ثغرات الفشل وطاقات الأمل
يعد اتفاق اوسلو عقداً من عقود الإذعان للحاجة وليس الإذعان للطرف الآخر من وجهة نظر فلسطينية متجردة من واقع الحال والظروف المحيطة، مثله كمثل عقود الإقتراض وعقود التأمين، فالشخص المحتاج مادياً أو الذي يريد التأمين على سيارته أو متجره يلجأ الى البنوك للإقتراض والى شركات التأمين طوعاً دون أن يجبره أحد على ذلك، فهو إذعان للحاجة وإضطراراً اليها نظراً لنفاذ البدائل وانغلاق السبل نحو آفاق الحلول، وليس إذعاناً للبنك أو شركة التأمين (الطرف الآخر للعقد)، وفي نيته أن يحقق هدفاً مرحلياً يخرجه من مأزقه وظروفه السيئة ليستطيع إكمال مسيرته نحو الهدف النهائي حافظاً ماء الوجه وكافاً يده عن التسول. ويوقع المقترض أو المؤَمِن عقد الإقتراض أو عقد التأمين مع ملحقاتهما دون التمحيص في قراءة بنوده المكتظة والمتراصة والمسترسلة والمستطردة والمكتوبة بخط متناهٍ بالصغر، وهو يعلم أن جميع هذه البنود تصب في صالح البنك أو شركة التأمين (الطرف القوي المقتدر)، ولكن الحاجة الماسة والملحة دعته الى ذلك مكرهاً أخاك لا بطل، حيث لم يجد سبيلاً الى القرض الحسن أو مساعدة من المقتدرين على إعانته، وهو في واقع الحال لا يستطيع تعويض الخسائر الناجمة عن حوادث السيارات وحوادث الدهس بإمكانته المحدودة. بمعنى أنه صار حكم القوي على الضعيف، وحكم المقتدر على المحتاج.
وإن أجاد المُقترِض حساباته بدقة بناءً على مصادر الدخل والمصروفات بحيث تجعله قادراً على التطبيق والوفاء دون الإضرار بمقومات الحياة الضرورية له ولمن يعيل، وأحسن أداءه في سداد القرض أو أحسن المؤمِن قيادة سيارته، فسوف يقضي حاجته متحملاً الفائدة البنكية أو قسط التأمين. وبعد تسديد التزاماته وتحقيق حاجته جزئياً أو كلياً يمزق العقد ويرميه في سلة القمامة غير آسف عليه. وأقدم على هذا العمل غير المحبب للنفس متسلحاً بالآية الكريمة "إنما حرم عليكم الميتتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله، فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه، إن الله غفورٌ رحيم" والآية الكريمة "فمن اضطر في مخمصةٍ غير متجانف لإثم فإن الله غفورٌ رحيم" وعلى القاعدة الشرعية المستنبطة من هدي القرآن الكريم "الضرورات تبيح المحظورات".
فهنا سمح الله بتجاوز منطقة الحلال الفسيحة الواسعة الى منطقة المشتبهات والمحظورات ويتخطى ذلك ليصل الى منطقة المحرمات الضيقة من أجل أن يتقي المرؤ التهلكة، دون أن يكون المبرر شهوةً أو أن يكون المرؤ دون حاجة ماسة له. معتمداً على نيته الصافية (إنما الأعمال بالنيات).
وتوقيع الإتفاقيات مع الأعداء بعد وزن لمعادلات القوة لحماية النفس والأتباع من التهلكة والنكوص، لم يصل الى منطقة التحريم المنصوص عليها في الآيتين الكريمتين على الرغم من الظلم الواقع على المظلوم، لأن المحرمات وردت نصاً صريحاً بالقرآن الكريم، وما دون ذلك يعتبر حلالاً، تماماً كما فعل رسولنا الكريم في صلح الحديبية الذي كانت معظم بنوده تصب في صالح الكفار، وكما وقع صلاح الدين منتصراً اتفاقية مع الصليبيين بعد تحريره القدس مع بقاء جزء كبير من فلسطين تحت سيطرة الصليبيين، وبعد ذلك تم التحرير الكامل على يد المماليك بعد أن تغيرت موازين القوى، ودانت القوة للمسلمين. وذهبت الإتفاقية أدراج الرياح تماماً كما ذهب اتفاق صلح الحديبية بعد فتح مكة وأصبح فعلاَ ماضياً. وكما مزق المقترض عقد القرض بعد سداده ومروره بسلام دون أضرار سوى الأضرار المادية.
لذلك انطوى اتفاق اوسلو بصفته عقد إذعان للحاجة الملحة (وليس إذعاناً للطرف الآخر) على ثغرات كثيرة، وطاقات أمل قليلة قياساً بالحق الفلسطيني. ولكن المتبصر الواعي للأمور والمتسلح بالصبر والإيمان بحقه المقرون بعمله الدؤوب والمخلص والمؤمن ايماناً راسخاً بربه، بإمكانه سد الثغرات الكثيرة برصدها بعين ساهرة، ومنع خطر الإختراق من خلالها، وتجاوزها والعبور باتجاه هدفه الإستراتيجي خطوات مرحلية على الطريق الطويل لإتمام الوصول للهدف النهائي وملامسته من خلال طاقات الأمل القليلة. لتفتح له طاقات أوسع مستقبلاً وتسهل حركته للهدف النهائي البعيد، كما قال الطغرائي في لامية العجم:
أُعلّلُ النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ
من ثغرات الإتفاق:
1. عدم الإشارة الى المرجعيات الدولية القديمة التي واكبت النكبة من بدايتها والتي تعطينا حقوقاً اكثر من المرجعيات الدولية اللاحقة وخاصة القرار رقم 181 (حيث لا ينتفي بالتقادم ولا يجبه ما جاء بعده من قرارات) والذي ينص صراحة على اقامة دوليتين في فلسطين، وبُني الإعتراف الدولي بإسرائيل على هذا الأساس ويعطينا حوالي 45% من مساحة فلسطين التاريخية، وذلك من أجل أن نعلي من سقف المطالب المرحلية، لنصل الى المطالب الملحة الآنية المنصوص عليها في القرار 242 والذي يعالج حالة طارئة نتجت عن احتلال أراضي بالقوة وتراكمت مع الأحداث الآولى في بند الخسائر على الجانب الفلسطيني في الصراع لتزيد من عمق الجريمة وجراحاتها. ونجح العدو من اختراق هذه الثغرة بفرضه وقائع جديدة على الأرض، وتم خفض السقف لمطالبنا العادلة والمستحقة حتى نسينا حقوقنا الثابتة من المنظور الدولي للقضية. فأصبح السقف الدولي للفلسطينيين أعلى من سقفنا بالضِّعف ونيّف في المفاوضات، حيث انخفضت نسبة رقعة الأرض التي نطالب بها من 46% الى 22%. والقانون هنا لا يحمي المغفلين إن سكتوا عن حقهم ولم يحسنوا التعامل معه سياسياً وقانونياً.
2. عدم وجود مرجعية قضائية قانونية قادرة على تنفيذ أحكامها الصادرة وفرض الحلول على المختصمين وذلك للرجوع اليها في حالات الخلاف والإختلاف بين الطرفين على تفسير بنود الإتفاق لتعطي الحكم القانوني العادل، وتنصف الطرف الضعيف الذي يعجز عن استرداد حقه بالقوة. ففي كل عقد أو اتفاق ثنائي مهما كانت طبيعته يجب أن ينص العقد أو الإتفاق في أحد بنوده على ضرورة الإحتكام لطرف ثالث قانوني قضائي نافذ الحكم ليفض الخلاف أو النزاع الناشيء بين الطرفين المتعاقدين. وفي الحالة تلك كان يجب النص في الإتفاق على وجوب اللجوء للتحكيم الدولي بصفته صاحب القرارات حول النزاع والتي تشكل الإطار القانوني للحل، ليكم بفض النزاعات، وليس خاضعاً للتحكيم بلجنة مشتركة من طرفي النزاع يتحكم فيها الظلم بالمظلوم.
3. عدم النص على وجود راعٍ ومراقب محايد في الإتفاق، من مهامه الإشراف على إجراءات تنفيذ الإتفاق وعلى الإلتزام بجدوله الزمني ومراقبة تأدية الإلتزامات المنصوص عليها بالإتفاق لكل طرف، وإن غياب الراعي المحايد والحكم العدل يجعل الحكم على نقاط الإختلاف منوطاً بالطرف القوي على الأرض دون رادعٍ أو حتى شاهد عدل وهذا ما حصل واقعاً نعيشه. وهذه الثغرة ابتدعها هنري كيسنجر للإنفراد بكل طرف عربي على حدة (سياسة الخطوة خطوة وتجزئة الطرف العربي في الصراع الى خمسة فرقاء)، مما أتاح لإسرائيل ومن ورائها حلفائها الإنفراد بكل طرف، وأعطاها مساحة شاسعة للمناورة والتمييع. وقد استغلت اسرائيل تساندها الولايات المتحدة التي أصبحت الراعي الوحيد لهذا الإتفاق هذه الثغرة، وحيدوا متضامنين متكافلين كل المؤيدين للحقوق الفلسطينية الدولية، وسيطرت الولايات المتحدة على قرارات اللجنة الرباعية تسيرها وفق الأهواء الإسرائيلية.
4. تأجيل قضايا الوضع النهائي (لب الصراع) وهي القضايا الأساسية في الصراع الى ما بعد انتهاء فترة السنتين على حكم ذاتي مرحلي وخاصة قضية القدس بالذات. ولو أجلت مثلاً قضية حق العودة لما لحق بنا ضرر كبير كما لحق بنا اليوم في تأجيل قضية القدس، وهذه الثغرة نفذ منها العدو وأطال التفاوض عليها لمدة عشرين عاماً بدلاً من خمس سنوات. ونسي العرب والفلسطينيون ما قاله اسحق شامير بعد مؤتمر مدريد للسلام عن تمديد المفاوضات الى أجل طويل. وهذا ما حصل فعلاً حيث أغرقت اسرائيل المفاوضين الفلسطينيين بالتفاصيل الهامشية الطويلة غير الجوهرية وحققت مقولة اسحق شامير وزادت عما كان في نيته. وغيرت الوقائع على الأرض بلغت جلها وخطورتها في مدينة القدس التي هي بمثابة شريان الحياة للدولة الفلسطينية الموعودة.
5. حدث خطأ اجرائي فلسطيني في المفاوضات، وهو تحييد فلسطينيي الشتات وفلسطينيي القدس من المفاوضات، بمعنى آخر تحييد منظمة التحرير الفلسطينية (الخيمة الجامعة للكل الفلسطيني) والتي ابتلعتها السلطة الوطنية وأفقدتها دورها وهيكليتها ومزقت نسيجها، واقتصرت عضوية المفاوضات على فلسطينيي الأراضي المحتلة المثخنيين بجروح الإحتلال وحصاره الإقتصادي، ومتطلبات الحياة الثقيلة على كواهلهم لوجودهم داخل أحشاء الوحش، وتشابك مصالحهم مع العدو ونفوذه وسطوته وإغراءاته، بالعصا تارة وبالجزرة تارة أخرى، مما أدى الى إختراق العدو للنفوس المريضة، وتحييد النفوس المتعافية، وإهمال قضايا النازحين واللاجئين ومعاناتهم اليومية على حد سواء واخراجهم من المفاوضات توطئة لتوطينهم أينما وجدوا.
6. الموافقة على ربط الإقتصاد الفلسطيني بالإقتصاد الإسرائيلي وغياب التمويل الدولي المحايد والتمويل العربي المساند للإقتصاد الفلسطيني، مما كبل المفاوض الفلسطيني وجعله تحت سياط قطع المساعدات من المانحين وعلى رأسهم الولايات المتحدة. وانتظار التحويلات لصرف رواتب الموظفين، وأجاد العدو اختراق هذه الثغرة بتحكمه بمقدرات الحياة الفلسطينية، وتهديده المستمر بوقف العائدات الجمركية كلما وكيفما شاء. وأصبح القرار الفلسطيني مرتهنا بالوضع الإقتصادي.
7. وجود نصوص غير صريحة وغير واضحة وغير قاطعة لغوياً بحيث تحتمل التلاعب والتأويل للتهرب من الإلتزامات. وهذه الثغرة نجح العدو باستغلالها استغلالاً بارعاً كعادته بالتحريف والتأويل وعمل على تأويلها وتفسيرها لصالحه وحوّل القضية من أرض محتلة الى أرض متنازع عليها.
8. كان يتوجب العمل على تخفيض نقاط القوة وأوراق الضغط التي يمتلكها العدو الى حدودها الدنيا قبل البدء في تنفيذ الإتفاق، كورقة الأسرى على سبيل المثال، وقوانين اعتقال الفلسطينيين، ومصادرة الأراضي، وإزالة المستوطنات والحواجز ومنع هدم البيوت قبل البدء في المفاوضات وذلك منعاً للمساومة وشراء المواقف وذلك بهبات ينتزعها منا العدو هي أصلاً لنا ويقدمها كبادرة حسن نية ويتمنن بها علينا لقاء التنازل عن المواقف المبدئية الثابتة. فصار يسلب منا حقوقنا المشروعة في وضح النهار، ويساومنا عليها بمقابل منا إن طالبنا باسترداها. وكأننا ندفع الفاتورة للعدو مضاعفة من حقوقنا.
