفلسطيني أو تردع الآخر من خرق ونقض الإتفاق أو أنها تلزمه بالتطبيق دون عمل، ومبنياً أيضاً على أساس المعرفة الحقة بالطرف الآخر المعروف بالمراوغة وتحريف الكلم عن مواضعه ونقضه للعهود والعقود، تماماً كما وصفه أحد مهندسيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، (فهو إما أن يوصلنا الى دولة إن أحسنا الفهم والتطبيق أو الى كارثة إن أسأنا الفهم والتطبيق). وحتى هذه اللحظة وبعد مضي ثلاثة عشر عاماً على استحقاق قيام الدولة بموجب بنود الإتفاق وبرنامجه الزمني لم نصل الى دولة، والمؤشرات والملامح وسط هذا الجمود وسوء الأداء، وتعنت الطرف الآخر مدعوماً بالقوى الفاعلة، ربما يقودنا الى كارثة تتطلب العودة الى الخلف للمربع الأول في الصراع. مختزلاً منا سنوات كثيرة من النضال الطويل المرير.

كان لهذا الإتفاق معارضيه الظاهريين والباطنيين، ومؤيديه الظاهرين والمتحفظين عليه والمعارضين من أجل المعارضة فقط والمؤيدين له باطنياً، ولا فائدة ترجى أو حاجة لنا أن ندخل في تحليل وجهات النظر لنميز الصائب من المخطيء في موقفه، لأن الإتفاق أصبح واقعاً يعيشه كل الشعب الفلسطيني، المعارضون منه قبل المؤيدين له، وأصبح محطة من محطات النضال الفلسطيني الممتد الى أكثر من مئة عام الى الخلف. وما يفيد هو أن نقف على أسباب ما نحن فيه الآن من جمود وتصلب وبيات وانتكاس.

وبغض النظر عن سلبيات الإتفاق الكثيرة وإجحافه قياساً مع الحق الفلسطيني التاريخي والجغرافي والديمغرافي، وايجابياته القليلة التي تفتح طاقة من الأمل نتلمس منها الطريق الطويل المتعرج الذي يوصلنا في نهايته الى آمالنا وطموحاتنا. وذلك بتخطيط استراتيجي طويل المدى ينطوي على مراحل متدرجة وخطوات محسوبة ثابتة وصابرة وواثقة بالحق الفلسطيني.

هنالك دلالة واضحة على أن الإتفاق لم يكن في نهاية طريقه الإستراتيجي الطويل المتعرج البعيد المدى والأفق يصب لصالح العدو. والدليل على ذلك واضح وضوح الشمس لا شك فيه ولا ريب. هو أن العدو قد تهرب من الإتفاق ونقضه ودفنه حياً، حيث قتل صانعيه، (اسحق رابين في حادثة اغتيال اولى لقائد يهودي في تاريخ الكيان الصهيوني. وما ثبت مؤخراً باليقين وليس بالشك الأكيد استشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على يد دولة الكيان الصهيوني التي تملك سلاح قتله والمستفيدة الحقيقية من مقتله). فهذه الدلالة وحدها تغنينا وتريحنا عن وزن الإتفاق والخوض في جدل عقيم ما بين مؤيد ومعارض ومقارنة الكفتين لترجيح واحدة على أخرى، وهي دلالة على ترجيح الكفة لصالحنا في نهاية المطاف وخسارة العدو على المدى البعيد.

في مقالة للدكتور فرنسيس بويل Francis Boyle المستشار القانوني للوفد الفلسطيني المفاوض لمحادثات السلام حول الشرق الأوسط من سنة 1991 الى 1993م. أي منذ مؤتمر مدريد للسلام. وهو محاضر في القانون الدولي بجامعة ايلينويز. ونشر هذا المقال في صحيفة عرب نيوز السعودية يقول المستشار:

"عندما تم تقديم وثيقة أوسلو الأصلية ولأول مرة من قبل الحكومة الإسرائيلية الى الوفد الفلسطيني المفاوض عام 1992م تم رفضها من قبل الفلسطينيين حيث اعتبروها بمثابة كنتونات كما كان الحال في جنوب أفريقيا (كنتونات معزولة ومحاصرة للأفارقة السود). وقد حملت هذه الوثيقة خداع مناحيم بيغن وإساءة تفسيره لبنود ومباديء اتفاقية كامب ديفيد (بين مصر واسرائيل)- وهذا مارفضه بوضوح رئيس الولايات المتحدة آنذاك جيمي كارتر وقال عنه أنه مجرد حكم ذاتي للناس فقط وليس للأرض. وحالاً وبدون علم الوفد الفلسطيني المفاوض في وشنطن وبدون علم أي طرف آخر فتحت الحكومة الإسرائيلية قناة مفاوضات سرية مع الفلسطينيين في النرويج. وهناك أعادت اسرائيل طرح وثيقة اوسلو التي رفضها الوفد الفلسطيني المفاوض في وشنطن. لقد كانت نفس الوثيقة التي طرحت في مدريد مع اجراء بعض التعديلات الطفيفة جداً عليها والتي تم توقيعها في البيت الأبيض في 13 سبتمبر 1993م.

ويستطرد قائلاً: وقبل مراسم حفل التوقيع عليها علقت لمسئول رفيع المستوى في منظمة التحرير الفلسطينية قائلاً " إن هذه الوثيقة بمثابة المعطف الطبي الذي يصفه الطبيب للمريض بأن يلبسه لكي يمنعه من الحركة التي تؤذيه - مثال ذلك الجبس الذي يوضع على الكسر أو الأربطة لليدين والأقدام التي تقيد الحركة - إنه من الصعوبة بمكان أن تفاوضوا خارج نطاقه (نطاق المعطف الطبي)". وقد وافقني المسئول رفيع المستوى في الرأي وأجاب :"نعم ، إنك مُحق ، وهذا يعتمد على مهاراتنا في المفاوضات".

بالطبع لدي احترام كبير للمفاوضين الفلسطينيين. لقد أدوا عملهم بأفضل ما لديهم من طاقات وما بإستطاعتهم وبإخلاص في التفاوض مع الحكومة الإسرائيلية المدعومة بثبات من الولايات المتحدة". إنتهى قول المستشار.

كان ذلك بمثابة انذار واضح ومبهرٍ للأنظار للطرف الفلسطيني بتوخي الدقة والحذر في إدارة العملية التفاوضية مع اسرائيل. ويستشف من ذلك الخبث الإسرائيلي والتخطيط والنوايا السئية تجاه الفلسطينيين الذي لم يحسنوا التعامل مع تطبيق الإتفاق وإدارة المفاوضات للإستفادة الكاملة من ايجابياته.

ولكن ماذا حدث أثناء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وأوصلنا الى ما نحن فيه اليوم لنقف على الأسباب اولاً لعلنا نعيد النظر مستفيدين من الدرس.

• عدم تهيئة الشعب الفلسطيني للتعامل مع هذا الإتفاق المفاجيءوذلك بغياب التنسيق والإجماع الفلسطيني على المشروع الوطني عن الساحة الفلسطينية الدبلوماسية والعملياتية المقاومة، وكان هذا الإجماع غائباً قبل توقيع الإتفاق واستمر دون التئام، وأدى الى انقسام فلسطيني غير حميد، وساعدت اسرائيل على انباته ورعايته، وكان هذا الإنقسام مبنياً على محاور إقليمية ودولية متجاذبة ومتنافرة وذوات أجندات غير وطنية، نشأت بالمنطقة وبدت الأمة كأنها تعيش فترة المناذرة والغساسنة قبل الإسلام، وأثرت على الفلسطينيين تأثيراً مباشراً، وانتهجت المعارضة الفلسطينية موجهة ببوصلة مضللة، طريقاً تناغم مع اليمين الإسرائيلي في تخريب المفاوضات ووأد الإتفاق، حيث بدأت مقاومة فلسطينية موجهة بالريموت كنترول ومدعومة بأجندات غير وطنية مسيسة ومسلحة ولا تخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية، واستهدفت في جلها المدنيين الإسرائيليين، واستغلتها الحكومة الإسرائيلية وإعلامها النافذ استغلالاً ذكياً للتملص من تنفيذ التزاماتها، وأقنعت نخب السياسة الدولية الفاعلة بغياب الطرف الفلسطيني القادر على تطبيق الإتفاق، وألهبت بها مشاعر المجتمع الدولي ضد الفلسطينيين. وشنت ضد الفلسطينيين حرباً ضارية مبررة للعالم بحجة مقارعة الإرهاب، ودمرت كل البنى التحتية الفلسطينية.
• التهاء الساسة الفلسطينيين بالغنائم التي خلفها الإتفاق، وذلك بإنشاء سلطة وطنية فلسطينية منزوعة الدسم نزعاً كاملاً، وبدأ التنافس على هذه الثمرة النيئة الفجة قبل نضوجها بين الطبقة السياسية والفصائلية الفلسطينية، وإجراء انتخابات غير مستحقة وغير عادلة لأنها بكل بساطة ووضوح جرت تحت المجال المغناطيسي للإحتلال ومن لف لفه، وأدت الى ترسيخ الإنقسام، وتصلب عوده ونجاح المعارضة المبطنة بالإنتخابات وتمسكها بأحقيتها بالسلطة المنزوعة الدسم بأسنانها وأظافرها. وتحول الإنقسام الى انقسام جيوسياسي عمودي (انقسام داخلي في الأرض المحتلة (غزة- رامالله)، وانفصال الشتات عن الشتات، هذا بالإضافة الى انفصال الفلسطينيين القديم داخل الخط الأخضر. فانقسم الجسد الفلسطيني انقساماً عمودياً برأسين وبجسدين متعاكسين. وهذا أدى تفتيت الجبهة الفلسطينية السياسية والى عبثية جبهة المقاومة، فأصبحت المقاومة الفلسطينية تلعب دوراً معاكساً لإتجاه السياسة الفلسطينية. وخلص الأمر الى غياب المقاومة الناجعة غياباً تاماً عن الساحة الشعبية الفلسطينية، الا من مقاومة فردية شخصية من قبل من تصادر أرضه أو يهدم بيته، فأصبح المفاوض الفلسطيني مكشوف الظهر ومطعوناً بخناجر صديقة وعدوة ولا يملك أوراق ضغط فاعلة سيما وهو الطرف الضعيف على كل الصعد فازداد ضعفاً على ضعف. وتهافت على السلطة المعارضون قبل المؤيدين، ووصل التنافس والصراع عليها الى حد الإقتتال بين الإخوة. وتحول التنافس غير الشريف الى معارك ضارية بين الساسة والمسئولين الفلسطينيين على المصالح الشخصية الضيقة، والوظائف السياسية المرموقة وغير المرموقة، وعلى المغانم البالية واكتوى بنار هذه المعارك الشعب الفلسطيني الذي عانى من هذا الصراع الذاتي وما زال يعاني الى يومنا هذا. وتعرضت السلطة الوطنية والشعب الفلسطيني للنقد الحاد ووصمها بالفساد، وذكرنا ذلك بمعركة أحد التي تهافت فيها جيش المسلمين على الغنائم، وكانت الهزيمة للمسلمين لتكون درساً قاسياً لهم حفظوه واستفادوا منه لاحقاً. لعلنا نعي ذلك ونستفيد منه في حاضرنا اليوم.
• استغلال المفاوض الإسرائيلي لثغرات الإتفاق استغلالاً انتهازياً بكل خبث ومكر، ومما لا شك فيه أن اتفاقاً بهذا الحجم والمساحة الكبيرة الممتدة من الصراع المعقد والمتشعب والطاعن بالسن، وانطوى على هجرتين قصريتين للشعب الفلسطيني. لا بد وأنه اكتنف في طياته على ثغرات كان على المفاوض الفلسطيني تغطيتها قبل وبعد توقيع الإتفاق وأثناء المفاوضات. سيما وأن الإتفاق بين طرف قوي على الأرض ويملك معظم أوراق الصراع المادية وطرف ضعيف لا يملك الا الحق المعنوي التاريخي والجغرافي بدون وسائل قوة توازي قوة الآخر وداعمة لموقفه التفاوضي. لذلك كان لا بد من مرجعية قضائية قانونية ينص عليها الإتفاق وتملك آلياتٍ لتنفيذ أحكامها وقراراتها حيال الصراع. وترك الحكم في المسائل المتنازع عليها للجنة ارتباط اسرائيلية – فلسطينية تتفوق فيها اسرائيل بفرض سياسة الأمر الواقع وإدارة ظهرها للحق الفلسطيني. لذلك كان الإتفاق بدون ضمانات قادرة على التنفيذ ومرهونة بحكم القوي على الضعيف.
• تخلص العدو بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية منزوعة الدسم اسماً لا فعلاً من مسئوليته الإقتصادية والإدارية والإنسانية والأمنية، وتحمل المانحون من مؤيديه في سياسته المسئولية الإقتصادية مما وفر له المبالغ لإقامة المستوطنات على الأرض الفلسطينية وتغيير معالم الأرض وخاصة بالقدس الشريف والضفة الغربية المستهدفة. وتحملت السلطة الوطنية المسئولية الإدارية والأمنية المخترقة دون سابق انذار من سلطات العدو بأيدٍ قادرة على اختراق المناطق التي تسيطر عليها السلطة إدارياً في أي مكان وزمان تريد. فصار الإحتلال واقعاً على الأرض يغير من سماتها العربية كما يشاء ومدفوعاً له الأجر على احتلاله المفروش له من المجتمع الدولي المنافق والمناصر له، فأصبح القرار الوطني الفلسطيني مشلولاً ومرتهناً للعامل الإقتصادي وتحت تأثيره المباشر. وصارت علاقة الناس بالسلطة تعتمد على مدهم بالرواتب التي تأتيهم من المانحين. وانشغل الناس بتدبير مقومات الحياة وتحت التهديد المستمر بقطع هذا الشريان الذي يمدهم بالحياة. وأصبح هم السلطة الوطنية الفلسطينية تأمين الرواتب للناس لاستمرار الحياة بأدني مقوماتها. وفي ظل الإنقسام الجيوسياسي وتدني الرواتب وارتفاع تكاليف الحياة والحصار الإقتصادي، وصل الشعب الفلسطيني الى حالة من الإحباط والذهول واليأس، كبلته عن المقاومة الشعبية للإحتلال.
• تغول السلطة الوطنية الفلسطينية (الفرع) على منظمة التحرير الفلسطينية (الأصل) بكل مؤسساتها وخاصة مؤسسة الدراسات والأبحاث والتوعية والإعلام، واختزال دورها من البسط والمقام في الرقم الفلسطيني الصعب كممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني، وصارت السلطة تمارس الإدارة الذاتية للناس دون سيطرة على الأرض وفي نفس الوقت تقود عملية التفاوض، فتداخلت المهام وغيبت الجوهر المهم واهتمت بالتفاصيل القشرية الهامشية غير المهمة، وأصبح الرقم الفلسطيني رقماً سهلاً يتم تجاوزه بسهولة ويسر، وهذا بدوره أدى الى شحوب الهوية الفلسطينية وتشويشها وتشتيتها أكثر مما هي عليه، وتجزئتها الى الداخل والخارج، وأضر وأضعف ذلك الدور والجهد وخفف كثيراً من الثقل والضغط الفلسطيني خاصة من فلسطينيي الشتات الذين أصبحوا كاليتامى الفاقدين للأم والأب، ومتفرجين على الأحداث دون حول ولا قوة، وبالتالي أدى ذلك الى تهميش دور الشتات الفلسطيني وتغييبه عن صنع القرار الوطني الفلسطيني الذي انحصر في السلطة الوطنية الفلسطينية وفي فلسطينيي الداخل المثخنين بجروح الإحتلال ، وصار الفرع يتحكم بالأصل. فصار الإبن يتحكم بالأب طبقاً لظروفه ولأحواله النفسية وأهوائه وغرائزه. وهذا أضعف الأوراق الفلسطينية التي يمكن استخدامها في مصلحة القضية الفلسطينية.
• هذا بالإضافة الى أسباب تتعلق بمعادلات القوة الدولية الفاعلة وانحيازها الكامل والصريح مع العدو، والتأييد الخجول للقوى الدولية غير الفاعلة لنا دون فعل على الأرض ودون تأثير على الموقف العام. وتمثل ذلك في غياب التحكيم العادل والنزيه، فالعقد هو شريعة المتعاقدين والذي يلجأ اليه طرفا العقد في حالة حصول اختلاف بينهما على تفسير شروطه وبنوده، وإن لم يقتنعا ببعضهما يلجأن الى طرف محكم محايد ثالث يتفقان عليه ويتعهدان بتنفيذ ما يقرره. وكلما أحيل الخلاف بين طرفي الإتفاق الى التحكيم عبر الأمم المتحدة بشكوى الطرف المتضرر دوماً وهو الطرف الفلسطيني كانت تتصدى له الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام حق النقض الفيتو لصالح حليفتها الإستراتيجية اسرائيل. وبالتالي عملت الولايات المتحدة كطرف شريك ومتضامن ومنحاز لاسرائيل ومتماهٍ ومنسجم مع موقفها ووجهات نظرها وأحبطت أي قرار أممي كان سيصدر لصالح الفلسطينيين متحدية بذلك إجماع الإرادة الدولية تجاه هذا الصراع.
• عدم وجود قرار أمريكي بإنهاء الصراع، ومصداقاً لذلك تصريح أولمرت الذي قال فيه إن اليمين الأمريكي هو من عطل التوصل الى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أن الأمريكيين هم من كانوا يفاوضون الوفد الفلسطيني في كامب ديفيد عام 2000م. وهم من أصروا على احتضان المفاوضات بين الوفد الفلسطيني والإسرائيلي بعد مؤتمر مدريد وكانوا اكثر تصلباً من الإسرائيليين. ويعود ذلك الى إبقاء المنطقة ملتهبة والصراع مستمراً لكي تستمر هيمنتهم على مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط ولكي يجدوا سوقا رائجاً لأسلحتهم. فالسلام ينفي حاجة دول المنطقة من الكيانات الصغيرة الغنية لحمايتهم وينفي تبرير وجودهم بالمنطقة. لذلك فهم حريصون على إحداث بؤر ملتهبة ونيران مشتعلة في انحاء متفرقة من العالم، ليستنجد بهم الضعفاء لحماية انفسهم من الأقوياء ولكي يرسخوا سيادتهم وسطوتهم وقيادتهم للعالم. لذلك يجب العمل على الجبهة الأمريكية بالتوازي مع الجبهة الإسرائيلية أو حتى قبل العمل على الجبهة الإسرائيلية.

يتبع الجزء الثاني حول طاقات الأمل في اتفاق اوسلو وإمكانية النفاذ منها نحو الهدف الفلسطيني المرحلي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت