مخيم اليرموك...في سيرك الدم والوحوش المنفلتة

بقلم: د.زياد أبوالهيجاء


هب الاعصار و كسرت المصابيح , ,أطلق مدربو السيرك العنان لأسودهم وفيلهم وأفاعيهم, فجالت على رقاب الجمهور... نهشا وطحنا ,وفي هذا السيرك الدموي المتكرر ...ينهض اللاعب الفلسطيني من وسط الجمهور , مدعيا عدم الاكتراث , ومحاولا انشاء لعبة التوازن على الحبل المشدود...يمسك بالعصا من وسطها, يحركها بهدوء يمنا وشمالا , عينان متوقدتان وأطراف أربعة تحاول استخدام حيل الرشاقة ومهارات النجاه لانقاذ من اعتادوا على تقديم الضحايا لوحوش السيرك ...دون مبرر,
السيرك الدموي , أقيم في الكويت بعد أن احتلها صدام وفي العراق بعد أن احتلتها أمريكا . وحتى في ليبيا لم تفد اللاعب الفلسطيني مهاراته وعدم تدخله في شؤون الغير ....فهو شأنهم الدائم كلماانطفأت مصابيح السيرك وأريق الدم على جوانبه .

السيرك اليوم في سوريا . منذ سنة ونصف , والناطق الفلسطيني...يحاول اتقان لعبة السير على الحبل المشدود:لسنا طرفا..لانتدخل ...لاعلاقة لنا ..ولكن الوحوش لاتفهم ولاترحم , فيتوالى سقوط الشهداء ..من أعداد متفرقة على مدار أيام الثورة السورية ..من اتهامات للفلسطينيين في درعا..الى قتل اختياري في اللاذقية..الى مجازر بشعة...لم تنجح وسائل النظام السوري في اخفائها او في توجيه الأنظار الى الجيش الحر وقوى المعارضة كمتهمين دائمين في كل مايجري من قبل قناة الدنيا وأبواق بشار الأسد..
كانت مجزرة النيرب التي ذهب ضحيتها مجندون في جيش التحرير الفلسطيني , وهو جيش يقوده بروتوكوليا جنرال فلسطيني عجوز , وعمليا , هو وحدة من الجيش السوري...ولكنه وحدة عسكرية مشكوك في ولائها بالنسبة للنظام السوري , فكانت المجزرة لتخويف ضباط وجنود هذه الوحدة العسكرية السورية التي تحمل اسما فلسطينيا ..تماما كما يحمل أقذر فروع المخابرات السورية وأكثرها فتكا اسم " فرع فلسطين "...ثم العمل عبر الات اعلامية مقززة ومتخلفة لاتحترم العقل على الصاق تهمة المجزرة بالجيش السوري الحر.
وتلت مجزرة النيرب مجزرة اخرى في مخيم اليرموك ويبدو ان شهية الأسد الجريح في ساعاته الأخيرة منفتحة على الدم الفلسطيني , امعانا في الممانعة والصمودوالتوازن الاستراتيجي ....وهذه غيض من فيض المصطلحات والشعارات التي مازالت ألة القتل الأسدية تحاول الاحتنماء بها.
هل نجحنا في السير على الحبل الرفيع المشدود ؟؟وهل حمانا امساك العصا من وسطها؟؟الوقائع تنفي وتدعونا الى التخلي عن أوهام الحياد وعدم التدخل ....فبين الشعب السوري والنظام المجرم , لاخيار سوى الانحياز للشعب , واذا كان الثمن سيدفع في حالتي الحياد والانحياز , فلاباس من دفعه في ميدان الانحياز للشعب السوري ومن أجل حريته.
قرار الرئيس أبومازن بتشكيل لجنة لاغاثة الشعب الفلسطين في سوريا..اشارة بالغة الدلالة على أن القيادة الفلسطينية ستعمل كي لاتتكرر تجارب الماضي...في الكويت وفي العراق وفي بلاد عربية أخرى ,,,بل وفي بلاد أخرى من العالم ...ففي عام 1989 حين اندلاع قتال في بوخارست في ماعرف بعد ذلك بالثورة الرومانية..قام الثوار الذين سيطروا على محطتي الاذاعة والتلفزيون بالتحريض على الطلبة الفلسطينيين وعلى سفارة فلسطين , وحدثت مضايقات وبعض الاعتداءات, وكان الزعيم الخالد أبوعمار يومها في العراق ..فبذل جهودا جبارة بدأت باستدعائه السفير الروماني في بغداد وابلاغه رسالة حازمة للسلطات الثورية الجديدة في بوخارست مفادها أن مظمة التحرير الفلسطينية تحمل هذه السلطات المسؤولية الكاملة عن أي ضرر يلحق بأبناء الجالية الفلسطينية في رومانيا , وتواصلت تلك الجهود على مدار الساعة باتصالات مع موسكو وبراغ ..بل انه طلب من السفارة الفلسطينية في رومانيا تزويده بأرقام هواتف القادة الجدد لرومانيا واتصل بهم فعلا فتوقف التحريض ضد الفلسطينييين.

الناطق باسم الخارجية السورية . جهاد مقدسي , كتب على صفحته الشخصية في الفيسبوك , وكررت ذلك صفحات موالية له , مطالبا برحيل الضيوف الذين لايحترمون أصول الضيافة....وذلك في اشارة واضحة الى مظاهرات مخيم اليرموك حيث يقيم " الضيوف" منذ عام 1948....وهؤلاء مثلهم مثل باقي الفلسطينيين في الدول العربية , شكلوا موردا بشريا مبدعا في الاقتصاد والثقافة والتطور الحضاري في كل الدول التي حلوا " ضيوفا" على أراضيها.....ولكن التنكر لهم والتنكيل بهم أصبح جزء من العادات العربية في اكرام " الضيوف"..

فهل نستطيع مواصلة السير الحذر والخطير على الحبل المشدود في سيرك الدم والنار والوحوش؟ حياديتنا المعلنة لم تقنع أحدا , في كل التجارب الأليمة التي مررنا بها , ولن تقنع الوحوش وأسدهم في دمشق, بل ستتواصل الاعتداءات وتتصاعد ضد أبناء شعبنا في سوريا , واذا كان الموقف الرسمي محاطا بألغام اقليمية ودولية , فلتكن للشتات الفلسطيني كلمته القوية , وليبدء تحرك شعبي في كل مكان من أجل حماية مخيماتنا وتسليط أضواء الاعلام على مايجري في محيطها , ولتبلغ قيادة النظام السوري بأنها ستحاسب على كل أذى تلحقه بأي فلسطيني في سوريا.
أما محاولة الاستمرار في السير على الحبل المشدود . في سيرك الوحوش المنفلتة والعتمة , فلن تؤدي سوى الى شعور أهلنا في سوريا بمرارة الخذلان, ولن تفلح المحاولة في ثني قوى التنكيل والقمع عن استثناء الفلسطينيين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت