سلفيت – وكالة قدس نت للأنباء
بابتسامة صفراوية رحبت بنا... وبدمعة الأمل والحسرة استقبلتنا ... صامدة أو تتظاهر بذلك , تهتز وجدانها , تفيض مشاعرها... وتطبع قبلة صامتة حارة بلهفة على وجه ابنها في صورته التي تلازمها أينما ذهبت... لا تستطيع الوصول إليه لتلقاه من خلال إحساسها في رسائل تسطرها في الهواء بقلبها ودموعها وأشواقها, تزود قلبها البائس بالأمل... فتقاوم والدة الأسير رامي راتب الديك مرضها لترى ابنها حرا بين أفراد أسرتها وفي بلدته كفر الديك الواقعة بمحافظة سلفيت. شمال الضفة الغربية.
حتى الطفل الرضيع لم يسلم من السجن..
ألقت جسدها المتعب في المقعد ,وفي لهجة تختلط مشاعرها ما بين الصمود والحسرة والخوف على ابنها الأسير رامي بادرتني الحديث قائلة"من أين ابدأ لا اعرف!؟ وما يزيد من آلمي ما أصاب رامي وهو بعيد عني, ولا يوجد من يرعاه,صمتت لثواني".
وبتنهيدة تواصل والدة رامي حديثها لزميلتنا عهود الخفش قائلة "لم يترك الاحتلال أحدا في أسرتي إلا واعتقلته حتى أنا, ففي الانتفاضة الأولى وفي عام 1987 تم اعتقال زوجي لمشاركته في فعاليات ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي اغتصب الأرض واحتلها, وقاموا بتعذيبه اشد العذاب, وحكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات, وبعدها بأيام من اعتقال زوجي قاموا باعتقالي أنا وابني ثائر وكان عمره 25يوما, بحجة مساعدة زوجي في الفعاليات ضدهم, قاموا بالتحقيق معي لمدة يومان واستخدموا أساليب التعذيب اللفظي والنفسي بحقي, لدرجة أنهم قاموا بإحضار زوجي وهو في حالة يرثى لها ووضعوه أمامي , ومع هذا كنت قوية لكي اثبت لزوجي أننا صامدون."
تتوقف والدة رامي وكأنها تستذكر شيئا ما لتعود لمواصلة حديثها " كنت ارفض ما يقدمونه لي من طعام لأنني رأيت إحدى المجندات وهي تضع حبة من الدواء داخل كوب من العصير, واخذ الشك يعيش في داخلي أن هذه حبوب لكي تجعلني أتحدث أشياء بدون وعيي, ولهذا لم أتناول أي شيء يقدمونه لي وبقيت صائمة لمدة اليومان وكنا في شهر رمضان,إلى أن قاموا بإخلاء سبيلي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ".
وتكمل بلوعة وحسرة الأم قائلة"أصبحت أنا الأم والأب ل11 ابن, فقمت برعايتهم, عملت في الزراعة وفي جمع الحطب وبيعه من اجل توفير احتياجاتهم ,إلى أن كبروا, وأصبحوا شبابا , والحمد لله تم تربيتهم على حب الوطن والتحدي والصمود, واخذوا السير على نهج والدهم في دفاعهم عن الأرض. ولم اخجل بيوم من الأيام بما فعله أبنائي فهذا فخرا لي ولأبيهم, ولم نندم على فعل شيء ".
وتواصل والدة رامي حديثها قائلة" ولم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عند هذا الحرمان والمعاناة ليقوموا باعتقال زوجي مرة أخرى وكانت بتاريخ 17/6/ 98 ومكث في الاعتقال ثمانية أيام".
اعتقال ... ضرب... دمار... سرقة..
وبفيض من مشاعر الحزن العميق تلتقط والدة رامي أنفاسها لتواصل حديثها معنا قائلة": ما أصعبها من ليلة ,تلك الليلة التي حرمني منها الاحتلال الإسرائيلي من أبنائي رامي ومحمد ومجدي قاموا باعتقالهم في ليلة واحدة,لم أنسى ذلك التاريخ 12/7/ 2001 , وبعدها بعام تم اعتقال فادي بتاريخ 2/4/2002 ليخرج من اعتقاله عام 22/ 12/ 2002 ,و رامي خرج من السجن في عام 12/9/2003 , ومحمد 21 /2/2005, ومجدي 29/1/ 2004.
صمتت لتنهال بالدموع وبكلمات متقطعة تتحدث": لم يعطينا الاحتلال مجالا لأفرح بأبنائي ليعودوا لاعتقال رامي مرة أخرى بتاريخ 13/1/2006 , وقضى في السجن لمدة عام. وفي هذه الليلة السوداء لم يترك الاحتلال أسلوبا إلا واستخدموه بحقنا, ففي تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل تم اقتحام البلدة بأكثر من 40 جيب عسكري, وتم محاصرة بيتنا من كل الجهات إضافة إلى الجرافة التي اخذوا بتهديدنا بهدم البيت, واستخدام الكلاب التي نهشت يد والدة زوجي,كل هذا من اجل اعتقال رامي,فاعتقلوه.. تاركين ورائهم دمارا,قاموا بإخراج كل من في البيت, الصغير قبل الكبير ووضعنا في الشارع تحت المطر,وقاموا برمي زوجي في قناة مياه واخذوا بركله بأرجلهم ,ولم تقف وحشيتهم عند هذا الحد بل قاموا بسكب مونه البيت من طحين وزيت وسكر وملح وخلطهم معا, لعدم الاستفادة منهم, وكذلك تخريب "ماتور" معظم الأدوات الكهربائية من ثلاجة وغسالة , وتم حرق غرف النوم وتكسير النوافذ والتي ما زالت شاهدة على عنصريتهم وأعمالهم الوحشية, والأكثر من هذا قاموا بسرقة ذهب لزوجة ابني فادي بقيمة ثلاث آلاف دينار, وبقيت عمليتهم هذ لغاية الساعة الواحدة ظهرا,فهذا هو الاحتلال ولا يسعني أقول شيئا غير حسبي الله ونعم الوكيل " .
وتستأنف والدة رامي حديثها بعد نفس طويل فتقول" وبعد شهر من اعتقال رامي قاموا باعتقال مجدي مرة أخرى بتاريخ 4/2/2006 وقضى في السجن لمدة عام , اكتملت فرحتنا لوجود أبنائي من حولي ليعود الاحتلال من حرماننا من هذه الفرحة, ليقوم باعتقال محمد بتاريخ 8/6/2007 , وبعدها باعتقال رامي للمرة الثالة بتاريخ 18/5/2008 وتم الحكم عليه ب 8 سنوات وغرامة مالية قدرها 10 آلاف شيقلا, ولغاية الآن ما زال موجودا في الأسر, ومن ثم اعتقال مجدي للمرة الثالثة بتاريخ 12/11/ 2010 ليمكث في الأسر لتاريخ 30/6/2011 .
رامي في خطر أنقذوه..
"يا ريت اقدر أشوفه واحضنه " بهذه الكلمات عادت والدة رامي لمواصلة حديثها بعد صمت طويل قائلة": كان رامي في سجن "جلبوع" لمدة سنة وأربع شهور, وبعدها تم نقله على سجن "مجدو" ولغاية الآن موجود فيه, كان يعاني لوجود حبة بالقرب من عينه ,وهي ما نعرفها ب" الشحاد",وأخذت تؤلمه وطلب من إدارة السجن أنه يريد العلاج لعينه, وأثناء تواجده عند الطبيب جاء إحدى السجانين, الذي اخذ بالحديث مع الطبيب وقال له " نريد أن نتخلص من رامي" قالها باللغة العبرية, لم يعرفوا أن رامي يفهم هذه اللغة,ولم يفهم رامي ما الذي يعنيه هذا السجان , وبعدها قام الطبيب بوضع قطرة في عين رامي والذي اخذ بالنوم لفترة طويلة ليصحى من نومه لا يرى شيئا والدموع تذرف من عينه, ليصرخ بأعلى صوته لم أرى شيئا".
عندها أدرك رامي ما كان يعنيه ذلك السجان. ولم يكتف الحال عند حرمانه من بصره بل قامت سلطات الاحتلال بفقدانه للسمع , من خلال وضع قطرة في أذنه عندما تألم رامي من ألم في رأسه,ووجود حبه وراء أذنه, إضافة إلى الألم الحاد في معدته, ولا يستطيع تناول الطعام, واستفراغه المستمر لقطع من الدم من معدته".
وتضيف": عرفنا بالخبر وذهبنا الى وزارة شؤون الأسرى ولنادي الأسير لتكون نتائج التقرير أن نسبة العجز في بصره 90% وفقدانه للسمع بنسبة 80% , يا ريتني اظمه يا ريتني هي انا من ترعاه", صمتت وأجهشت بالبكاء ..
ليواصل الحديث أخيه مجدي والذي تم اعتقاله بتاريخ1/4/2010 قائلا" لا شيء في الحياة كسر ظهري مثل أخي رامي , قضيت سنة حكمي معه, وكنت أرى معاناته وأنا من كان يرعاه .
وبنبرة حزينة يكمل مجدي" رامي لم يعد هو أصبح عاجزا لا يرى إلا من قريب ولا يسمع إلا بالصوت العالي,والآن من يرعى رامي؟؟ . اخذ صوته يضعف ليختفي لتسقط دموعه بعد أن خانته".
لملمت قوتها وشدت أعصابها لتعود والدة رامي مرة أخرى لمواصلة حديثها وهي تشير بيدها على طفلة صغيرة يتجاوز عمرها ال(4 سنوات) قائلة": هذه ابنة رامي والتي جاءت إلى الدنيا وأبيها بعيد عنها ,عرفها من خلال زيارتها له مع أمها وأخيها, هم من يزوره وباقي أسرته مرفوضين امنيا, ولكن لم اترك بابا إلا وطرقته, فذهبت للصليب ولحقوق الإنسان من اجل التدخل لزيارة ابني, وبعد عناء طويل تم السماح لي لزيارته قبل ثلاث سنوات ويا ليتني لم أرى رامي بتلك الظروف ,جاءني وهو يضع بشكير على وجهه وعند سؤاله قال لي " يا أمي لم اعد أرى جيدا واضع البشكير من اجل حجب أشعة الشمس والإضاءة لأنها تزيد آلامي" حضنته بقوة والدموع لم تفارقنا ويا ليتني احتضنه مرة أخرى, ومن ذلك اليوم وصورة رامي لم تغادر تفكيري لدرجة أنني أراه في منامي وهو مريض وتعبان ".
وتكمل بصوت مخنوق والدموع تنهال من عينها "لم تشفع إدارة السجن ما فعلوه برامي بل قاموا بعقابه بمنع زيارة زوجته وأولاده لمدة ثلاث شهور لأنه يضع البشكير على وجهه."
وعن آخر زيارة لها والتي كانت بتاريخ 10/6/2012 تحدثت زوجة رامي عن معاناة الزيارة قائلة": معاناة وعذاب وقهر نفسي, وأثناء ذهابي لزيارة رامي قاموا باصطحابي إلى غرفة مخصصة لتفتيش النساء وأمروني بخلع "البنطلون" من اجل تفتشنا بالرغم من رفضي ولكن بالقوة جعلوني اخلعه ولكن ماذا سنخفي تحت ملابسنا , ولماذا هذا الاستفزاز."
وعن حالة رامي الصحية تقول إن رامي مرهق وتعبان وبحاجة إلى تحرك من قبل المؤسسات, من اجل إنقاذ حياته , وأوجه ندائي ومناشدتي إلى الرئيس محمود عباس ووزير شؤون الأسرى عيسى قراقع والصليب الأحمر ومؤسسات حقوق الإنسان الاهتمام بقضية رامي لان صحته تتدهور كل يوم ".
تقرير:عهود الخفش