9. حيث اعتمدت القرارات الدولية مرجعية وأطر للإتفاق كان من الواجب الإصرار على تبني الأمم المتحدة للإتفاق، وضرورة المصادقة عليه من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والتوقيع عليه من طرفي الإتفاق في الأمم المتحدة، وليس في حديقة البيت الأبيض. وإن تلك الخطوة لو تمت لكانت كفيلة بمنع الفيتو الأمريكي من الإستخدام حيث يتناقض مع تعهداتها المكتوبة والموقعة، ولأتاحت الفرصة لمشاركة الدول المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني بشكل فاعل.
الثغرات كثيرة كما أسلفنا لأن الإتفاق يُعد من عقود الإذعان، ولا يفيد كثيراً الحديث فيها وعنها لأن الإتفاق وقّع وأصبح واقعاً استفاد منه العدو ونعيش نتائجه السلبية علينا، ونتسابق ونتصارع على افرازاته، لذلك يتطلب منا التعامل معه بكل وعي وحذر.
أما طاقات الأمل التي فتحت وكان بإمكاننا العبور منها وإنجاز مرحلة من مراحل التحرير أهمها كنس الإحتلال الجاثم على الأرض لنقترب خطوات قليلة من الهدف وهي:
1. (طاقة النازحين عام 1967م)، كان يتوجب على المفاوض الفلسطيني على كل الصعد التي تتناول جميع القضايا أن يكون متحرراً من ضغوطات الإحتلال ومشاكله وهمومه وأن يكون دارساً بعمق بنود الإتفاق، لجني المكاسب التي يجيزها الإتفاق وفي اسرع وقت ممكن، لكي لا يمارس عليه الضغط والمساومة. ومن تلك القضايا الملحة والقانونية الواضحة، وسهلة الحل والتطبيق قضية نازحي 1967م. فالإتفاق يعترف بهم كمواطنين فلسطينيين في الدولة الموعودة ومن حقهم المشاركة بالإنتخابات الفلسطينية وكذلك بالمفاوضات، ولدى ممارسة الضغط من الجانب الأمريكي على السلطة الفلسطينية بإجراء الإنتخابات كان من الممكن استغلال هذه الطاقة بالموافقة على اجراء الإنتخابات بشرط عودة النازحين عام 1967م وممارسة حقهم بالإنتخاب. ومنها كان من الممكن إعادتهم لموطنهم الذي هجروا منه قبل إجراء الإنتخابات. فحقهم واضح وضوح الشمس لا لبس فيه، وإن عملية عودتهم سهلة الإجراء ولا تتطلب مفاوضات معقدة، فالكشوفات متوفرة لدى حكومة الإحتلال ولدى الجانب الأردني والجانب المصري. وكان على السلطة الفلسطينية الإهابة بالجانبين الأردني والمصري بصفتيهما يقيمان علاقات سلام مع الجانب الإسرائيلي بالدعم القوي لهذا التوجه وإضافة جهديهما على الجهد الفلسطيني لإحداث اختراق للموقف الإسرائيلي المتعنت. وبذلك نكون قد حققنا مكسباً ديمغرافياً هاماً يشكل ورقة ضغط على الطرف الإسرائيلي وعلى كل الأطراف الراعية والمعنية بحل الصراع، ومانعاً نسبياً لزيادة الإستيطان. وما حدث هو أن اسرائيل تمننت علينا بتثبيت حوالي 55 ألف زائر مخالف وتلكأت وتمنعت في عودة الآخرين وقامت بتطبيق قانون أملاك الغائبين وصادرت الأراضي وتوسعت.
2. استناداً الى مباديء الإتفاق كان بالإمكان تنظيم اتفاقية أمنية بشروط تفاضلية ومحسنة أكثر بكثير مما هي عليه الآن. حيث أناط الإتفاق مسئولية الأمن الداخلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة للجانب الفلسطيني. من هذا المنطلق كان يمكن الحد من التدخلات الإسرائيلية في الشئون الداخلية للمواطنينن الفلسطينيين، وإزالة الحواجز الأمنية التي تعيق حركتهم وتواصلهم وتسليمها للسلطة في أول جلسة تفاوض. وكان بالإمكان انتزاع سيادة أمنية فلسطينية داخلية كاملة، وإعطاء السلطة نوعاً من السيادة الداخلية، كالحق في منح تأشيرات الزيارة لفلسطينيي الشتات والأخوة العرب للأسباب الإنسانية والدينية لزيارة المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وبيت لحم والخليل دون المرور على الرقيب الإسرائيلي.
3. استناداً الى مباديء الإتفاق المبني على قرار 242 والذي يؤكد على عدم جواز الإحتلال لأراضي الغير بالقوة، كان يتطلب من الجانب الفلسطيني الطلب من اسرائيل قبل البدء بالمفاوضات اعلان إلغاء قرار الضم للقدس الشرقية في حينه، واعتبار المستوطنات التي اقيمت على الأراضي المحتلة بأنها من أعمال الإحتلال وستزول مع رحيل الإحتلال حتى لا تكون الأراضي المحتلة متنازعاً عليها بين الطرفين كما تدعي اسرائيل اليوم، والحصول من اسرائيل على تعهدات مكتوبة في هذا الإطار قبل الشروع في تنفيذ الإتفاق أو تضمين ذلك بملاحق الإتفاق الموقع. كان بالإمكان استغلال هذه الطاقة التي فتحها الإتفاق بمفاوضين متحررين من قيود الإحتلال ومنغصاته على حياة الناس.
وكما أشارت الدراسة التي أعدها السيد عبد الرحيم جاموس بعنوان الإطار المرجعي السياسي والقانوني لإتفاق إعلان المباديء الفلسطيني الإسرائيلي – إتفاق أوسلو في 13 سبتمبر 1993 فقد ورد فيه مباديء ايجابية لصالح القضية تفتح طاقات من الأمل، وكان بالإمكان استغلالها والوصول الى نتائج ايجابية في ميزانية القضية، ولكن كان التطبيق مختلفاً عن النظرية والمباديء للأسباب التالية:
1- عدم الجاهزية السياسية للشعبين لتطبيق الإتفاق، وعدم الإلتفاف الشعبي والتنسيق الفصائلي حول فرسان الإتفاق (ياسر عرفات وإسحق رابين) من كلا الشعبين، حيث كان اسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي ورئيس حزب العمل مقتنعاً بالسلام ومصمماً على المضي في التطبيق، لكنه عجز عن استمرار تطويع اليمين الإسرائيلي لمسار العملية السلمية، ولم يستطع اليمين الإسرائيلي الذي تنامت شعبيته بسبب العمليات العسكرية ضد المدنيين الإسرائليين من المعارضة الفلسطينية كطرف معارض إزاحة رابين وثنيه عن هذا الطريق الا بتصفيته جسدياً للتمهيد لإنتخابات جديدة سيفوز بها اليمين الإسرائيلي. وهذا ما حصل. بالمقابل فإن المعارضة الفلسطينية للإتفاق بدأت مقاومة مسلحة ضد المدنيين الإسرائيليين، وفي نيتها إفشال الإتفاق وليس المقاومة الوطنية، وساعدت تلك العمليات في تنامي شعبية اليمين المتطرف في اسرائيل. وبدا وكأن هنالك تحالفاً وتناغماً بين معارضتي الشعبين للوصول الى نتيجة مخيبة لآمال الشعبين في السلام. وكان لهما ذلك، وفازا بالإنتخبات وأفشلا تطبيق الإتفاق.
2- خاض المفاوض الفلسطيني المفاوضات مكشوف الظهر وغير مستند على حائط، ومطعوناً بالظهر من الأخ والصديق والعدو بعكس المفاوض الإسرائيلي الذي كان يستند على حائط اسمنتي مسلح وهو الولايات المتحدة الأمريكية التي حمت ظهره سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وفي جميع المحافل الدولية. وبحكومة متطرفة عنصرية، وكان المفاوض الإسرائيلي يملك أوراقاً كثيرة ومتعددة مقارنة بالمفاوض الفلسطيني منها على سبيل المثال لا الحصر، الأسرى، الحواجز، الإقتصاد، المستوطنات، حركة المواطنين الفلسطينيين وتنقلهم داخلياً وخارجياً وعلى رأسهم مسئولي السلطة والفصائل ، القوة على الأرض، التفوق السياسي والدبلوماسي المدعوم من القوى الفاعلة، وسائل الإتصالات والتصنت المتطورة، الإعلام الدولي الموجه للقوى الفاعلة، وفي كل اجتماع تفاوضي أمني أو سياسي يمن علينا العدو بإطلاق اسير أنهى محكوميته، أو معتقل إداري أو إزالة حاجز ثانوي، أو السماح لمسئول بالتنقل من مدينة لمدينة. وهكذا وصلت الأمور الى ما نحن فيه اليوم. ولكن كيف الخروج من هذا الوضع المتجمد وهذا المأزق الذي نحن فيه اليوم كنتيجة للإتفاق.
يتبع الجزء الثالث :الخروج من مأزق اوسلو
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت