ورطة القيادة والحل الغائب

بقلم: جادالله صفا


هل يجوز لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ان تتنصل من اتفاقيات اوسلو؟ وهل يجوز لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ان تتنصل من رسائل الاعتراف المتبادلة بين م. ت. ف وحكومة رابين؟ وماذا يعني هذا التنصل بفترة ما زالت موازين القوى تميل بشكل واضح لصالح الكيان الصهيوني؟ وهل هناك من يجروء على التفكير جديا بحل السلطة الفلسطينية؟. وما هو الثمن المطلوب تقديمه فلسطينيا في حال اقدمت اي جهة فلسطينية بالتجروء على اي خطوة لا ترضي الجانب الاسرائيلي؟ هل هذه الاسئلة تحدد مستقبل القضية الفلسطينية؟ وما هو المخارج التي تشكل بحد ذاتها استمرار القضية الفلسطينية مطروحة بحدها الادنى على المستويات الدولية والعربية كقضية وطنية؟

لا نأتي بجديد عندما نقول ان اعتراف الجانب الفلسطيني باسرائيل كان على اراضي فلسطينية، اما الاعتراف الاسرائيلي فقط كان بمنظمة التحرير الفلسطينية بعد ان جردها من وحدانية تمثيلها ومن شرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني، وهذه اتفاقيات دولية تلتزم بها قيادة الشعب الفلسطيني، وهنا مربط الفرس، وهل القيادة الفلسطينية ستتخلى عن رسائل الاعتراف المتبادلة مع حكومة اسرائيل؟ وما هو الثمن الذي ستدفعه هذه القيادة في حال اقدمت على خطوة كهذه؟

يؤكد اتفاق اوسلو ببنده الاول "إن هدف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية ضمن إطار عملية السلام الشرق أوسطية هو وإلى جانب أمور أخرى، تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية. المجلس المنتخب "للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لمرحلة انتقالية لا تتعدى الخمس سنوات وتؤدي إلى تسوية نهائية مبنية على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338. ومن المفهوم أن الترتيبات الانتقالية هي جزء لا يتجزأ من العملية السلمية الشاملة وأن المفاوضات حول الوضع النهائي ستؤدي إلى تطبيق قراري مجلس الأمن 242 و 338.

بالواقع انا لست رجل قانون لاناقش الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين من وجهة نظر قانونية، ولكن اي نظرة عادية مهما كان الانسان يجهل بالقوانين او كيفية صياغة الاتفاقيات، سيكتشف بان اتفاق اوسلو يتنكر لكافة الحقوق الفلسطينية بما فيها حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية وأن هذه البنود تركت للمفاوضات لحلها، ولم يحدد اتفاق اوسلو طبيعة حلها، وانما الحل يتم من خلال اتفاق الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي.

اتفاق اوسلو نجح بتثبيت جيش من الموظفين عند السلطة الفلسطينية، يعتاشون على الراتب، وهذا الجيش اصبح يشكل عبأ على القيادة الفلسطينية، التي اخذت على عاتقها مسؤولية توفير الراتب لهم، فالسلطة الفلسطينية تمر بأزمة مالية غير مخفية على احد، وتهدد بانهيار هذه القيادة وهذه السلطة وتنذر الساحة الفلسطينية بكارثة تشكل خطرا كبيرا على كامل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، فقضية الرواتب تقلق السلطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية، وتعمل القيادة الفلسطينية جاهدة من اجل الخروج من هذا المأزق، فالافق مغلقة امام هذه القيادة التي ارتضت لنفسها ان تكون بهذا الموقع وتجرد نفسها من كل مراكز القوى التي كانت تتمتع بها، فبكل تاكيد ان العاهل السعودي سيقول للرئيس الفلسطيني انه ليس بامكاننا ان نوفر مائة مليون دولار كل شهر رواتب لموظفي السلطة، فالازمة ستتفاقم اكثر واكثر، فالسلطة ستتفرغ لاحقا لتوفر لقمة العيش لجيش من الموظفين، وتوفير الوقود لقطاع غزة لأخراجها من الظلام.

اسرائيل تدرك جيدا ماذا يعني جر القيادة الفلسطينية الى الاهتمام بقضايا اخرى ليس لها علاقة بالحقوق السياسية والوطنية والشرعية للشعب الفلسطيني، فتحميل الجانب العربي مسؤولية التقصير وعدم الوفاء بالالتزامات المالية لجيش من الموظفين، يأخذنا بعيدا عن الهدف الاساسي لنضال الشعب الفلسطيني، فقضيتنا القلسطينية هي قضية سياسية وطنية، فاسرائيل تدرك جيدا حجم التناقضات الاجتماعية الداخلية بالمجتمع الفلسطيني، وصعوبة الحلول بظل استمرار الاحتلال، فحل كل هذه المعضلات والتناقضات الموجودة بالمجتمع الفلسطيني لا يمكن معالجتها الا بازالة الاحتلال وليس باستمراره، وباعتبار ان السلطة والقيادة الفلسطينية وافقت على التعاطي مع الداخل الفلسطيني من خلال اتفاق اوسلو الذي يعالج القضية على اساس انساني وليس على اساس سياسي، وتمكنت اسرائيل ان تنتزع من الطرف الفلسطيني اعتراف بحق سياسي لاسرائيل على اراضي فلسطينية مقابل حكم ذاتي يتعاطى مع الحقوق المدنية والدينية للشعب الفلسطيني، يعود بنا التذكير بوعد بلفور المشؤوم الذي منح اليهود حقوقا سياسية بفلسطين وحقوقا مدنية ودينية لغير اليهود.

فالقيادة الفلسطينية متمسكة بالسلطة لانها تدرك جيدا ماذا يعني حلها، وما هي الكوارث التي ستحل على الشعب الفلسطيني بالداخل، ولكن اسرائيل تنتظر الفرصة المناسبة لحل هذه السلطة لمزيد من الفوضى وتفكيك الشعب الفلسطيني، وسيبقى الحل غائبا ما دام البديل القيادي والبديل المالي القادر على خلق قاعدة صمود لشعبنا الفلسطيني بالاراضي الفلسطينية غائبا.

جادالله صفا – البرازيل
18/07/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت