فلسطين تتحدى

بقلم: عباس الجمعة


عندما يتوقف الانسان امام ما تشهده فلسطين وهي تتحدى العدوان والاحتلال والاستيطان الصهيوني ، هذا الاحتلال الذي تجاوز كل الحدود الإنسانية والقانونية والأخلاقية والأعراف, بحيث لم يسلم من ارهابه الشجر والحجر والبشر ، نسأل عن اي سلام نتحدث في ظل التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني.
ونحن عندما نرفع الصوت عاليا من اجل نقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة واللجوء الى الشرعية الدولية، نتطلع الى ضرورة ان تقوم الامم المتحدة بتنفيذ قراراتها على أرض الواقع.
ان القضية الفلسطينية باتت اليوم بحاجة الى اعادة رسم استراتيجية النضال والتمسك بخيار المقاومة بكافة اشكالها بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي ولتحقيق سلام شامل يعيد موازين القوى، لاننا ما نسمعه ان المفاوضات أصبح استئنافها محكومًا ببوادر حسن نوايا دون أي شيء آخر.
ونحن نرى ونسمع تصريحات قادة الاحتلال الذين اصبحوا يختزلون الصراع في بوادر حسن نية واجتماعات علاقات عامة يطلق عليها اسم "مفاوضات"، ولا اعتبار لأي مرجعيات تفاوضية واتفاقيات قائمة أو قرارات شرعية دولية في هذا الشأن،بينما يستمرون باعمالهم العدوانية على الأرض وارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني من اغتيالات وتهجير وممارسات عنصرية وجرائم حرب وانتهاكات ضد الإنسانية، متزامن مع عمليات التهويد في مدينة القدس المحتلة وتغيير الهوية العربية للمدن الفلسطينية .
اننا نتفاجأ بالتمسك بخيار المفاوضات مع حكومة احتلال التي شرعت الاستيطان في الضفة الغربية وقالت بأنه لا يتناقض مع القانون الدولي، وبالتالي من حق الإسرائيليين السكن في أي منطقة في الضفة الغربية، وأيضاً تقديم التسهيلات لليهود لشراء الأراضي في الضفة الغربية، وهذا ما جاء في تقرير لجنة ليفي الصهيونية التي شكلها نتنياهو لهذه الغاية والغرض. وهذا التقرير عدا عن كونه يشكل تحد سافر للمجتمع الدولي وقرار مؤسساته المختلفة وقرار المحكمة الدولية في لاهاي عام 2004، فإنه يقبر حل الدولتين الى غير رجعة.
ان قادة الاحتلال يدركون تمامًا انها اللحظة التاريخية التي تسمح لهم بتقويض كل ما بني، والاتجاه نحو ما رسموه من مزاعم وأحلام تلمودية وتصفية القضية الفلسطينية، فقد وفر لهم ما يسمى "الربيع العربي" أفضل الظروف وأغلى الفرص لتمرير مؤامرتهم الكبرى في المنطقة، وما يطلقونه من تصريحات عن رغبتهم في استئناف المفاوضات، وتقديم بوادر حسن نية وغيرها، لا تعدو عن سخافات واستخفاف واستهلاك إعلامي وإشغال الرأي العام العالمي بها لاستغلال عامل الوقت ليس إلا، ومن هنا يجب ان لا نعول على زيارة سفيرة الدبلوماسية الأميركية هيلاري كلينتون قريبًا إلى فلسطين المحتلة، فهي زيارة لن تختلف عن زياراتها السابقة وزيارات من سبقها من المسؤولين الأميركيين، فهي زيارات ذر للرماد في عيون العرب وتطمين للكيان الإسرائيلي الغاصب، حليفهم ورأس رمحهم في المنطقة.
وامام ما يتعرض له الشعب الفلسطيني على ارض وطنه ، ترتكب بحقه في الشتات افظع المجازر في مخيمات الصمود في سوريا على مرأى ومسمع العالم ، وخاصة في مخيمات النيرب وحندرات واليرموك ، وخاصة ان الشعب الفلسطيني اكد منذ بداية الازمة السورية بانه لن يكون عامل فرقة ونزاع يساهم في تأجيج نار العداوة بين الأخوة في الوطن الواحد ، وحرصه على الدماء الغالية التي تنزف وضرورة وضع نهاية تجنب المدنيين والأبرياء التعرض لخطر القتل، هذا الشعب العظيم الذي لن ينكفئ عن متطلبات نضاله المحق والعادل، مهما كانت التضحيات والمحاولات اليائسة من القوى المعادية والتي تهدف للحيلولة بينه وبين تحقيق أهدافه.
وفي ظل هذه الظروف الدقيقة والواقع المؤلم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني شكل العودة الى ملف اغتيال الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات ، منعطفاً جديدا في القضية الفلسطينية، حيث يتزامن فتح هذا الملف من قبل قناة الجزيرة مع تزايد العدوان المتواصل على الارض الفلسطينية وتصعيد وتيرة الاستيطان، وسياسات فرض الأمر الواقع ومحاولات اقتطاع أكبر كمية من الأراضي في الضفة الغربية والقدس لصالح المستوطنين.
ان اغتيال الرئيس الشهيد كان معروف منذ اللحظة الاولى لحصاره في مقر المقاطعة وخاصة ان هذه العملية اتت في سياق تناغم امريكي صهيوني للتخلص من رئيس الشعب الفلسطيني ، ويجب أن يعرف الفلسطينيون والعرب حقيقة ما جرى، لتبديد أي شكوك من شأنها أن تغذي حالة الضياع والانقسام والتشتت التي تعيشها القضية الفلسطينية هذه الأيام.
ولذلك لابد من دعم رسمي لجهود القيادة الفلسطينية عربيا ودوليا لتشكيل لجنة تحقيق في اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتأمين كافة أشكال الدعم لها من الجهات كافة، وتزويدها بصلاحيات تخولها الوصول إلى الحقيقة لعرضها على الملأ، دون تحفظات أو اعتبارات.
ان ما يتعرض له الاسرى الابطال من وحشية القمع الاعتقالي العنصري الصهيوني ذلك لتركيع إرادة الأسرى لن تثني من عزيمتهم الجبارة ، وهذا يتطلب من القيادة الفلسطينية و كافة القوى والفصائل أن تحشد كل طاقاتها على المستوى الوطني والعربي والدولي من اجل توفير الحماية للاسرى وللاسيرات، و التوجه للمحافل الدولية، من خلال هيئة قانونية سياسية على مستوى رفيع من الكفاءة والخيرة من أصدقاء الشعب الفلسطيني في العالم لتقود معركة اسرى الحرية في المحافل الدولية ، فالرأي العام الدولي بات اليوم أكثر من أي وقت مضى واعيا تماما للبطش الصهيوني العنصري في مبادئ حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني ليس فقط لحقوق الاسرى بل وللقضية الفلسطينية برمتها.
وغني عن القول لا بد من القول ان على الجميع ان يعمل على تطبيق اليات اتفاق المصالحة وبحزمة واحدة لا تقبل القسمة أو التدريج، من اجل المصلحة العليا للشعب الفلسطيني والاصغاء إلى صوته الداعي إلى إنجاز ملف المصالحة بأقصى سرعة ممكنة، لأن التأجيل يعني مزيداً من الخسائر التي لم يعد الواقع الفلسطيني يحتملها.
ختاما : ان تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية وتوطيدها والعمل على الارتقاء بمستواها بما ينسجم ومتطلبات النضال الوطني وتفعيل هيئات ومؤسسات منظمة التحرير القيادية على اسس جبهوية بهدف ترسيخ العلاقات الديمقراطية بين مختلف القوى في اطار منظمة التحرير الفلسطينية وحل كافة التعارضات الناشئة من خلال الحوار يؤكد على اهمية الخط الناظم ، لان الوحدة هي السلاح الامضى لازالة الاحتلال وكذلك التمسك بخيار المقاومة بكل اشكالها حتى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت